فشل فاضح.. “مؤسسة غزة الإنسانية” تسقط في أول اختبار

تدخلت طائرات الاحتلال المروحية بصورة مباشرة عبر إطلاق النار التحذيري قرب تجمعات المدنيين
لم تمر ساعات قليلة على بدء عمليات توزيع المساعدات من قِبل “مؤسسة غزة الإنسانية” التي أنشئت مؤخراً وتحظى بدعم مباشر من الولايات المتحدة، حتى بدت معالم الفشل واضحة في أولى مهامها الميدانية داخل القطاع.
منذ اللحظات الأولى لبدء التوزيع، تجمع مئات الآلاف من المواطنين الغزيين بشكل عفوي وعارم في منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح، على أمل الحصول على مساعدات تشتد الحاجة إليها في ظل الحصار الخانق، إلا أن المشهد سرعان ما خرج عن السيطرة، بعدما عجزت عناصر الأمن التابعة للشركة الأمريكية المسؤولة عن تنظيم التوزيع عن إدارة الحشود أو ضبط تدفق المواطنين إلى نقطة التوزيع الوحيدة.
وبحسب ما أفاد به مراسل “الخليج أونلاين”، فقد شهدت المنطقة تدافعاً كبيراً وغير منظم، مع غياب الحد الأدنى من الترتيبات اللوجستية والأمنية التي تضمن عملية توزيع آمنة وإنسانية.
وأمام هذا الانفلات، اضطرت فرق الأمن الأمريكية إلى الانسحاب من الموقع بعد أن فقدت السيطرة الكاملة على الحشود، الأمر الذي عزز من حالة الفوضى والارتباك في المكان.
وفي تطور لافت وخطير، تدخلت طائرات الاحتلال المروحية بصورة مباشرة عبر إطلاق النار التحذيري قرب تجمعات المدنيين، في محاولة لإخلاء عناصر الشركة الأمنية الأمريكية وتوفير غطاء جوي لحمايتهم أثناء الانسحاب.
يعكس ما حدث في اليوم الأول لتوزيع المساعدات، حجم الإخفاق البنيوي في الاعتماد على شركات أمنية خاصة مدعومة أمريكياً لإدارة الملف الإنساني بالغ التعقيد في غزة، بدلاً من المؤسسات الدولية ذات الخبرة والمصداقية، وهو ما يثير القلق بشأن النوايا الحقيقية الكامنة خلف ما يسمى بـ”الممرات الآمنة” و”مواقع التوزيع”.
سوء إدارة
مدير المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، أبدى استغرابه الشديد لما ورد في تحديثات مؤسسة “غزة للإغاثة الإنسانية” (GHF)، التي تضمنت مزاعم باطلة تتهم فصائل المقاومة الفلسطينية بعرقلة الوصول إلى “مواقع التوزيع الآمن”.
وقال الثوابت في تصريح مكتوب وصل “الخليج أونلاين” نسخة منه: إن “الادعاء القائل بأن المقاومة فرضت حواجز منعت المواطنين من الوصول إلى المساعدات، هو افتراء لا يمت للواقع بصلة، ويُشكّل انحرافاً خطيراً في خطاب مؤسسة تزعم الحياد الإنساني”.
وأضاف أن الحقيقة الموثقة، وفقاً للتقارير الميدانية والإعلام العبري، تشير إلى أن السبب الحقيقي للتأخير في توزيع المساعدات هو الفوضى التي نتجت عن سوء إدارة الشركة التابعة للاحتلال الإسرائيلي في المناطق العازلة، والتي أدت إلى اندفاع آلاف الجائعين واقتحام مراكز التوزيع، وسط إطلاق نار من الاحتلال.
ويشير إلى أن ما تسمى “مواقع التوزيع الآمن” ليست سوى “غيتوهات عازلة عنصرية” أقامها الاحتلال في مناطق عسكرية مكشوفة ومعزولة، وهي نموذج قسري لـ”الممرات الإنسانية” التي تستخدم كغطاء لتمرير أجندات الاحتلال الأمنية، وتكرّس سياسة التجويع والابتزاز، في ظل المنع الممنهج لدخول المساعدات عبر المعابر الرسمية والمنظمات الدولية المحايدة.
وأكد المكتب الإعلامي أن استمرار مؤسسة “GHF” في تبني رواية الاحتلال أفقدها مصداقيتها وحيادها المزعوم، وحمّلها والاحتلال المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن التغطية على جريمة الإبادة الجماعية التي تُمارَس ضد أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في غزة من خلال قطع شامل للغذاء والدواء والماء والوقود.
