الاخبار

مبعوث أمريكي يهز موروث الاستعمار.. هل تغادر واشنطن خرائط سايكس بيكو؟

سفير الولايات المتحدة لدى تركيا توم باراك:

اتفاق سايكس بيكو قسم سوريا والمنطقة بأسرها لتحقيق مكاسب استعمارية، وليس من أجل السلام.

أثار تصريح جديد للسفير الأميركي لدى تركيا، والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، جدلاً واسعاً بعد وصفه اتفاق سايكس بيكو بأنه “مشروع استعماري قسّم سوريا والمنطقة لتحقيق مكاسب لا علاقة لها بالسلام”.

وفي تصريحات أعقبت لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في إسطنبول، قال باراك: “قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط ووصايا وحدوداً مرسومة وحكماً أجنبياً، قسّم سايكس بيكو سوريا والمنطقة بأسرها لتحقيق مكاسب استعمارية، لا من أجل السلام”، لافتاً إلى أن هذا الخطأ، كلّف العالم أجيالاً”، مشدداً على ضرورة عدم تكراره.

وأضاف عبر منصة “إكس”: “لقد ولّى عصر التدخل الغربي. المستقبل يكمن في الحلول الإقليمية، ولكن في الشراكات، وفي دبلوماسية قائمة على الاحترام”.

واستدلّ بخطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ألقاه خلال زيارته إلى الرياض في 13 مايو الماضي والذي قال فيه: “ولّت أيام التدخلات الغربية التي كان يسافر فيها دعاة التدخل إلى الشرق الأوسط لإلقاء محاضرات عن كيفية العيش وإدارة شؤونهم بأنفسهم”.

وفتح هذا التصريح الباب أمام تساؤلات بشأن ما إذا كان هذا الخطاب يعكس تحوّلاً حقيقياً في مقاربة واشنطن للمنطقة، أم أنه مجرّد تعبير عن رؤية سياسية آنية لرجل أعمال مقرّب من الرئيس الأميركي.

صراع غربي

وفي تعليقه على هذا التصريح، قال وزير خارجية تونس السابق، رفيق عبد السلام، إن “هذا التصريح، ما هو إلا انعكاس للصراع الأمريكي مع القوى الأوروبية التقليدية على التموقع في المشرق العربي والخليج”.

وأضاف عبدالسلام في تدوينة على منصة “إكس”، إن “أول خطوة في إصلاح سايكس بيكو، تتمثل في القطع مع وعد بلفور الذي لحقه بسنة تقريباً، ومن ثم إنهاء احتلال فلسطين وإعادة الأرض المسلوبة لأصحابها الحقيقيين”.

في حين تساءل الباحث أول في مركز الجزيرة لقاء مكي، عما ينتظر المنطقة في حال تلاشى اتفاق سايكس بيكو، مضيفاً: “هل هو مجرد استشهاد بالتاريخ من قبل الأمريكي لدى سوريا، أم أنها إشارات لمستقبل مختلف؟”.

تطور إيجابي

وثمة من يرى في هذا التوجه تطوراً إيجابياً قد ينعكس على المنطقة، ومنهم أحمد رمضان مدير عام مركز لندن للاستراتيجيات الإعلامية، والذي يرى أن هناك “فرصة تتنامى لولادة شرق جديد”، لافتاً إلى أن على القوى المحلية الاستعداد لاستحقاقات المرحلة المقبلة، بكثير من الجاهزية واليقظة والحذر.

وقال رمضان في تدوينة على منصة “إكس”: “إن من أهم التطورات قرار وقف الحرب على غزة الذي تم اتخاذه، وتحييد سلاح “حزب الله” في لبنان، وإغلاق ملف قسد في سوريا، وتصفية ملف تنظيم الدولة وعناصره بتدخل من الدولة السورية.

وأشار أيضاً إلى أن الطبخة في العراق قد نضجت، وأنه قد طلب من قادة المليشيات الموالية لإيران التنحي عن المشهد، في حين ستكون إيران أمام تحدٍ مختلف إما التوصل إلى اتفاق نووي صاروخي يلبي شروط ترامب، أو مواجهة هجوم نوعي بعد فقدانها أذرعها في المنطقة.

لا تغيير جذري

وفي مقابل هذه الرؤية المتفائلة بالتحول في الموقف الأمريكي إزاء الشرق الأوسط، هناك من يقلل من أهمية تلك التصريحات، ومن هؤلاء الباحث في الشأن الأمريكي أسامه أبو رشيد.

وقال أبو رشيد في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إنه “لا يمكن الحديث تغيير جذري في السياسة الخارجية الأمريكية نحو منطقة الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أنه مجرد تصريح من سفير معين سياسياً، “وليس من قلب المؤسسة الحاكمة، أو قلب المؤسسة الخارجية الأمريكية”.

وأضاف، أن “باراك، ليس مسيساً بشكل عميق، وليس معروفاً بكونه أحد منظري السياسة الخارجية، كما أن آراءه في السياسة الخارجية ليست معتبرة”، لافتاً إلى أن تعيينه في منصبه، هو تعيين سياسي، لعلاقات تجارية واستثمارية تربطه بالمنطقة.

واستطرد قائلاً: “لا يمكن الحديث عن تحول جذري، لأن هذا التصريح لا يوجد له سياق نظري واضح، صحيح أن ترامب تحدث في قمة الرياض خلال جولته في المنطقة، عن أن عهد إعطاء المحاضرات، وإرسال الجنود إلى الخارج قد ولى، لكن هو قال نفس الكلام في فترته الأولى، وعندما خسر الانتخابات عادت الأمور إلى ما كانت عليه”.

ونوّه إلى أن حديث باراك، كان مرهون بشروط أمريكية، إذ اشترط على سوريا أن تضمن أمن “إسرائيل”، وأن تحارب تنظيم الدولة، وأن تقدم ضمانات معينة فيما يتعلق بسياساتها الداخلية، وبالتالي فالأمر لا يمكن وصفه بأنه تحول، كما أنه لا يرتبط برؤية عميقة وواسعة.

ولا يرى أبو رشيد، أن هناك اختلاف تاريخي بين الرؤية الأمريكية والأوروبية تجاه الشرق الأوسط.

ونوّه إلى أن الخلاف بين الجانبين يتعلق بالعلاقات التجارية، والتصعيد الضريبي بين الطرفين، وخلافات تتعلق بملف أوكرانيا وروسيا.

سايكس بيكو

وفي عام 1916، وقّعت بريطانيا وفرنسا معاهدة سرية تُعرف بـ”سايكس بيكو”، سُمّيت نسبة إلى الدبلوماسيين مارك سايكس البريطاني وفرانسوا جورج بيكو الفرنسي، بمباركة روسيا وإيطاليا.

و نصّت الاتفاقية على تقاسم مناطق النفوذ في المشرق العربي بعد انهيار الدولة العثمانية، حيث خُصّصت سوريا ولبنان لفرنسا، بينما مُنحت العراق وشرق الأردن وفلسطين لبريطانيا.

 ووفقاً لمركز “كارنيغي للشرق الأوسط”، فإن الاتفاقية ساهمت في ترسيخ أنظمة استبدادية اعتمدت على دعم القوى الكبرى للحفاظ على حدود سايكس بيكو، مما حال دون بناء عقد اجتماعي حقيقي داخل الدول الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى