مرضى الثلاسيميا في غزة.. بين فكي الحرب والموت البطيء

تبقى معاناة مرضى الثلاسيميا في قطاع غزة واحدة من صور الألم الإنساني المتفاقم تحت الحصار والقصف، في ظل صمت دولي مخزٍ.
يعاني مرضى الثلاسيميا في قطاع غزة من أوضاع صحية وإنسانية كارثية، تفاقمت إلى حد غير مسبوق منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر، والانهيار شبه الكامل في المنظومة الصحية، والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يهدد حياتهم بالخطر الدائم.
ويقدر عدد المصابين بمرض الثلاسيميا في غزة بنحو 244 مريضاً، يعاني معظمهم من تدهور مستمر في حالتهم الصحية نتيجة نقص الخدمات الطبية المتخصصة، والضغط الهائل على المستشفيات التي بالكاد تستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة من جرحى العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
والثلاسيميا هو مرض وراثي مزمن من أمراض فقر الدم (الأنيميا)، يحتاج المصابون به إلى نقل دم منتظم مدى الحياة، بالإضافة إلى أدوية خاصة تساعد على التخلص من الحديد الزائد في الجسم، وهو ما بات شبه مستحيل في ظل الحصار المشدد.
أزمات متشابكة
تعاني مراكز نقل الدم في غزة من نقص حاد في وحدات الدم، نتيجة سوء التغذية الحاد الذي أصاب سكان القطاع، ما جعل غالبية المواطنين غير قادرين على التبرع بالدم، إضافة إلى ذلك، يواجه المرضى نقصاً في الأدوية الحيوية، وأبرزها “ديسفرال” الذي يُستخدم لطرد الحديد المتراكم من أجسام المرضى، وكذلك نقصاً في “مرشحات الدم” التي تضمن نقل الدم بأمان.
تقول أماني الخطيب، وهي مريضة ثلاسيميا تبلغ من العمر 23 عاماً: “لم أتمكن من تلقي نقل دم منتظم منذ أكثر من شهرين، ولا أجد الدواء الذي يحميني من تراكم الحديد في جسمي، وأشعر بالضعف الدائم والدوار، ولا أستطيع النوم جيداً من شدة الألم”.
وتضيف الخطيب في حديثها لـ”الخليج أونلاين” أن المستشفيات لا تتوفر فيها العلاجات الخاصة بمرضى الثلاسيميا بسبب إغلاق الاحتلال لمعابر قطاع غزة والضغط على المنظومة الصحية.
لم تتوقف معاناة مرضى الثلاسيميا عند حدود نقص الأدوية أو الدم، بل تفاقمت بسبب غياب الغذاء الصحي، فمع استمرار الحرب وإغلاق المعابر، بات المرضى يعتمدون على المعلبات فقط، في ظل غياب تام للفواكه والخضروات، ما يؤدي إلى تدهور عام في صحتهم الجسدية والنفسية.
حيث تقول أماني: “كل ما نأكله معلبات والقليل من الخبز فقط، لا فواكه ولا خضار، ولكم أن تتخيلوا كيف لمريض يحتاج إلى غذاء متوازن أن ينجو في هذا الوضع الذي لا يمكن لأحد أن يقبله أو يتحمله”.
من جهته، يقول محمود سليم (17 عاماً)، وهو طالب ثانوية عامة ومصاب بالثلاسيميا: “أنا لا أطلب شيئاً سوى فرصة للحياة، وأحتاج إلى نقل دم ودواء وغذاء بسيط، وفي كل مرة أذهب فيها للمستشفى، يقولون لا يوجد دم، وأشعر أنني أقترب من النهاية”.
ويعاني سليم كما تحدث لـ”الخليج أونلاين” من سوء تغذية بسبب عدم توفر أي أنواع الطعام الصحي أو الفواكه والخضروات أو اللحوم أو الدواجن في الأسواق.
ويأمل سليم أن ينجح في الخروج من قطاع غزة عبر تحويلة طبية من أجل إكمال علاجه في دولة عربية والحفاظ على حياته.
وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ أشهر طويلة سفر المرضى لتلقي العلاج في الخارج، وهو ما زاد الوضع تعقيداً، حيث توقفت معظم التحويلات الطبية، ما وضع المصابين أمام واقع قاتل بلا أفق للنجاة.
مطالبات بتدخل دولي عاجل
في ظل هذه الكارثة، دعت مؤسسات حقوقية وطبية إلى تدخل دولي فوري لإنقاذ مرضى الثلاسيميا في غزة، من خلال توفير وحدات دم، وتأمين الأدوية المنقذة للحياة، وفتح المعابر بشكل عاجل لسفر الحالات الحرجة.
واعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن تعمد حرمان هؤلاء المرضى من العلاج يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وجريمة ترقى إلى الإبادة الجماعية، وفقاً للمادة (2/ج) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وذكر المركز في تصريح مكتوب وصل “الخليج أونلاين” نسخة منه، أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل، منذ أكثر من عام ونصف، حرمان المرضى من الأدوية ونقل الدم، إضافة إلى فرض سياسة تجويع ممنهجة، مشيراً إلى أن هذه الظروف أدت إلى وفاة 40 مريضاً، منهم 28 قضوا بسبب نقص الدواء والغذاء، و12 استشهدوا نتيجة القصف المباشر للأحياء السكنية.
أصوات لا تصل
وتبقى معاناة مرضى الثلاسيميا في قطاع غزة واحدة من صور الألم الإنساني المتفاقم تحت الحصار والقصف، في ظل صمت دولي مخزٍ.
تقول والدة الطفلة روان عبدو (10 سنوات)، المصابة بالمرض: “أراقبها كل يوم وهي تذبل أمامي، وأشعر أنني عاجزة تماماً، لا دم، لا دواء، لا غذاء، حتى السفر ممنوع، وهل ننتظر حتى تموت كي تتحرك الضمائر؟.
تضيف أم روان لـ”الخليج أونلاين”: “هؤلاء مرضى، لكنهم قبل كل شيء بشر، لهم حق في الحياة، في العلاج، في الطعام، وفي الكرامة”.
وتوضح أن العالم عليه تخيل مشهد مريضة ثلاسيميا لا تجد دم من أجل الحفاظ على حياتها وصحتها، أو تجد طعام يساعدها في المشي لأمتار معدودة فقط.