قطر ومكافحة الفساد عالمياً.. نجاح مستمر وشراكات واسعة
بدعم من الأمم المتحدة تم تدشين الجوائز السنوية لمسابقة “الشيخ تميم” في دورتها الافتتاحية، خلال حفل خاص أُقيم في العاصمة النمساوية فيينا عام 2016
لا يزال العالم عاجزاً عن مكافحة الفساد، فهي واحدة من المعضلات التي تستنزف الموارد والقدرات على تحقيق العدالة الاجتماعية وقيم الاستحقاقية والنزاهة والتنافس الشريف، وتعتبر من بين أكبر التحديات التي تعيق تحقيق التنمية.
لم يكن من باب المصادفة أن تحتل قطر أهمية عالمية ويتم اختيارها مركزاً دولياً للتدريب في مجال مكافحة الفساد، وأن تتبوأ مراتب متقدمة في ذلك، بل هي ترجمة حقيقية وواقعية لعديد من الخطوات التي اتخذت بهذا المجال، عبر نشر الشفافية بالمؤسسات المحلية المختلفة.
وتعد “جائزة الشيخ تميم الدولية للتميز في مكافحة الفساد” مبادرة قطرية عالمية أُطلقت عام 2016 بالتعاون مع الأمم المتحدة، تهدف إلى تعزيز الحكم الرشيد والشفافية، ومحاربة الفساد الذي يشكل خطراً على تقدم الأمم ورفاهية شعوبها، وهي أكبر تمثيل لإرادة قطر في مكافحة هذه الآفة العالمية.
جائزة الأمير تميم
خلال “المؤتمر السنوي الثامن للجمعية الدولية لهيئات مكافحة الفساد”، بمدينة سان بطرسبرغ الروسية، في نوفمبر 2015، تم الإعلان عن الجائزة حاملة اسم أمير قطر؛ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وبدعم من الأمم المتحدة تم تدشين الجوائز السنوية لمسابقة “الشيخ تميم” في دورتها الافتتاحية، خلال حفل خاص أُقيم في العاصمة النمساوية فيينا، عام 2016، واستمرت الجائزة سنوياً عبر اختيار مدينة مختلفة لتستضيف مراسم تكريم أفراد ومؤسسات.
وكان آخر حفل توزيع الجوائز انعقد بالعاصمة الكوستاريكية سان خوسيه منتصف نوفمبر 2024، حيث تم تكريم 8 شخصيات هذا العام من عدة دول.
وتشمل الجائزة 5 فئات هي: إنجاز العمر أو الإنجاز المتميز في مكافحة الفساد، والبحث والمواد التعليمية الأكاديمية لمكافحة الفساد، وإبداع الشباب وتفاعلهم لمكافحة الفساد، والابتكار أو الصحافة الاستقصائية لمكافحة الفساد، وحماية الرياضة من الفساد.
وتُقدَّم الجائزة للأشخاص الذين ساهموا في الحملة العالمية لمكافحة الفساد، كما أنها تكرّم الأفراد والمؤسسات الذين تفانوا في هذا المجال من منطلق بعض المعايير والصفات.
ووصل عدد الفائزين بالجائزة خلال السنوات السابقة إلى 51، إذ حصل عليها 7 فائزين عام 2016، و6 عام 2017، و8 عام 2018، فيما بلغ عدد الفائزين 7 لكل عام من الأعوام 2019 و2020 و2022، وفي عام 2023 بلغ عددهم 9.
مراكز متقدمة وتشارك
في يونيو 2024، أعلنت منظمة الشفافية الدولية، نتائج مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2023، وقد حصلت قطر 58 نقطة، مما جعلها تحتل المرتبة الثانية خليجياً وعربياً.
وافتتحت قطر في مايو الماضي، “مركز حكم القانون ومكافحة الفساد” في جنيف والذي تم تأسيسه بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة، ويعتبر ثالث مركز إقليمي يتم افتتاحه بعد الذي تم تدشينه في الدوحة ديسمبر من العام 2011، ومركز داكار في العاصمة السنغالية الذي تم افتتاحه عام 2016.
