كيف تغير موقف الدول الأوروبية من “إسرائيل” والقضية الفلسطينية؟

أبرز المواقف الغربية ضد “إسرائيل”:
- الاتحاد الأوروبي يبدأ مراجعة اتفاقية الشراكة الموقعة مع “إسرائيل”.
- البرلمان الإسباني يصادق على حظر تجارة الأسلحة مع “إسرائيل”.
- دعوات فرنسية لعزل “إسرائيل” اقتصاديا وسياسياً.
من التحالف إلى المواجهة هكذا تحوّل الموقف الأوروبي تجاه “إسرائيل”، التي تستمر في حربها على قطاع غزة منذ قرابة 20 شهراً.
مؤخراً، بات الصوت الأوروبي أكثر حسماً في وجه الاحتلال، إذ يبدو أن جدار الدعم الغربي له بدأ بالتصدع، ليطرح سؤالاً حول نهاية عقوداً من الوئام والشراكة؟.
بريطانيا وفرنسا وكندا وإسبانيا والنرويج، ودولاً أخرى في القارة الأوروبية، باتت على قناعة أن الحل يكمن في إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، كاملة السيادة، فما سر هذا التحول الاستراتيجي؟
تصعيد مستمر
الأيام القليلة الماضية، شهدت ذروة التوتر بين الحكومة الإسرائيلية وبين دول الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى، وصل إلى فرض العقوبات وحظر بيع الأسلحة والدعوة لعزل “إسرائيل”.
بريطانيا وفرنسا وكندا وكذلك إسبانيا وإيطاليا والنرويج ودولاً أخرى، صعدت من لهجتها مؤخراً مطالبة بالوقف الفوري للحرب الوحشية على غزة، والسماح بإدخال المساعدات، مع تلويح بالعقوبات والذهاب إلى مزيد من خطوات التصعيد.
و(الثلاثاء 20 مايو) أطلق الاتحاد الأوروبي مراجعة رسمية لاتفاقية الشراكة الموقعة مع “إسرائيل”، وقالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية كايا كالاس، إن “هناك أغلبية قوية تؤيد مراجعة البند الثاني من الاتفاقية المتعلق باحترام حقوق الإنسان، بناء على طلب هولندا”.
وبالتزامن مع ذلك، فرضت بريطانيا عقوبات على أفراد وكيانات إسرائيلية لها علاقة بأعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما استدعت السفيرة الإسرائيلية تسيبي هوتوفيلي للاحتجاج على توسيع العمليات العسكرية في غزة.
وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، قال في جلسة لمجلس العموم (الثلاثاء 20 مايو)، إن بلاده علّقت مبيعات الأسلحة لـ”إسرائيل”، ومفاوضات اتفاق التجارة الحرّة مع الحكومة الإسرائيلية، مهدداً بفرض مزيد من الإجراءات العقابية.
ويوم الإثنين (19 مايو)، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر ورئيس وزراء كندا مارك كارني، أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام ما وصفها في بيان مشترك بـ “الأفعال المشينة” للحكومة الإسرائيلية، ملوحين بإجراءات ملموسة إذا لم توقف “إسرائيل” الحرب والسماح بدخول المساعدات إلى غزة.
وأكد القادة الثلاثة، على عزمهم الاعتراف بدولة فلسطين في إطار حل الدولتين، للعمل مع الدول الأخرى لتحقيق هذه الغاية.
الاعتراف بفلسطين وعزل “إسرائيل”
ويبدو أن الخلاف بين الاتحاد الأوروبي و”إسرائيل” يتجه نحو النقطة الحرجة، إذ يغلب على الخطاب الأوروبي التذكير بالبعد الأخلاقي للحرب في غزة واعتبارها “حرباً غير أخلاقية”.
كما أن شعور أوروبا أن الولايات المتحدة خذلتها في الموقف من الغزو الروسي لأوكرانيا، والشعور بالسطوة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب على مختلف القضايا والملفات الدولية، دفع الاتحاد الأوروبي نحو الافتراق عن موقف واشنطن فيما يتعلق بـ”إسرائيل”.
وزير الخارجية البريطاني أكد أيضاً خلال كلمته في مجلس العموم أن الاعتراف بدولة فلسطين هو الحل، مضيفاً: “الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيكون أهم قرار تتخذه بريطانيا، ومن المهم اختيار التوقيت الصحيح” مؤكداً أن “توسيع إسرائيل العملية العسكرية في غزة لا يمكن تبريره أخلاقياً ويأتي بنتائج عكسية” داعياً إلى “وقف ما يحدث هناك”.
