غاز ونفط وفوسفات.. ثروات ضخمة تنتظر الاستثمار بسوريا الجديدة
باحث اقتصادي:
– بإمكان دول الخليج الاستثمار في قطاعات الطاقة، والصناعة، والبنية التحتية في سوريا
– بإمكان سوريا الجديدة الاستفادة من ثرواتها عبر تبني سياسات اقتصادية مناسبة للمرحلة
من مفارقات الاستبداد، أن البلدان الغنية بثرواتها الطبيعية والبشرية، تغرق في فاقتها وعجزها، وهذا هو حال سوريا، التي تُعتبر من أغنى بلدان المنطقة، لما تتمتع به منذ ثروات متنوعة، ومقومات تجعل منها دولة ثرية، لو لم تحكمها عائلة الأسد طيلة خمسة عقود ونيف.
سوريا، الواقعة في قلب الهلال الخصيب، الغنية بالنفط والغاز والفوسفات، والمقاومات الزراعية والسياحية، والتاريخية، والبشرية في المقام الأول، كانت إلى ما قبل الـ8 من ديسمبر الماضي، من أكثر البلدان فقراً وفشلاً، بسبب حكم بشار الأسد وفساده.
واليوم وبعد أسابيع من اجتثاث حكم البعث، تتجه الأنظار إلى إمكانيات سوريا الكفيلة بجعلها في مصاف الدول النامية، نظراً لما تملكه من ثروات وقدرات كافية لاستثمار الثروات والاستفادة منها.
وفي الوقت الذي لا يزال السوريون يعانقون فرحة الخلاص من حزب البعث، ثمة تحديات جمّة تواجه هذا البلد الخارج من إحدى أسوأ الأزمات في المنطقة، فهل تنجح إدارة سوريا الجديد في استثمار ثرواتها وإنعاش اقتصادها بدعم ومساندة دول الإقليم؟
تدمير الاقتصاد
بعد سقوط النظام يوم الـ8 من ديسمبر، فُتحت أبواب سوريا أمام الإعلام، وصارت كل بقعة فيها تحت الضوء، بعد أن فرض الأسد ما يشبه العزلة عليها، واحتكر الثروة فيها لصالح مجموعة من المنتفعين الذين امتصوا ثروات الشعب، وأثروا حساباتهم، بينما تُرك الشعب يتجرع المر، ويبحث عن فرصة للخلاص من هذه الأرض التي تحوي ثروات لا تُقدر بثمن.
أدخل نظام الأسد سوريا في نفق مظلم، وبعد 14 عاماً من الثورة المستحقة، أصبح قرابة 90% من السوريين اللذين آثروا البقاء في البلاد تحت خط الفقر، وبينما كان العالم يتقدم، تراجع اقتصاد سوريا، وانهارت العملة، وتحولت الدولة إلى عصابة تسلب الناس ممتلكاتهم، وتعتمد على تجارة الكبتاغون والمخدرات لتسيير أمورها، على حساب دول الجوار.
سوريا الغنية بالنفط والغاز والفوسفات، وإنتاج القمح والقطن والزيوت والمواشي، والتي كانت حتى وقت قريب قبلة للمنسوجات والمواد الغذائية بجودة عالية، وبأياديها العاملة الماهرة، ومقوماتها السياحية والتراثية، والزراعية، أصبحت اليوم في وضع اقتصادي مأساوي بسبب حكم الأسد.
وبعد سقوط الأسد، بدأت سوريا الجديدة تتطلع إلى دول الإقليم كتركيا ودول الخليج والعراق ودول أخرى، للمساعدة في نهضتها وإعادة اقتصادها إلى المسار الصحيح، من خلال المساهمة في إعادة الإعمار وكذا إعانة دمشق على استئناف استثمار ثرواتها لما فيه مصلحة الشعب السوري.
