لحماية المجتمع.. السعودية تواجه المحتوى الهابط بقوانين صارمة

أخصائية علم النفس تحرير الصافي: المحتوى المنتشر عبر لمنصات يهيمن عليه الطابع الشكلي والسطحي والتركيز المفرط على الذات والمظهر الخارجي، مقابل تراجع ملحوظ للمحتوى الثقافي والبنّاء.
تبذل الجهات السعودية المختصة جهوداً مكثفة للحدّ من انتشار المحتوى الهابط على مواقع التواصل الاجتماعي، في خطوة تهدف إلى حماية القيم المجتمعية وتعزيز الهوية الثقافية، وسط تزايد القلق من تأثير هذا النوع من المحتوى على الشباب والمجتمع بشكل عام.
يُقصد بالمحتوى الهابط ذلك الذي يفتقر إلى أي قيمة معرفية أو أخلاقية، ويعتمد على الإثارة الرخيصة، مثل المقاطع التي تروج لسلوكيات غير أخلاقية، أو تسطيح الفكر العام عبر استعراض مظاهر الاستهلاك الفاخر دون هدف، أو تقديم تحديات ومقالب لا تمت للفائدة أو التوعية بصلة.
ويرى خبراء اجتماعيون أن انتشار هذا النوع من المحتوى يشكل تهديداً للهوية الثقافية السعودية، حيث يؤدي إلى تراجع الذوق العام، ويؤثر على سلوكيات الشباب من خلال الترويج لقيم سطحية بعيدة عن المبادئ التي يقوم عليها المجتمع السعودي.
وغالباً ما يسهم المحتوى الهابط في نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، مما يؤثر على الوعي العام ويساهم في تضليل الجمهور.
محاربة المحتوى الهابط
في هذا الصدد أكد وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري أن وزارته تتصدى باستمرار لمشاهير المحتوى الهابط والثراء الزائف على منصات التواصل الاجتماعي.
وقال الوزير الدوسري، في حوار مع الإعلامي عبد الله المديفر في برنامج “الليوان” على قناة “روتانا خليجية”، يوم الاثنين (17 مارس الجاري): “نحن ضد التباهي بمظاهر الثراء الزائف على مواقع التواصل، ونقف موقفاً قوياً ضدها”.
واستطرد قائلاً: “لدينا سقف، والمجتمع مسؤول مع الوزارة عن محاربة المحتوى الهابط. هؤلاء مشاهير المحتوى الهابط هم من جعلهم مشاهير، وأفضل عقوبة لهم هي رفض وترك متابعتهم من الجمهور”.
ويشير الدوسري إلى أن المجتمع هو الذي يحدد الذائقة، مؤكداً ضرورة عدم توسيع نطاق المحتوى الهابط أو ترويجه بشكل كبير، وأن المنظومة تقوم بدورها ولكن ضمن حدود معينة.
ولفت إلى أن الإعلام السعودي “هو الأقوى والأكثر تأثيراً وانتشاراً عربياً”، متحدثاً عن “وجود حرية منضبطة لديه، وبمستوى يناسب ثقافة المملكة، وسقف مرتفع مقارنة بالدول المحيطة”.
وسبق أن حذرت النيابة العامة السعودية من استغلال التكنولوجيا للتعدي على الحريات أو المساس بالنظام وأمن البلد، مؤكدة أن عقوبات رادعة بانتظار مرتكبي هذه المخالفات.
ونبهت النيابة من “مقالب السوشيال”؛ أي الممارسات أو السلوكيات التي تنطوي على إساءة استعمال الهواتف الذكية، وفيها انتهاك خصوصيات أماكن العمل؛ بتصوير الآخرين أو التشهير أو إلحاق الضرر بهم، أو بتجاوز الآداب العامة، أو نشر أي من ذلك باستخدام وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.
وبينت النيابة أن كل شخص يقوم بارتكاب جريمة المساس بالحياة الخاصة عن طريق استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها، أو التشهير بالآخرين، أو إلحاق الأذى بهم، فإنه سيعاقب بالسجن والغرامة المالية.
عقوبات رادعة
وفقاً لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، قد تصل العقوبات إلى السجن لمدة لا تزيد عن خمس سنوات، وغرامة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين ريال سعودي (799 مليون دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
تستهدف هذه العقوبات الأفعال التي تشمل:
-
بث مقاطع مرئية أو عبارات مخلة بالآداب العامة.
-
الإساءة للغير بهدف الشهرة.