وأوضح أن المؤسسة المذكورة، وبدعم مباشر من سلطات الاحتلال، استولت على شاحنات مساعدات تابعة لمنظمة إنسانية دولية بعد تضليلها وإيهامها بأن المساعدات ستُسلم بشكل رسمي، إلا أن شركة “GHF”، بحماية الاحتلال، حولت الشاحنات إلى مركز توزيعها في المناطق العازلة ووزّعت المساعدات على المدنيين المنهكين.
وحذر من محاولات بعض المؤسسات الانخراط في مسارات إنسانية مُسيّسة تتماهى مع رواية الاحتلال وتشرعن الحصار والعزل وتجويع المدنيين، بدلاً من فضح الجرائم والعمل على إنهائها.
وشدد على أن خطاب “GHF” يشكل “انزلاقاً خطيراً نحو الانحياز ويخدم أجندات الاحتلال الأمنية”، مشدداً على فشل الاحتلال وشركائه في تنظيم توزيع إنساني حقيقي، مما انعكس في الفوضى والمعاناة في مناطق العزل.
وأعاد تأكيد دعوته لكافة المؤسسات الإنسانية لاعتماد المعابر الرسمية كطريق قانوني وأخلاقي وحيد لإدخال المساعدات، “بعيداً عن هندسات الاحتلال العازلة، والعمل على توثيق جريمة التجويع والانهيار الإنساني في غزة، لا التستر عليها أو التواطؤ مع مسببيها”.
هندسة التجويع
رئيس الهيئة العليا لشؤون العشائر بالمحافظات الجنوبية بغزة، الحاج أبو سلمان المغني، أكد متابعة فشل الآلية الإسرائيلية التي تهدف إلى هندسة تجويع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مشيراً إلى “ما رافقها من عمليات إذلال واستهداف للمواطنين، والتي تسببت بحالة من الفوضى كنتيجة طبيعية لعملية الاستهداف والتجويع ومحاولات التهجير الخبيثة”.
وقال المغني في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: إن “فشل الخطة الأمريكية كان نتيجة متوقعة بسبب استبعاد المنظومة الدولية العاملة في القطاع الإنساني منذ أكثر من سبعة عقود، واستبدالها بشركات أمنية أمريكية تشبه شركات (بلاك ووتر) التي عذبت الشعب العراقي تحت شعارات الحرية والغذاء، والتي تحاول تكرار التجربة في غزة”.
وأكد أن الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للتجويع والتنكيل والقتل والتهجير “يقف اليوم كصخرة صلبة أمام آلية الجوع وهندسة التجويع في غزة، ويكشف الوجه الحقيقي لآلية الموت والتجويع”.
وأضاف أن العشائر والعوائل الفلسطينية “وقفت كالصخر في وجه المؤامرات التي حاولت الشركة الأمريكية تنفيذها من خلال استغلال العائلات لتنفيذ مخططها الشيطاني”.
واعتبر أن فشل هذه الآلية “كان نتيجة متوقعة لخطة عسكرية تستخدم الغذاء لتحقيق أهداف خبيثة”، وجدد تأكيده على ضرورة إعادة الاعتبار لمنظمات العمل الإنساني الدولي التي تتمتع بخبرة طويلة في إدارة المساعدات، ورفض كل المحاولات التي تستهدفها، وخص بالذكر وكالة “الأونروا” التي حاول الاحتلال تجاوزها بشكل متكرر.
الموقف الأممي
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” أكدت أن موقفها لا يزال ثابتًا في الدفاع عن حقوق واحتياجات الشعب الفلسطيني، وفي مواصلة جهودها الإنسانية رغم كل التحديات.
وقالت “الأونروا” في بيان لها، عقب فشل الآلية الأمريكية: إن “عملها يواجه قيوداً صارمة تعيق تنفيذ مهامها”، لكنها شددت في الوقت ذاته على أنها “لن تفقد الأمل، ولن تتوقف عن أداء واجبها الإنساني في خدمة اللاجئين الفلسطينيين”.
وتشير الوكالة الدولية إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعت مفوضية الأمم المتحدة من إيصال الدقيق والمواد الغذائية الأساسية إلى العائلات في قطاع غزة، مؤكدة أنها تبذل كل ما بوسعها، وبمختلف الوسائل، لتغيير هذا الواقع المؤلم.
وأوضحت أن جميع جهودها، إلى جانب جهود المؤسسات الإنسانية الأخرى المستعدة لتوزيع كميات كبيرة من المساعدات، لم تُترجم حتى الآن إلى نتائج ملموسة، حيث لا تزال كميات المساعدات التي سُمح بدخولها غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.