كارثة نازحين تلوح بالأفق.. العدوان يزحف نحو “الملاذ الأخير” في غزة

المواصي منطقة زراعية مفتوحة إلى حد كبير، تعاني من نقص حاد في البنية التحتية الأساسية.
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ومع تصاعد التركيز العسكري على جنوب القطاع، وخصوصاً في مناطق رفح ومحور موراج، تتزايد التقديرات والتصريحات العسكرية الإسرائيلية التي توحي باحتمالية توسيع رقعة العمليات البرية لتشمل منطقة المواصي، التي صنفتها “إسرائيل” سابقاً كمناطق إنسانية آمنة لإيواء النازحين.
هذا التوجه المحتمل يثير قلقاً كبيراً لدى المنظمات الإنسانية والسكان، ويعد تهديداً مباشراً لحياة مئات آلاف المدنيين، الذين انتقلوا إلى المواصي استجابة لدعوات الاحتلال منذ الأيام الأولى للعدوان، على اعتبارها ملاذاً آمناً وسط جحيم الحرب.
بحسب ما أوردته إذاعة جيش الاحتلال، فإن العمليات العسكرية الحالية تتركز على محور موراج، الذي بات تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة من معبر صوفا شرقاً حتى شاطئ البحر غرباً.
وتشير التقارير إلى توسيع عرض المحور في بعض المناطق ليصل إلى كيلومترين، بعدما كان عرضه الأصلي 300 متر.
بالمقابل، تبقى منطقة المواصي، الواقعة شمال المحور، خارج إطار العمليات البرية حتى الآن، رغم زعم جيش الاحتلال وجود عناصر من “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، داخلها.
هذا الادعاء يعد مؤشراً خطيراً على وجود نية مبيتة لتوسيع العمليات إلى تلك المنطقة، خاصة في ظل حديث القادة العسكريين عن أن العمليات في رفح محدودة مؤقتاً مع نية للتوسع لاحقاً.
تعد المواصي منطقة ساحلية تمتد من شمال دير البلح مروراً بمحافظة خان يونس وصولاً إلى رفح جنوباً، بعمق يتراوح بين 1 و2 كيلومتر، ومساحة تقدر بحوالي 12 ألف دونم، أي ما يعادل نحو 3% من مساحة قطاع غزة.
ويعرف عن المواصي أنها منطقة زراعية مفتوحة إلى حد كبير، تعاني من نقص حاد في البنية التحتية الأساسية مثل الكهرباء، والصرف الصحي، والطرق المعبدة، وشبكات الاتصالات.
رغم هذه الظروف القاسية، تحولت المواصي خلال الحرب إلى مأوى رئيسي لعشرات الآلاف من النازحين، بعد تهجيرهم القسري من مناطق أخرى في القطاع، لا سيما رفح وخان يونس، وقد استندوا إلى تصنيفات الاحتلال التي وصفتها بأنها “آمنة”، وأقامت فيها المنظمات الدولية مستشفيات ميدانية ومراكز إغاثة.
وأي عملية عسكرية في هذه المنطقة المكتظة بالمدنيين تعني انهياراً كارثياً لما تبقى من الثقة في التصنيفات الدولية والمساعدات الإنسانية، كما تعني احتمال سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في غياب ممرات آمنة أو خطط إجلاء واضحة.
ويرى مراقبون أن اقتحام المواصي سيمثل انتهاكاً مباشراً للالتزامات الإنسانية والقانونية التي تعهدت بها “إسرائيل”، وسيؤدي إلى تصعيد الانتقادات الدولية ضدها، خاصة أن هذه المنطقة كانت معترف بها كإنسانية آمنة بموافقة أممية ضمن خطط الإجلاء الطارئة.
مخاوف وتحذيرات
المحلل السياسي محمود حلمي يرى أن احتمال دخول جيش الاحتلال إلى المواصي قائم، رغم عدم وجود إعلان رسمي حتى اللحظة.
وقال في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “في حال استمر الجمود القتالي في رفح، أو لم يتم القضاء على ما تبقى من عناصر المقاومة هناك، فقد تلجأ (إسرائيل) إلى فتح جبهة جديدة في المواصي بحجة وجود عناصر مسلحة”.
وأضاف حلمي: “الثمن الإنساني لأي عملية في المواصي سيكون باهظاً جداً، حيث نتحدث عن منطقة تضم مئات الآلاف من النازحين، ومقارّ لمنظمات دولية، ومستشفيات ميدانية، ودخول قوات الاحتلال إلى هذه المنطقة قد يفجر كارثة إنسانية غير مسبوقة”.
وأوضح أن المزاعم الإسرائيلية حول وجود بنية قتالية في المواصي “قد تكون ذريعة تضليلية جديدة، خاصة أن المنطقة معروفة بأنها مليئة بالخيام وتعاني من غياب تام للبنية التحتية والخدمات الأساسية، وهو ما يجعل الحياة فيها بحد ذاتها تحدياً إنسانياً”.
وأكد حلمي أن اجتياح المواصي سيؤدي إلى موجة نزوح جديدة، وسط شح كبير في الأماكن البديلة، وتدهور الأمن الغذائي، وارتفاع مؤشرات المجاعة وانتشار الأمراض. كما حذر من أن ذلك قد يتسبب في “سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين، خصوصاً في ظل غياب الممرات أو المناطق الآمنة البديلة، بعد تدمير معظم المدن الكبرى في القطاع.
ويقول: “في ظل استمرار الحرب، وتدهور الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق في قطاع غزة، تبقى كل الاحتمالات مطروحة، ورغم عدم صدور قرار رسمي باجتياح المواصي حتى اللحظة، إلا أن المعطيات الميدانية، والتصريحات العسكرية الإسرائيلية، والادعاءات بوجود مقاومين، تفتح الباب أمام تصعيد جديد، ستكون له تبعات مأساوية على المدنيين”.