“لا تخفيضات”.. السعودية أمام صياغة جديدة لاستراتيجيتها النفطية

رويترز: السعودية ناقشت مع حلفائها وخبراء في الصناعة، خلال الأسابيع الأخيرة، نيتها التراجع عن سياسة خفض الإنتاج.
بعد سنوات من سياسة خفض الإنتاج الهادفة لتحقيق التوازن في أسواق النفط، تبرز إشارات متزايدة على أن السعودية تعيد النظر في استراتيجيتها داخل تحالف “أوبك+” وتخطط لزيادة إنتاجها، في وقت تتصاعد فيه التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجه المنتجين الكبار.
هذا التحول قد يمثل نقطة انعطاف في المسار الذي اتبعته السعودية منذ عام 2019، حين دخل تحالف “أوبك+” في سلسلة تخفيضات قاسية للإنتاج بلغت ذروتها أثناء الجائحة، قبل أن تبدأ عملية إعادة الإنتاج تدريجياً، حيث كانت المملكة القائد الفعلي لهذا التحالف، وقدمت أكبر حصة من التخفيضات لضبط السوق ودعم الأسعار التي تدنت بشدة في 2020.
في الوقت الحالي، يخفض تحالف “أوبك+” الإنتاج بأكثر من 5 ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل 5% من الإمدادات العالمية، وتتحمل السعودية وحدها قرابة مليوني برميل من هذا التخفيض، ورغم ذلك، فإن الرياض تشعر بخيبة أمل متزايدة من عدم التزام بعض الأعضاء بالحصص المحددة، ما يهدد فاعلية الاستراتيجية الجماعية للتحالف.
مؤشرات تصعيد سعودي
تشير وكالة “رويترز”، نقلاً عن مصادرها، إلى أن السعودية ناقشت مع حلفائها وخبراء في الصناعة، خلال الأسابيع الأخيرة، نيتها التراجع عن سياسة خفض الإنتاج والاتجاه نحو زيادة تدريجية للإمدادات.
وأوضحت (30 أبريل) أن المسؤولين السعوديين أبلغوا الأطراف المعنية بأن المملكة مستعدة لمواجهة تبعات انخفاض الأسعار، حتى لو اضطرت إلى اللجوء لخفض الإنفاق أو تأجيل بعض المشاريع الضخمة، خاصة في ظل قدرتها على الاقتراض.
وبحسب صندوق النقد الدولي، تحتاج السعودية إلى سعر يتجاوز 90 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، بينما تحتاج روسيا، الشريك الأساسي في أوبك+، إلى 70 دولاراً، وهو مستوى أقل بكثير، لكن على الرغم من هذه الفروقات، فإن موسكو لا تؤيد تسريع وتيرة الزيادة في الإنتاج، وهو ما قد يشير إلى تباين في المصالح بين القوتين الرئيسيتين داخل التحالف.
مصادر مطلعة على محادثات موسكو والرياض ذكرت أن روسيا على دراية بتوجه السعودية لكنها تفضل التمسك بوتيرة أبطأ في تخفيف التخفيضات، في وقتٍ تُخشى تبعات هذا الخلاف، خاصة في ظل استمرار العقوبات الغربية على صادرات النفط الروسي، ما أدى لانخفاض أسعار خام الأورال إلى مستويات قد تهبط دون 50 دولاراً للبرميل في حال زيادة المعروض.
وبينما تواجه روسيا ضغوطاً مالية متزايدة بسبب التكاليف العسكرية المرتفعة، تبدو السعودية في موقع أقوى نسبياً بفضل تكلفة الإنتاج المنخفضة لديها، رغم أنها تحتاج لأسعار مرتفعة لتغطية نفقاتها العامة، حيث تشير تقديرات إلى أن تكلفة استخراج النفط السعودي لا تتجاوز 10 دولارات للبرميل، ما يمنح المملكة مرونة أكبر في السوق.
صراع قادم
وتتجه أسعار النفط لتكبد خسارة شهرية حادة في ظل الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على دول عدة من بينها الصين، أكبر المستوردين، ما أدى إلى تراجع توقعات الطلب على الطاقة، وفي الوقت نفسه، بدأ تحالف “أوبك+” تخفيف قيود الإنتاج، في خطوة تهدف إلى معاقبة الدول التي تنتج كميات أكثر من حصصها.
وزيادة الإنتاج تعني احتمالية فقدان المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية من حيث الأسعار، كما أنها قد تؤدي إلى صراع غير معلن على الحصص السوقية، خاصة في مواجهة منتجين خارج “أوبك+” مثل الولايات المتحدة، التي زادت إنتاجها بشكل كبير في السنوات الأخيرة بفضل طفرة النفط الصخري، إضافة إلى دول ناشئة مثل جيانا.
