ما مستقبل قوات “قسد” في سوريا بعد بدء رئاسة ترامب؟
استقرار سوريا في قادم الأيام مرتبط بحلحلة عُقدة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ومصير هذه القوات مرتبط بموقف وقرار إدارة الرئيس ترامب.
تحديات كثيرة تعيشها سوريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، البعض منها بدا أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل سقوطه، وفي المقدمة ملف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والإدارة الكردية التي تسيطر على قرابة ربع الجغرافيا السورية.
الملف تتداخل فيه العوامل الداخلية والخارجية، وله امتدادات كثيرة ومعقدة، تجعل من قوات “قسد” سبباً لتوتر متنامٍ، ومبرراً لخلاف محتمل بين تركيا والولايات المتحدة، تحضر فيه “إسرائيل” كطرف أيضاً، ما يعني أنه قد يكون العقدة الأكثر خطورة في سوريا الجديدة.
وبالرغم من التصريحات المتبادلة بين الحكومة السورية الجديدة، وقيادة الإدارة الكردية الذاتية، ولقاء قائد الإدارة السورية أحمد الشرع بوفد من “قسد” مطلع يناير الجاري، إلا أن ما يفرّق أكثر مما يجمع، والتعقيدات تبدو أصعب من أن تُحل بهذه السهولة، خصوصاً مع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة.
الأطراف الفاعلة
مثّل سقوط النظام فرصة نادرة من وجهة نظر كل الأطراف، فـ”قسد” رأت في هذا فرصة لتوسيع نفوذها، وهذا ما فعلته خلال الأيام الأولى التي تلت سقوط الأسد، بينما ترى الإدارة السورية الجديدة فرصة لاستعادة الجغرافيا السورية كاملة، مستفيدة من زخم انتصار الثامن من ديسمبر.
وخارجياً ترى تركيا فيما حدث فرصة للقضاء على تهديد التنظيمات الكردية التي تصنفها أنقرة كمجموعات إرهابية، ذات ارتباط وثيق بحزب العمال الكردستاني المعادي لها، ولذلك دعمت تحرك الجيش الوطني السوري فيما عرف بعملية “فجر الحرية” والتي نجحت في استعادة بعض المناطق الهامة من أيدي “قسد”.
ولا تُخفي “إسرائيل” تعاطفها مع قوات سوريا الديمقراطية نكاية بتركيا، وخلال الفترة الماضية صدرت تصريحات وتلميحات لإمكانية دعم تل أبيب لـ”قسد” في مواجهة أنقرة والفصائل الموالية لها، من ذلك ما نقلته هيئة البث العبرية عن مسؤولين إسرائيليين في 23 ديسمبر عن أن تل أبيب تدرس تقديم دعم “غير عسكري” للقوات الكردية.
مواجهة وشروط
ومنذ أيام سقوط الأسد الأولى، سارعت قوات سوريا الديمقراطية، إلى بسط نفوذها في المناطق التي كان يسيطر عليها، وعلى رأسها معبر البوكمال الحدودي مع العراق، ومدينة دير الزور بالكامل، لكن “قسد” سرعان ما انسحبت من الأخيرة ومناطق واسعة من ريف الرقة ومنبج، إثر أطلاق قوات الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا عملية “فجر الحرية”، ولا تزال المعارك مستمرة حتى اليوم للسيطرة على منطقة عين العرب وغيرها.
وبالرغم من رفع الإدارة الذاتية الكردية علم الثورة السورية على المؤسسات الحكومية، وتأكيد مظلوم عبدي قائد قوات “قسد” على الاستعداد من أجل حلّها، والانضمام إلى الجيش الوطني السوري، إلا أن ثمة شروط لتلك القوات تتمثل في:
- ضمان حقوق الأكراد والأقليات الأخرى.
- إدارة سورية لا مركزية تقوم على أساس ديمقراطي تعددي.
- مجالس محلية تتقاسم بعض الصلاحيات بالتوافق مع السلطة المركزية.
- ألا يكون هناك وصاية لأي جهة خارجية خلال المرحلة المقبلة.