-
التحريض على التفكك الأسري.
-
الترويج لسلع غير مرخصة.
-
التحريض على الإرهاب.
-
ممارسة أعمال القمار أو التحرش عبر المنصات الإلكترونية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تقديم المساعدة أو المشاركة في مثل هذه الأنشطة، بما يشمل إعادة نشر المحتوى المخالف أو التحريض على التسول الإلكتروني، قد يؤدي إلى عقوبات تصل إلى السجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، أو غرامة تصل إلى 50 ألف ريال سعودي (13 ألف دولار)، أو كلتا العقوبتين.
ويتورط ناشرون ومتابعون على منصات التواصل الاجتماعي بقضايا جنائية يجرمها القانون؛ بسبب منشورات أو تعليقات غير محسوبة، وذلك لعدم معرفتهم بالقوانين الضابطة لفوضى النشر على “السوشيال ميديا”.
وأصبح استخدام فضاء النشر أونلاين (للكتابة أو التعليق أو إعادة التغريد) يحتاج إلى توعية المجتمع بالقانون؛ من خلال شرح بنوده وتسليط الضوء عليها إعلامياً لتصل إلى أكبر شريحة من الجمهور.
وفي أبريل 2024 فرضت هيئة حكومية في السعودية، عقوبات على أربع مشهورات في مواقع التواصل الاجتماعي بتهم تتعلق “بالتعري ومخالفة قيم المجتمع”.
وشملت العقوبات فرض غرامة قيمتها 400 ألف ريال (نحو 106 ألف دولار)، وتوقيف تراخيص موثوق الخاص بالمشهورات.
وبالإضافة إلى إجراءات مشددة لمكافحة المحتوى غير الهادف، تضع المملكة استراتيجيات لدعم المحتوى الإبداعي الهادف، وتشجيع المبادرات الإعلامية التي تسهم في تعزيز الهوية الوطنية.
تأثير على القيم والسلوك
حول المحتوى الهابط وتأثيره على المجتمع، تقول د. تحرير الصافي، أخصائية علم النفس: “إننا نعيش في عصر باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي هي الركيزة الأساسية للتفاعل والتواصل بين الأفراد والمجتمعات على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم”.
وأشارت الصافي في حديث لـ”الخليج أونلاين” إلى أن المحتوى المنتشر عبر هذه المنصات، مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وتويتر، “يهيمن عليه الطابع الشكلي والسطحي والتركيز المفرط على الذات والمظهر الخارجي، مقابل تراجع ملحوظ للمحتوى الثقافي والبنّاء”.
وأكدت الصافي في حديثها حول مواجهة السعودية للمستوى الهابط، أن هذا النوع من المحتوى له تأثير على القيم والسلوكيات الاجتماعية، خاصة بين الشباب والمراهقين، لكنها تشدد على أن ذلك كله مرتبط بتوجهات المستخدم نفسه.
وأوضحت: “إن كان اهتمام المستخدم موجهاً للمحتوى الفكري والثقافي والهادف، فإنه سيحقق منفعة شخصية ومجتمعية”، لافتة إلى أن التوجه نحو المحتوى السطحي يؤدي إلى نتائج سلبية متعددة، أبرزها:
-
تقلّص القيم الاجتماعية وانتشار سلوكيات سلبية مثل التنمر والعنف.
-
انحصار تفكير الفرد ضمن إطار الغرائز والرغبات الشخصية فقط، بعيداً عن القيم العليا ومعنى وجود الذات.
-
زيادة التفكك الأسري والمجتمعي، وارتفاع نسب الأمراض والاضطرابات النفس؛ مثل: الوحدة، والاكتئاب، والقلق، والتي تعتبر من أبرز أمراض العصر الإلكتروني الحالي.
-
عزلة الأفراد في عالم افتراضي وانقطاعهم عن الواقع الفعلي، مما يسبب اضطرابات نفسية مثل الفوبيا الاجتماعية، وضعف القدرة على مواجهة التحديات الحقيقية.
-
انتشار الجهل ومحدودية الخبرات الحياتية العملية، مما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع معدلات الجريمة والسلوكيات الخطرة الناجمة عن هوس الذات وسطحية التفكير.
وعليه تشدد الصافي على ضرورة توجيه الشباب والمراهقين نحو استهلاك المحتوى الهادف والمفيد، والعمل على تعزيز الوعي الاجتماعي والأسري لمواجهة تداعيات هذه الظاهرة.