ويأتي هذا بينما يستعد الرئيس الأمريكي لزيارة مرتقبة إلى السعودية في مايو، وقد يتضمن جدول أعمالها اتفاقيات عسكرية ونووية، وسط دعوات من واشنطن لزيادة الإنتاج بما يخفض أسعار البنزين الأمريكية.
وكانت “أوبك+” قد قررت مؤخراً زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً، أي ثلاثة أضعاف الزيادة السابقة، غير أن التخفيضات الأساسية التي يتجاوز مجموعها 5 ملايين برميل ستظل قائمة حتى نهاية 2026 وفقاً للخطط الحالية، مع نية مبدئية لتقليصها تدريجياً.
تحول استراتيجي مدروس
تعليقاً على التسريبات بشأن الخطوات السعودية، يرى المحلل الاقتصادي مازن الشريف أن القرار السعودي في هذه المرحلة “يعكس تحولاً استراتيجياً مدروساً وليس مجرد رد فعل ظرفي”.
ويقول إن المملكة أوضحت أنها “لم تعد مستعدة لتحمل كلفة ضبط السوق بمفردها”، مشيراً إلى أن هذا التوجه “يعكس حالة من خيبة الأمل المتراكمة لدى الرياض، التي بذلت خلال السنوات الخمس الماضية جهوداً كبيرة في تقليص الإنتاج بهدف دعم الأسعار وتحقيق استقرار السوق، لكن دون التزام جماعي حقيقي من جميع الأطراف”.
ويضيف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”:
– من وجهة نظر اقتصادية، فإن السعودية تتمتع بمرونة مالية أكبر من كثير من منتجي أوبك+، ما يسمح لها بتحمل انخفاض الأسعار مؤقتاً عبر زيادة الاقتراض وخفض التكاليف، وقد تستخدم هذا الوضع كأداة ضغط لإعادة ضبط قواعد الالتزام داخل التحالف.
– هذا الانعطاف نحو الحفاظ على الحصة السوقية يُمكن قراءته أيضاً في سياق المنافسة مع المنتجين من خارج أوبك، مثل الولايات المتحدة وجيانا، الذين استفادوا من سياسة خفض الإنتاج خلال السنوات الماضية.
– على المستوى العالمي، من المرجح أن يؤدي هذا التحول إلى زيادة المعروض في السوق، مما قد يتسبب في انخفاض الأسعار وتنامي حالة عدم اليقين بين المنتجين والمستثمرين على حد سواء.
– الدول التي تعتمد على أسعار نفط مرتفعة لتغطية ميزانياتها، مثل روسيا، قد تواجه ضغوطاً مالية متزايدة، في المقابل، قد يدفع ذلك ببعض المنتجين غير المنضبطين إلى إعادة التفكير في استراتيجياتهم الإنتاجية، لا سيما إذا واجهوا تراجعاً كبيراً في العوائد.
– هذا ليس انسحاباً سعودياً من مشهد التأثير في السوق، بل إعادة تموضع تهدف إلى فرض توازن جديد داخل “أوبك+”، يستند إلى تقاسم فعلي للأعباء، وليس إلى تعويل دائم على دعم الرياض.
حصص الدول
وفي 5 ديسمبر 2024، اتفقت الدول الـ8 وهي السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عُمان، على إعادة تخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً، تدريجياً، بدءاً من شهر أبريل 2025 حتى شهر سبتمبر 2026.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية القصوى لأوبك حالياً نحو 34 مليون برميل يومياً، حيث وصل إنتاج السعودية من النفط في أبريل إلى 9.034 ملايين برميل يومياً، وسيبلغ 9.978 ملايين برميل يومياً في المدة من سبتمبر 2026 إلى ديسمبر 2026.
ويُقارن ذلك بإنتاج 8.978 ملايين برميل يومياً في المدة من يناير إلى مارس 2025.
أما إنتاج الإمارات من النفط في أبريل فبلغ نحو 2.938 مليون برميل يومياً، ويصل إلى 3.375 ملايين برميل يومياً في الربع الرابع من عام 2026، فيما يصل إنتاج روسيا إلى 9.004 ملايين برميل يومياً، ويبلغ 9.449 ملايين برميل يومياً في الـ4 أشهر الأخيرة من عام 2026.
وبلغ إنتاج الجزائر في أبريل نحو 911 ألف برميل يومياً، والعراق قرابة 4 ملايين، والكويت 2.421 مليون، وسلطنة عمان 761 ألفاً، وكازاخستان 1.47 مليون.
وبعد إضافة الكميات المخفضة تدريجياً على مدار العامين المقبلين، سيصل إنتاج الجزائر إلى 959 ألف برميل يومياً، والعراق 4.22 ملايين، والكويت 2.548 مليون، وسلطنة عمان 801 ألف، وكازاخستان 1.55 مليون.