الموقف الأمريكي
ويبدو أن الموقف الأمريكي سيكون حاسماً في هذه المرحلة، وخلال الأيام الماضية نقلت الولايات المتحدة عتاداً عسكرياً إلى عين العرب (كوباني)، وتضاربت الأنباء حول نيتها إنشاء قاعدة عسكرية هناك، وسط تأكيدات من “قسد” أن الهدف إنشاء نقطة مراقبة وتنسيق.
وتعتبر الولايات المتحدة أبرز داعم لقوات سوريا الديمقراطية، ولديها عدد من القواعد العسكرية والنقاط في مناطق سيطرة “قسد”، يتواجد بها قرابة 900 جندي، وتعتبر واشنطن تلك القوات حليف موثوق في مواجهة تنظيم الدولة “داعش”.
وفي ديسمبر الماضي، قالت واشنطن إنها ماضية في دعم “سوريا الديمقراطية”، وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إن “الأكراد أفضل شركائنا لمحاربة التنظيم، وأن واشنطن تخشى أن ينشغلوا عن ذلك إذا حاربتهم تركيا”.
ومع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، تتزايد التكهنات حول السياسة التي سينتهجها في قادم الأيام تجاه “قسد”، مع العلم أنه قال بعد سقوط الأسد، إن على الولايات المتحدة ألا تتدخل هناك.
حلّ قوات “قسد”
ويبدو أن مصير ومستقبل قوات سوريا الديمقراطية يرتبط بالضرورة بحجم الدعم الأمريكي المقدم لهم، بحسب المحلل السياسي مصطفى النعيمي.
وقال النعيمي في تصريح لموقع “الخليج أونلاين”: “لو عدنا الى حيثيات تشكيل قوات (قسد)، نلاحظ أن الهدف كان محاربه تنظيم الدولة الذي لم يعد موجوداً، وبناء على ذلك فالمفترض حلّ هذه القوات بعد الانتهاء من المهمة الرئيسية التي تشكلت من أجلها والحيثيات التي تشكلت من خلالها”.
ورجّح أن يتم حلّ “سوريا الديمقراطية”؛ نظراً لأن الملف السوري “بدأ بالحل التدريجي، وبناء عليه فإن المرحلة القادمة سيكون فيها دوراً لكل المكونات السورية بما فيها الإدارة الذاتية الكردية”.
ولفت إلى أن المؤشرات الأولية تدلل على أنه من الممكن أن تضغط الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية من أجل الانخراط المباشر في الحكومة الجديدة بالعاصمة السورية دمشق.
وأشار إلى أن الحكومة السورية الجديدة في دمشق، أبدت استعدادها للتعاون مع كامل مكونات الشعب ومناطق النفوذ التي ما زالت خارج نطاق سيطرتها؛ بدءاً بالسويداء وليس انتهاء بمناطق سيطرة الولايات المتحدة.
واستطرد النعيمي قائلاً: “بناء على هذا الانفتاح أنا أرى بأن الخطوات القادمة سيتم فيها بحث ملف حل قوات سوريا الديمقراطية وإجبارها على الانخراط المباشر ضمن مؤسسات الدولة القادمة، لكن ليس كما تحاول قسد الترويج له بأن يكون لها مناطق تسيطر عليها، وقوات خالصه منها تحكمها، وإنما من سيشارك في بناء الدولة السورية القادمة سيكلف بمهام على كامل التراب السوري وليس في منطقه ما”.\
موقف إدارة ترامب
ويرى المحلل السياسي النعيمي، أن إدارة الرئيس ترامب لن تتجاوز التفاهمات الدولية فيما يخص الاستقرار في سوريا، لافتاً إلى أن متطلبات الاستقرار على رأس أولويات واشنطن.
وقال النعيمي لـ”الخليج أونلاين: “واشنطن لن تضحي بتلك المكتسبات التي حققتها من خلال إخراج إيران من سوريا وإنما ستستكمل مشروعها بدحر مكونات إيران في كل من اليمن ولبنان والعراق، وستجبر قوات سوريا الديمقراطية على الانخراط في تلك الحكومة القادمة سياسياً وعسكرياً”.
