الاخبار

محطة استثنائية.. الخليج يعزز شراكته مع الصين و”آسيان”

يبلغ حجم اقتصاد دول الخليج ودور رابطة آسيان قرابة 6 تريليونات دولار، وعدد سكان دول التكتلين 740 مليون نسمة.

احتضنت العاصمة الماليزية كوالالمبور، الثلاثاء (27 مايو)، أعمال القمة الثانية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، والقمة الثلاثية الأولى بينهما مع الصين.

حدثان فارقان بالنظر للمقومات التي تمتلكها دول الخليج ودول “آسيان” والصين، إذ تشكل هذه الدول ثقلاً اقتصادياً ضخماً، ما يخولها دوراً سياسياً لا يمكن تجاوزه.

القمة الثنائية بين الخليج و”آسيان”، تشكل تجذيراً للعلاقات الثنائية، وتخلق بيئة واعدة للشراكة والاستثمار في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية، كما تشكل جسراً للتعاون في مختلف المجالات الأخرى، السياسية والتقنية والعلمية.

قمة استراتيجية

القمة الثنائية التي حضرها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح، ووزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، وممثلين عن زعماء وقادة الخليج، وقادة دول “آسيان”، تمثل تطوراً مهماً في مسيرة العلاقات بين التكتلين.

وقال ممثل أمير الكويت، في الكلمة الافتتاحية، إن هذه القمة تشكل محطة بارزة في مسيرة الشراكة المتنامية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة “آسيان”.

المسؤول الكويتي، أضاف في كلمته: “تجتمع اليوم جهتان فاعلتان على الساحة الدولية، تتمتع كل منهما بمقومات جغرافية وبشرية واستراتيجية هائلة، مما يؤهلهما لأن يكونا طرفين فاعلين، ويقوما بدور هام في ظل ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية متسارعة، وتحديات أمنية متشابكة، ومخاطر مناخية متزايدة، وثورة تكنولوجية تفرض أنماطا جديدة من التعاون والشراكة”.

شراكة اقتصادية

نوّه الشيخ صباح الخالد، إلى أن التكتلان يملكان من المقومات الكثير، فهما قوة اقتصادية وبشرية هائلة، فيما يبلغ إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون، و”آسيان” البالغ عددها 16، بلغ قرابة 6 تريليونات دولار، في حين يبلغ عدد سكانها قرابة 740 مليون نسمة، وترتبط فيما بينها بممرات بحرية وتجارية تعد من بين الأهم عالمياً.

ووفق ولي عهد الكويت الذي رأس الاجتماع، بالشراكة مع رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، فإن مجلس التعاون أصبح سابع أكبر شريك تجاري لـ”آسيان” في عام 2023، وبإجمالي تجارة تجاوز 130 مليار دولار، متوقعاً أن يشهد حجم التجارة نمواً متوسطاً بنسبة 30% ليصل إلى 180 مليار دولار بحلول عام 2032.

وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري في السلع بين مجلس التعاون و”آسيان” تجاوز 122 مليار دولار في عام 2023، في حين هناك تزايد مستمر في الاستثمارات الخليجية في الأسواق الآسيوية، مما يعكس الثقة المتبادلة والتكامل الاقتصادي المتنامي، ويجسد حجم الإمكانات المتاحة لمضاعفة هذه الأرقام عبر سياسات اقتصادية محفزة.

ودعا إلى التعاون في بناء اقتصاد رقمي شامل يواكب التحولات التكنولوجية الكبرى، والتجارة الإلكترونية، مقدماً مقترحاً لتبادل التجارب في تطوير البنية التحتية الرقمية، كما اقترح اعتماد العام 2026 عاماً للتقارب الثقافي بين مجلس التعاون والآسيان.

تعاون استراتيجي

ولا تقتصر أهمية القمتين الثنائية والثلاثية على البعد الاقتصادي وحسب، بل تمتد إلى أبعاد أخرى سياسية وأمنية وثقافية، ووفق أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربي، جاسم البديوي، فإن مواضيع الشراكة الاستراتيجية مع دول “آسيان” والصين إلى جانب جهود المجلس في معالجة الأزمة في غزة والقضية الفلسطينية كانت “ضمن الأولويات الأساسية خلال أعمال القمة المنعقدة”.

وهناك تقارب كبير في وجهات النظر حول العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، وفق البديوي الذي أعرب عن الأمل بأن تسفر الاجتماعات عن مخرجات ملموسة تعود بالنفع على اقتصادات الدول المشاركة.

وأضاف في كلمته خلال انعقاد القمة الثانية بين دول الخليج و”آسيان”، إلى أن القمة وفرت فرصاً مواتية عديدة لمناقشة لتعزيز التعاون في مسار الشراكة الخليجية – الآسيوية، في ظل ما يشهده عالمنا من تحديات متسارعة وتحولات على المستويين الإقليمي والدولي.

وشدد البديوي على أهمية “إبراز الحاجة لاتخاذ موقف حازم وموحّد للتصدي لكافة الأنشطة، التي تقوّض أمن واستقرار المنطقة والعالم، وعلى رأسها الاعتداءات على السفن التجارية والتهديدات التي تستهدف حرية الملاحة البحرية وانسياب حركة التجارة الدولية”.