وفي أغسطس الماضي، نظمت هيئة الرقابة الإدارية والشفافية القطرية، الفعالية الخليجية السنوية للأجهزة المعنية بمكافحة جرائم الفساد في دول مجلس التعاون الخليجي والتي استعرضت أحدث التكنولوجيات المستخدمة في مجال مكافحة الفساد.
واستضافت قطر في أكتوبر الماضي، أعضاء اللجنة الوزارية المعنية بمكافحة الفساد بدول مجلس التعاون في اجتماعهم العاشر.
كما تستضيف قطر خلال يومي 26 و27 نوفمبر الجاري الاجتماع الوزاري الثاني لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي.
مركز دولي بالدوحة
وكانت قطر وقعت، في عام 2007، على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تنص على إنشاء هيئة مستقلة بهذا الخصوص، وصدر قرار أميري بإنشاء “اللجنة الوطنية للنزاهة والشفافية” في العام نفسه، وهي تضم ممثلين عن “مصرف قطر المركزي”، والنيابة العامة، ووزارات الاقتصاد والتجارة والخارجية، ومؤسسة قطر للبترول.
وصدر القرار الأميري رقم 75 لسنة 2011 بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، وافتتح نهاية العام بحضور بان كي مون، الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة، “مركز حكم القانون ومكافحة الفساد” في الدوحة، بالشراكة مع الأمم المتحدة.
وفي 24 أبريل 2012، وقعت قطر مع الأمم المتحدة اتفاقية لتفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين، في سبتمبر 2011، بشأن مساندة الجهود الأممية في مجال حكم القانون ومكافحة الفساد.
وصدر القرار الأميري رقم 94 عام 2013، بالموافقة على إنشاء مؤسسة مركز حكم القانون ومكافحة الفساد، وفي يوم 9 سبتمبر من نفس العام شاركت قطر في اجتماعات الدورة الـ52 للمنظمة الاستشارية القانونية الآسيوية الأفريقية بالعاصمة الهندية نيودلهي.
ويعمل المركز على عرض أحدث الطرق والوسائل وأفضل الممارسات للتصدي لهذه الظاهرة وتقويضها واستئصال شأفتها في الدول التي تعاني منها بصفة خاصة، وفي العالم بشكل عام، وذلك عن طريق بناء القدرات والتدريب والمساعدة الفنية وعقد المؤتمرات والندوات.
وبنى المركز شراكات واسعة مع المنظمات الدولية؛ لا سيما الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بهذا الشأن فيها، من أجل توفير أطر دائمة لتبادل الخبرات والتجارب، بالإضافة إلى مراكز البحث والتدريب في جميع أنحاء العالم.
ترسيخ مكانة
يؤكد المحلل السياسي محمد متولي، أن قطر تواصل ترسيخ مكانتها كقائدة عالمية في مكافحة الفساد من خلال “رؤية استراتيجية شاملة تعتمد على الضمان والنزاهة في جميع أنحاء العالم منذ أكثر من عقدين”.
وأوضح أنه على مدار سنوات طويلة، قامت قطر بـ”توسيع الرقابة الشاملة والمؤسسية الرقابية، والتي تمحورت في بناء نظام قوي يحارب بالكامل أوجه الفساد على كافة المستويات”.
وإلى جانب ذلك يقول متولي لـ”الخليج أونلاين”، إن قطر حرصت من خلال عدة خطوات “كتسمية واستمرار جائزة الشيخ تميم الدولية للتميز في مكافحة الفساد، على الالتزام الراسخ بهذا المجال بالتعاون مع الأمم المتحدة، لتؤكد هذه الخطوات أن إرادة الدول، إلى جانب الوعي المجتمعي العالمي، أساساً للنجاح في هذا الميدان”.
كما لفت إلى أن قطر تستضيف بشكل منتظم اجتماعات دولية لتعزيز التعاون في مكافحة الفساد، مثل الاجتماع الوزاري لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في دول منظمة التعاون الإسلامي الذي سينعقد خلال هذا الشهر، مشيراً إلى أن هذه الاجتماعات تهدف لتبادل الخبرات ووضع خطط عمل مشتركة بين الدول المشاركة.