كما يعتقد أن الولايات المتحدة ستقوم “بتقليص الدعم عن قوات سوريا الديمقراطية، إلى أن ينتهي بشكل كامل، لدفعها نحو حكومة دمشق”، لافتاً إلى أن هذا “من أهم الاستراتيجيات التي ستستخدمها واشنطن في التعامل مع قد ما بعد إسقاط النظام السوري”.
لا توسيع للصراع
ويعتبر النعيمي أن قوات سوريا الديمقراطية، ستُجبر على التعامل مع قراءات سياسية مختلفة عن السابق، مشيراً إلى أن تقدير الموقف ينبغي أن ينطلق من فهم متكامل للحدث السوري وليس فهماً لإدارة منطقة واحدة.
ويبيّن أن “خيارات قوات الديمقراطية تنحسر تدريجياً وإن لم توجد صيغ للتواصل والتفاهم مع الحكومة السورية الجديدة فأعتقد هم الخاسر الأكبر في تلك المعادلة”.
وتابع قائلاً: “لا اعتقد أننا سنشهد توسيع لنطاق الاشتباك الدولي في سوريا، نظراً لأن المنطقة مقبلة على هدوء تدريجي، وصولاً إلى الأمن المستدام، من أجل إيصال خطوط الطاقة والغاز الخليجي باتجاه سوريا ومنها باتجاه أوروبا”.
ولفت إلى أن الاستقرار في سوريا سينعكس إيجاباً على الإقليم السوري وسيساهم في التقليل من تكاليف الطاقة البديلة والغاز المسال، مختتماً بالإشارة إلى أن هذا الاستقرار “سيساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار المواصلات والشحن وصولاً إلى الأمن الدولي”.
تعقيدات كثيرة
وتنتشر قوات “قسد” في أكثر من 25% من مساحة سوريا، وتشمل أجزاء من دير الزور والرقة والحسكة وحلب وعفرين وعين العرب، وفي تلك المناطق تفرض إدارة “سوريا الديمقراطية” نظاماً خاصاً يجعل من الصعب حلحلة هذا الملف.
ووفق تقرير لقناة “الشرق بلومبيرغ” فإن المنطقة التي تخضع لسيطرة “قسد” تملك نظاماً تعليمياً خاصاً بالمدارس والجامعات المحلية، فضلاً عن قانون للانتخابات ودستور خاص.
وبحسب الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية، سميرة حاج حسين، فإن هناك أكثر من 850 ألف طالب يدرس مناهج خاصة بالإدارة الذاتية ومغايرة للمناهج الحكومية، كما أنها باللغات العربية والكردية والسريانية، وهناك أيضاً 4100 مدرسة تعتمد هذه المناهج ويدرّس فيها نحو 41 ألف معلم، وكذا آلاف الموظفين العاملين هناك.
ويضاف لذلك، فإن هناك العديد من السجون والمخيمات التي تأوي الآلاف من عناصر “داعش”، الكثير منهم أجانب، وهذا هو أحد أكثر الملفات تعقيداً وحضوراً في المخاوف الأمريكية.
كما تشكل مناطق “قسد” نصف الحدود مع العراق بقرابة 460 كيلومتراً، ومع تركيا قرابة 420 كيلومتراً باستثناء قرابة 130 كيلو تحت سيطرة عليها فصائل المعارضة، بحسب تقرير “الشرق”.
مناطق حيوية
ومن المفارقة أن المناطق التي تسيطر عليها قوات “قسد”، تتركز فيها ثروات سوريا، سواءً النفطية والغازية، أو الزراعية والمائية، فمناطق الشمال والشرق تعتبر “خزان النفط والغاز” السوري.
ويتواجد في مناطق سيطرة “قسد” معظم الاحتياطي النفطي السوري، والبالغ 2.5 مليار برميل، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كما أنها تضم أكبر الحقول، كحقل السويدية، وحقل الرميلان، وحقول دير الزور، كحقل العمر، بحسب بيانات منصة “الطاقة”.
وتُنتج مناطق سيطرة الإدارة الكردية، قرابة نصف إنتاج سوريا الزراعي، بأكثر من مليون و760 ألف طن، حسب إحصائيات العام 2011، كما أنها تسيطر على أهم 3 سدود مائية في البلاد، وهي “الطبقة” و”البعث” بريف الرقة، وكذا “سد تشرين” في ريف حلب الشمالي.