الخليج – الصين – آسيان

وانعقدت أيضاً القمة الثلاثية بين الخليج و”آسيان” والصين، وقال البديوي إن هذه القمة تعتبر حدثاً استثنائياً بكل المقاييس، وتعكس إدراكاً مشتركاً لأهمية تعزيز التشاور السياسي، وتبادل الرؤى حول قضايا السلم والتنمية الاقتصادية، وترسيخ الأمن والاستقرار الإقليمي.

وأشار البديوي، إلى أن تعداد سكان دول الخليج و”آسيان” والصين، أكثر من 2.14 مليار نسمة، أي نحو 27% من سكان العالم، ضمن سوق يمتد من الخليج العربي إلى المحيط الهادئ، ويحمل إمكانات استهلاكية وإنتاجية هائلة لا يمكن تجاهلها في معادلات الاقتصاد العالمي، وعلى الصعيد الاقتصادي.

كما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون و”آسيان” والصين أكثر من 24 تريليون دولار، أي ما يعادل أكثر من 22% من الناتج العالمي، مع توقعات بنمو سنوي يتراوح بين نسبة 4 إلى 6% حتى عام 2030، مدفوعاً بالتحول الرقمي، والطاقة النظيفة، وسلاسل التوريد الذكية.

وعلى مستوى التبادل التجاري، بلغ حجم التجارة بين دول مجلس التعاون وكل من الصين و”الآسيان” معاً قرابة 347 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يشكل أكثر من ثلث تجارة الخليج مع دول العالم قاطبة، مع مؤشرات واضحة على أن هذا الرقم قد يتجاوز 500 مليار دولار بحلول عام 2030.

نقطة تحول

وتمثل القمة الخليجية مع دول رابطة “آسيان”، وكذلك الثلاثية لهما مع الصين، نقطة تحول استراتيجي في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الكتل الإقليمية، بحسب الخبير في شؤون الطاقة عامة الشوبكي.

ولفت الشوبكي في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن الخليج تزداد أهميته يوماً بعد يوم، كما أنه أصبح الآن مصدراً للطاقة، وللتدفقات النقدية، والاستثمارات، وغيرها من المجالات.

وبيّن أن تعزيز الشراكة الخليجية مع “آسيان” والصين، يأتي في سياق تصاعد التوترات التجارية العالمية، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، مبيناً أن هذا يدفع بكين لتعزيز علاقاتهما مع كتل اقتصادية أخرى مهمة، مثل دول الخليج.

ويشير إلى أن “آسيان”، تعد الشريك التجاري الأكبر لبكين، بتبادل تجاري بلغ في الربع الأول من العام الجاري 2025، قرابة 234 مليار دولار، كما أن الصين الشريك التجاري الأكبر لمجلس التعاون الخليجي، بتبادل تجاري بلغ في 2023، قرابة 298 مليار دولار، مبيناً أن النفط يمثل 36% من واردات الصين من الخليج.

أفاق التعاون

وتطرق الشوبكي، إلى مقترح اتفاقية التجارة الحرة بين “آسيان” ومجلس التعاون الخليجي، لافتاً إلى أنها ستكون الأولى من نوعها، بين الرابطة وكتلة اقتصادية أخرى.

هذا الاتفاق، يهدف إلى تعزيز النمو الشامل والمستدام خاصة بعد التعافي من جائحة كورونا والتحديات الجيوسياسية اللاحقة، وفق الخبير الاقتصادي.

واستطرد الشوبكي قائلاً: “التعاون سيتركز على الطاقة المتجددة، والتكنلوجيا والذكاء الاصطناعي، والاقتصادي الرقمي”، لافتاً إلى أن هذا يعكس تطلع الطرفين إلى تنويع اقتصاداتهما، وتقليل الاعتماد على النفط، وهذا بالتأكيد من استراتيجية جميع دول الخليج.

ونوّه إلى أن الخليج يمثل أهمية كبيرة لرابطة “آسيان” والصين، ووفق وجهة نظره، فإن “دول الخليج تعتبر مصدراً موثوقاً للطاقة بالنسبة لدول شرق آسيا والصين، كما أن الخليج أكبر مورد للطاقة إلى الصين ولآسيان”.

وأضاف: “هذا التعاون يضمن ويزيد من أمن الطاقة لهذه الدولة (آسيان والصين)”، في حين تسعى دول الخليج “لجذب استثمارات منهما لتنويع اقتصاداتها، خاصة في مجالات التكنلوجيا والبنية التحتية، كما فعلت دول مثل قطر والإمارات والسعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية”.

وأشار إلى أن أسواق “آسيان” والصين تمثل أهمية كبرى للخليج، وهذا يعزز صادراتها النفطية وغير النفطية أيضاً، مضيفاً: “يساهم التعاون بين الخليج ودول آسيا والصين في نقل التكنلوجيا والمعرفة من هذه الدول إلى دول الخليج، ما يدعم خطط التنمية المستدامة في دول الخليج”.

واختتم الخبير الاقتصادي حديثه بالقول: “مثل هذه القمم خطوة استراتيجية نحو بناء شراكة اقتصادية وسياسية متينة بين الخليج وآسيان والصين، وتعكس تحولاً في موازين القوى العالمية، وسعياً مشتركاً لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الإقليمي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى