قفزة تسجيل العلامات التجارية.. تنوع أوسع لاقتصاد الإمارات

ما سبب الزيادة الكبيرة في تسجيل العلامات التجارية؟
تحسن البيئة الاقتصادية والتشريعية وزيادة جاذبية الدولة للاستثمار.
كيف تستفيد الشركات من تسجيل علاماتها التجارية؟
- تحمي هويتها.
- تكسب ثقة المستثمرين.
- تعزز فرص التوسع والنمو.
تكشف مؤشرات تسجيل العلامات التجارية في الإمارات عن تحولات نوعية في بنية الاقتصاد المحلي، لا تعتمد فقط على النمو الرقمي بل على ترسيخ مفاهيم مثل الابتكار، والتنافسية، وحماية حقوق الشركات.
وفي الوقت الذي تتجه فيه الدول نحو تنويع مصادر دخلها، تبرز الإمارات كمثال حيّ على اقتصاد يتحرك بثبات نحو المستقبل، مدفوعاً بسياسات مرنة وقدرة عالية على التكيّف مع متغيرات السوق العالمي.
نمو متصاعد
وفي إطار ذلك، سجلت الإمارات رقماً قياسياً جديداً في عدد العلامات التجارية المسجلة، حيث بلغ 33,874 علامة بنهاية عام 2024، ويعكس هذا الرقم النمو الكبير الذي يشهده الاقتصاد الوطني، ويؤكد أن الدولة تواصل تعزيز موقعها كبيئة جاذبة للاستثمار والتجارة في المنطقة والعالم.
وأشارت صحيفة “الإمارات اليوم” في 15 مارس الماضي، إلى أن العلامات التجارية في الدولة شهدت نمواً ملحوظاً خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد ارتفع عددها بنسبة 711% مقارنة بعام 1993، الذي لم يتجاوز عدد العلامات فيه 4175 فقط.
ويعكس هذا الارتفاع المستمر ثقة الشركات المحلية والعالمية بالمنظومة الاقتصادية والتجارية في الدولة، وقدرتها على توفير بيئة آمنة لحماية الملكية الفكرية وتنمية الأعمال.
واصلت الإمارات تعزيز بنيتها التحتية الداعمة للأنشطة التجارية، ما ساعد على تسارع وتيرة تسجيل العلامات التجارية؛ ففي عام 2000 تم تسجيل 5681 علامة، ليرتفع العدد إلى 13,503 علامات في 2010، ثم إلى 18,686 علامة في 2019.
وبعد ذلك، استمرت الأرقام في التصاعد لتصل إلى أكثر من 25 ألف علامة في عام 2021، ثم إلى أكثر من 30 ألفاً في 2023، وأخيراً إلى قرابة 34 ألف علامة في 2024.
وعززت هذه المؤشرات من مكانة الإمارات كوجهة إقليمية رائدة للأعمال والاستثمار، ويشير هذا النمو في تسجيل العلامات التجارية إلى توسع السوق المحلي، وتنوع الأنشطة الاقتصادية، وزيادة الوعي بأهمية حماية العلامات كأصل تجاري مهم.
كما تعكس الأرقام المتصاعدة اهتمام رواد الأعمال والشركات الكبرى على حد سواء بتسجيل علاماتهم في دولة تتمتع باستقرار اقتصادي وتشريعات متطورة.
حاضنة قانونية جاذبة
ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور أن أبرز ما يميز الإمارات في مجال الاستثمار هو تميز وديناميكية حاضنتها القانونية.
ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أن الإمارات تتمتع ببنية قانونية وتشريعية متطورة تحمي حقوق الملكية الفكرية وتشجع على تسجيل العلامات التجارية، بالإضافة إلى إجراءات إلكترونية تتسم بالسهولة والسرعة.
وأشار الهور إلى أن وجود مناطق حرة متعددة، وبيئة أعمال تنافسية ومنفتحة على العالم، وبنية تحتية لوجستية متكاملة، يعزز من رغبة الشركات المحلية والعالمية في تسجيل علاماتها التجارية داخل الدولة، مؤكداً على أهمية الاستقرار الاقتصادي الذي يمنح الشركات ثقة طويلة الأمد.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن تسجيل العلامة التجارية يمنح الشركات الناشئة هوية مستقلة وموثوقة في السوق، مما يعزز قدرتها على الابتكار بثقة ويشجعها على تطوير منتجات وخدمات جديدة دون خشية التقليد أو السرقة الفكرية.
واعتبر الهور أن العلامة التجارية أداة استراتيجية تساعد في بناء السمعة وجذب الشركاء والمستثمرين، وعنصراً أساسياً في نمو أي شركة، لافتاً إلى أن العلامات التجارية المسجلة تعكس جدية الشركة وتنظيمها، وهو ما يبحث عنه المستثمرون الأجانب عند تقييم فرص الاستثمار.
ويؤكد بأن توفير بيئة تحمي حقوق العلامة وتضمن تطبيق القانون يطمئن المستثمر على استدامة النشاط التجاري والعائد الاستثماري، ويشجع على الاستمرار في الإنفاق على البحث والتطوير.
واعتبر الهور أن الإمارات من الدول القليلة في المنطقة التي وفرت هذه البيئة القانونية المحفزة، مما يجعلها محطة جذب رئيسية لرؤوس الأموال الأجنبية.
كما يلفت إلى أهمية البدء بالتوعية بأهمية العلامات التجارية عبر الحملات الإعلامية وورش العمل وبرامج التدريب في الجامعات ومراكز ريادة الأعمال وحتى لموظفي القطاع العام والمتعاملين والمستثمرين المحتملين.
ويعتقد أن تقديم حوافز لتسجيل العلامات، مثل تخفيض الرسوم أو توفير استشارات مجانية، هي خطوات مهمة، مؤكداً بأن دعم الجهات الحكومية لهذا التوجه وربطه بالتمويل أو التوسع في الأسواق سيساهم بترسيخ ثقافة العلامة التجارية كجزء أساسي من نجاح أي مشروع.
فوائد استراتيجية
تحقق العلامات التجارية فوائد تتجاوز حدود الشركات نفسها، لتصل آثارها إلى بنية الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وعلى الرغم من أن بعض العلامات لا تزال في مرحلة المراجعة أو الفحص ولم تُعتمد رسمياً بعد، إلا أن مجرد تقديم طلب التسجيل يعكس وعياً متزايداً بأهمية الملكية الفكرية.
ومن منظور اقتصادي، فإن تسجيل العلامات يعزز من القيمة السوقية للشركات، ويحمي حقوقها، ويسهم في خلق سوق أكثر عدالة وتنافسية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة الخليج الإماراتية في 5 أبريل الجاري، فإن تسجيل العلامات التجارية يساهم في دعم الناتج المحلي الإجمالي للإمارات عبر عدة قنوات مباشرة وغير مباشرة، فكل علامة تُسجَّل، تعني مزيداً من الثقة لدى المستثمرين الأجانب، خصوصاً في بيئة تضمن لهم حماية قانونية واضحة لحقوقهم الفكرية.
ومن خلال هذا المسار، تستقطب الإمارات مزيداً من الاستثمارات الأجنبية، التي بدورها تدعم استراتيجية التنويع الاقتصادي، في انسجام تام مع “رؤية الإمارات 2031”.
وتحفز العلامات التجارية نمو الشركات الناشئة ورواد الأعمال، فمن خلال حماية الهوية التجارية، يمكن لتلك الشركات بناء حضور قوي في السوق، ما يسهّل عليها جذب المستثمرين والشركاء المحتملين، وتصبح العلامة التجارية أداة استراتيجية تدعم استدامة النشاط التجاري وتسهم في رفع الإنتاجية، وبالتالي تعزيز الناتج المحلي.
وتعزز العلامات التجارية مكانة الإمارات في التجارة العالمية، فهي تسهّل على المنتجات الوطنية دخول الأسواق الخارجية، بفضل السمعة والمصداقية التي تحملها العلامة المسجلة.
وتشكّل المبادرات الوطنية مثل “صنع في الإمارات” رافعة مهمة لهوية الدولة الاقتصادية، ما يفتح أبواباً جديدة أمام الصادرات غير النفطية، ويدعم نمو العلامات التجارية سوق العمل، من خلال تحفيز الطلب على تخصصات متنوعة مثل التسويق، والإنتاج، والاستشارات القانونية.
كما يؤدي توسع الشركات إلى فتح فروع جديدة داخل الدولة، ما يولد مزيداً من الوظائف، ويرفع من معدل الإنفاق الاستهلاكي، وهو ما ينعكس بدوره على نمو الاقتصاد المحلي.
ويشجع تسجيل العلامات على الابتكار، ويدفع الشركات نحو الاستثمار في البحث والتطوير، سواء في المنتجات أو الخدمات.
ويسهم أيضاً في نمو قطاع التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي، وهو ما يدعم الإنتاجية على المدى البعيد، ويعزز مكانة الإمارات كبيئة حاضنة للتقنيات المتقدمة والابتكارات المتجددة.
ويولّد قطاع العلامات التجارية إيرادات إضافية للحكومة عبر رسوم التسجيل والتجديد، كما يدعم مصادر الدخل غير النفطية مثل ضريبة القيمة المضافة، وتستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة من حماية علاماتها، ما يمنحها فرصاً للنمو والمنافسة، ويعزز من تنوع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على قطاع النفط.
ويساعد تسجيل العلامات في محاربة التقليد، ما يحمي المستهلك من المنتجات المغشوشة، ويحفظ سمعة الشركات الأصلية، ويؤدي ذلك إلى رفع جودة السلع والخدمات، مما يعزز من رضا وثقة المستهلك، ويدفعه للإنفاق بشكل أكبر، وهو ما يحرّك عجلة السوق، ويشجع شركات عالمية على دخول السوق الإماراتي.