لبنان على خط المواجهة.. “إسرائيل” تلوح بالقوة والتفوق العسكري

تشير التوقعات إلى أن التفوق العسكري والتقني سيشكل مجدداً عاملاً حاسماً لصالح “إسرائيل” التي تبحث عن تدمير كل ما يتعلق بـ”حزب الله”
يواجه لبنان تصعيداً عسكرياً خطيراً مع تنفيذ “إسرائيل” غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ما يهدد بعودة الحرب مجدداً وسط مخاوف متصاعدة جراء تفاقم أزماته الاقتصادية.
وفيما تشير التوقعات إلى أن التفوق العسكري والتقني سيشكل مجدداً عاملاً حاسماً لصالح “إسرائيل” التي تبحث عن تدمير كل ما يتعلق بـ”حزب الله”، تسعى بيروت لتجنب مواجهة جديدة تتسبب بمزيد من الخسائر.
وصباح الجمعة (28 مارس الجاري)، شهدت العاصمة اللبنانية بيروت قصفاً إسرائيلياً على حي “الحدث” في الضاحية الجنوبية، مستهدفاً مبنىً قالت تل أبيب إن حزب الله يستخدمه لتخزين طائرات بدون طيار، ما أدى إلى تدميره بالكامل.
تبرير “إسرائيل” ونفي “حزب الله”
الجيش الإسرائيلي، وفي بيان رسمي، برر ضرباته بأنها تأتي رداً على قذيفتين أُطلقتا من الأراضي اللبنانية تجاه منطقة الجليل شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لكن “حزب الله” نفى أي مسؤولية له عن الهجوم، مؤكداً التزامه باتفاق وقف إطلاق النار المبرم منذ نوفمبر 2024.
بدوره حمّل وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الدولة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن أي اعتداء يأتي من أراضيها.
كما أكد كاتس أن “إسرائيل” ستواصل الرد الحازم على كل تهديد لأمنها، حيث استهدفت عشرات المنصات والمراكز التابعة للحزب في جنوب لبنان.
في المقابل دان الجيش اللبناني هذه الاعتداءات واصفاً إياها بالتصعيد الخطير والانتهاك الصريح للمواثيق الدولية، معتبراً أن “إسرائيل تفتعل الذرائع لمواصلة اعتداءاتها، ما تسبب في خسائر فادحة وإرباك في حياة المدنيين”.
يأتي ذلك في حين يعاني لبنان منذ عام 2019 من أزمة مالية واقتصادية خانقة، تسببت بانهيار العملة الوطنية وتآكل مدّخرات اللبنانيين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، نتيجة تراكم الديون وسوء الإدارة والفساد السياسي.
وتثير هذه الأزمة مخاوف متزايدة من استمرار الانهيار وتفاقم الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، لا سيما أن السلطات اللبنانية الجديدة تسابق الزمن لتنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة لتحسين الوضع المعاشي وإعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة.
بيروت: ملتزمون بالاتفاق
الرئيس اللبناني جوزيف عون أكد التزام بلاده بالاتفاق الأممي لحفظ السلام على الحدود، مشدداً على أن “الجيش نفذ خلال الفترة الماضية سلسلة من العمليات الأمنية استهدفت مخيمات فلسطينية ومخابئ أسلحة مرتبطة بحزب الله وإيران”.
وأوضح عون، في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، تعليقاً على الضربة الصاروخية الإسرائيلية للضاحية الجنوبية، أن “الجيش فكك عدة مخيمات فلسطينية موالية لحزب الله أو لإيران، من بينها مخيم قرب بيروت، واثنان شمالاً باتجاه طرابلس، وثلاثة أخرى في منطقة البقاع”.
كما أضاف أن “الجيش نفذ أكثر من 250 عملية ضد مخابئ الأسلحة وأنفاق التهريب جنوب نهر الليطاني، وصادر خلالها كميات كبيرة من الأسلحة”.
وأشار إلى أن “جزءاً من هذه الترسانة دمر، فيما أُعيدت الأسلحة الصالحة للاستخدام إلى الجيش اللبناني”.
وجدد عون التزام لبنان بتنفيذ القرار الدولي 1701، الذي ينص على وقف العمليات العسكرية وإنشاء منطقة خالية من السلاح جنوب الليطاني، باستثناء الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، معرباً عن أسفه لما وصفه بانتهاكات “إسرائيل” للاتفاقات ووقف إطلاق النار.
لكن في المقابل حملت نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط مورجان أورتاجوس، الجيش اللبناني مسؤولية نزع سلاح “حزب الله”، معتبرة أن “لبنان لم يقم بما يلزم لنزع سلاح الجماعة”.
وأكدت أورتاجوس في مقابلة مع قناة “الشرق” السعودية أن الجيش اللبناني، الذي يحظى بدعم أمريكي، مطالب بالتصدي للجماعات المسلحة، مشيرة إلى أن أي هجمات من لبنان على “إسرائيل” تشكل انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار.
كما اعتبرت أن لـ”إسرائيل الحق في الرد”، مشيرة إلى أن “الولايات المتحدة لا تمنحها ضوءاً أخضر لذلك، لكنها تدعمها في الدفاع عن نفسها”.
التفوق الإسرائيلي
على الجانب العسكري تعكس هذه التطورات استمرار التفوق العسكري والتقني لـ”إسرائيل”، وهو ما سمح لها بتحقيق ضربات دقيقة ضد قيادات حزب الله خلال مواجهات سابقة.
كان أبرز هذه الضربات اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في سبتمبر 2024، ضمن عمليات نوعية خططت لها وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على مدى أشهر.
العمليات استهدفت أيضاً كبار قادة الحزب؛ مثل فؤاد شكر، وعلي كركي، وإبراهيم عقيل، وإبراهيم قبيسي، ومحمد سرور، والمسؤول الأمني نبيل قاووق.
صحيفة “إسرائيل هيوم” نقلت عن ضابطتين إسرائيليتين في وحدة الاستخبارات العسكرية تأكيدهما أن التفوق التقني والاستخباري شكّل عنصراً أساسياً في نجاح “إسرائيل” بتحييد قدرات “حزب الله” بشكل كبير.
كما أوضحا أن “اغتيال نصر الله وغيره من قادة الصف الأول شكّل نقطة تحول في الصراع المستمر”.
وسبق أن أشارت تقارير وسائل الإعلام العبرية إلى أن “الجيش الإسرائيلي مستمر في حملة واسعة ضد شبكات التمويل والمؤسسات الداعمة لحزب الله بهدف إضعافه مالياً ولوجستياً، بهدف عدم السماح له بإعادة بناء قوته العسكرية والتنظيمية، مستفيدة من دروس حرب 2006”.
الضغط على لبنان
المحلل السياسي عماد الشدياق الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” يرى أن الضربة الإسرائيلية تمثل رسالة لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، مرجحاً استمرار الضربات المحدودة لحين التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن سلاح الحزب، موضحاً:
-
الضربة الإسرائيلية جاءت رداً على صواريخ أُطلقت من جنوب لبنان.
-
“إسرائيل” تريد فرض “قواعد اشتباك جديدة”؛ أي صاروخ من لبنان يقابل بضرب الضاحية.
-
الرسالة موجّهة للحكومة اللبنانية أيضاً، باعتبارها مسؤولة عن تنفيذ القرار 1701.
-
“حزب الله” انتهى عسكرياً ولم يعد قادراً على التصعيد.
-
لا دليل واضح على مسؤولية “حزب الله” عن الصواريخ الأخيرة.
-
الصواريخ مجهولة المصدر تخدم “إسرائيل” لإبقاء التوتر قائماً والضغط على لبنان والحزب.
-
من المتوقع استمرار الضربات المتقطعة تحت ذرائع متعددة.
-
مصير سلاح “حزب الله” سيبقى معلقاً إلى حين الوصول إلى اتفاق شامل.
-
مصير المواجهة مرتبط أيضاً بالوضع في سوريا وإيران.
-
السيناريوهات المستقبلية ليست واضحة الآن، وقد يعترف حزب الله بعجزه وتقديم سلاحه للدولة اللبنانية مستقبلاً.