كما قال رئيس وزراء فرنسا، فرانسوا بايرو، إن بلاده وبريطانيا وكندا، ستعترف بدولة فلسطين، أما إسبانيا فاتخذت خطوة متقدمة إذ صدّق برلمانها على النظر في مقترح حظر تجارة الأسلحة مع “إسرائيل” في الوقت الذي قالت وزيرة خارجية السويد ماريو مالمر، إنها ستتحرك داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين.
وتدرس النرويج أيضاً فرض تدابير اقتصادية لمواجهة انتهاكات “إسرائيل”، في الوقت الذي تحشد هولندا الدعم اللازم داخل الاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاقية الشراكة مع تل أبيب.
ويوم (الجمعة 16 مايو) طالب قادة إسبانيا والنرويج وآيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا، “إسرائيل” بالتفاوض بحسن نية لإنهاء ما أسموه “حرب الإبادة” في غزة.
كما أكد القادة الأوروبيين في بيانهم المشترك أنه “بات من الصعب الصمت أمام الكارثة الإنسانية المصنوعة بأيدي البشر، والتي تجري أمام أعيننا في غزة”.
ودعا رئيس وزراء فرنسا الأسبق دومينيك دو فيلبان، الثلاثاء (20 مايو) الدول الغربية إلى عزل “إسرائيل” اقتصادياً واستراتيجياً، لإيقاف مساعيها لارتكاب عملية تطهير عرقي في غزة.
سابقة تاريخية
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة، أن التغير في الموقف الأوروبي “سابقة تاريخية” بشأن “إسرائيل” وعدوانها المستمر ضد الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة.
وأضاف في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن “المواقف الأوروبية جاءت متأخرة، ولا تزال تتحاشى وصف ما يجري بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية، لكنها مهمّة لأنها صادرة عن دول صديقة وراعية لـإسرائيل” تاريخياً، وهي دول لطالما لاحقت كل ناقد لسياسات إسرائيل العنصرية وانتهاكاتها للقوانين الدولية وحقوق الإنسان” حسب قوله.
كما لفت إلى أنه رغم أهمية هذه المواقف، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أنها ما تزال في إطار الخطاب الإعلامي والمواقف السياسية، مشيراً إلى أنه “حتى تصبح تلك المواقف المتقدّمة جادّة وفاعلة وذات مصداقية، لا بد من ترجمتها لأفعال عبر فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على إسرائيل المحتلة”.
وشدد أيضاً على ضرورة “وقف كافة الشراكات معها لوقف الإبادة الجماعية وسياسة التجويع المتوحّشة بحق الأطفال والمدنيين العزّل في غزة”، لافتاً إلى أن “هذا استحقاق إنساني وأخلاقي لاستعادة الدول الأوروبية جزء من مصداقيتها، التي سقطت عبر صمتها طوال نحو 20 شهراً على الإبادة الجماعية”.
وكما يشرح الحيلة جملة من الأسباب لهذا التحول في المواقف الأوروبية قائلاً:
-
“إسرائيل” فشلت في مقاربتها العسكرية خلال الحرب، ولا يوجد أفق لنجاحها.
-
“إسرائيل” ما زالت تصر على استمرار العدوان وتهجير الفلسطينيين، ما يجعل الأفق غامض وربما يحمل اضطرابات شرق أوسطية تقلق الأوروبيين وعموم المنظومة الغربية.
-
تحوّل العدوان على غزة إلى حالة من العبث بأرواح المدنيين والأطفال قتلاً وتجويعاً، ما شكّل حرجاً للحكومات الغربية أمام شعوبها التي لم تهدأ في رفضها العدوان والإبادة والتجويع.
-
في هذا السياق يمكن الإشارة إلى آخر مظاهرة خرجت في لندن، السبت الماضي (17 مايو)، شارك فيها نحو نصف مليون مواطن بريطاني.
-
التوحّش الإسرائيلي يهدّد السلطة الأخلاقية للمنظومة الغربية التي لطالما تغنّت بها مقارنة بالدول الأخرى، بل استخدمتها في الضغط على أنظمة بعينها.
-
الدول الغربية ترى في تعديل موقفها مما يجري في غزة من إبادة وتجويع، مدخلاً لاستعادة مصداقيتها المفقودة.
-
الموقف الأوروبي يلتقي مع توجّه أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة، وإن كان موقف واشنطن لم يُترجم بعد إلى ضغوط قوّية على “إسرائيل”.
-
هذا الأمر شجّع الأوروبيين لأخذ تلك المواقف الناقدة والمهدّدة لـ”إسرائيل” بفرض عقوبات عليها وعزلها دبلوماسياً.