ثروات ضخمة
ووفق تقرير لموقع “أويل برايسز” الأمريكي المتخصص في شؤون الطاقة، نشره في 2019، فإن سوريا تملك احتياطي نفطي يصل قرابة 2.5 مليار برميل، وهو ما يمثل 2% من إجمالي الاحتياطيات العالمية البالغة نحو 1.6 تريليون برميل.
تقرير آخر لموقع “الجزيرة نت”، نُشر في 23 ديسمبر الجاري، أكد أن إنتاج سوريا من النفط في 2023 هبط ليصبح 15 ألف برميل في اليوم، بعد أن كان في 2008 قرابة 406 آلاف برميل.
وأما الغاز الطبيعي، فتملك سوريا منه قرابة 9 تريليونات قدم مكعبة، بحسب إحصائيات صادرة نهاية عام 2010، وهي تمثل 0.1% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، وقد تراجع الإنتاج في 2023 إلى 10 ملايين متر مكعب يومياً.
كما يُقدر احتياطي سوريا من الفوسفات بنحو ملياري طن تقريباً، وسنوياً تُنتج 2.5 مليون طن، بينما تصدر مليوني طن، ويُستهلك الباقي داخل البلاد، بحسب المصدر السابق.
وإلى جانب الثروات المعدنية، تتمتع سوريا بمقومات سياحية تجعلها قبلة للسياح والزائرين، ووفق تقديرات رسمية، فقد بلغ عددهم في 2010 قرابة 8.5 ملايين سائح، وسجلت عائدات القطاع في العام نفسه 8.4 مليارات دولار، وخلال الفترة من 2011 و2019 خسر قطاع السياحة بحسب وزير السياحة السابق محمد مارتيني نحو 50 مليار دولار.
وتملك سوريا مقومات زراعية أيضاً، إذ تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة قرابة 32% من مساحة البلاد، ويساهم هذا القطاع بحوالي 28% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد تسببت الحرب، وتسلّط الأسد والمقربين منه على اقتصاد سوريا، في تدمير هذا البلد، وإعادته إلى الوراء، إلا أن سقوط النظام، مثّل بارقة أمل أمام السوريين، وصارت الأنظار تتجه اليوم نحو هذه القطاعات الحيوية، وإمكانية إعادة تفعيلها، من خلال استعادة الحكومة الانتقالية السيطرة على منابع النفط شرق وشمال البلاد، وتعزيز منظومة الطاقة في البلاد، وبسط الأمن، وتوفير البيئة المناسبة لجذب المستثمرين، والأهم، استقطاب العون الدولي والإقليمي والخليجي تحديداً للاستثمار في هذه القطاعات المختلفة.
الحل في “السوق الحر”
الباحث الاقتصادي السوري عبد العظيم المغربل، يرى أن بإمكان سوريا الجديدة الاستفادة من ثرواتها عبر تبني سياسات اقتصادية مناسبة للمرحلة مرتبطة بالتحول نحو نموذج اقتصاد السوق الحر، والعمل على إصلاح مؤسسات الدولة، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية في مختلف القطاعات وخصوصاً الصناعة والمقاولات والخدمات والزراعة، بجانب العمل على إصلاح البنية التحتية والمحطات المرتبطة بقطاع الثروات الباطنية بما فيها من نفط وغاز وفوسفات.
ويؤكد الباحث في مركز “أبعاد” للدراسات الاستراتيجية، في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن أبرز العوائق تشمل تدمير البنية التحتية، والعقوبات الاقتصادية المستمرة، ومرحلة التحول نحو الاستقرار السياسي ومعدلات مرتفعة من التضخم والبطالة؛ ويمكن أن تحقق النجاح من خلال التوافق الوطني بين مختلف فئات الشعب ودعم المجتمع الدولي لإعادة الإعمار، وإصلاحات هيكلية في الاقتصاد.
ويعتقد أن بإمكان دول الخليج الاستثمار في قطاعات الطاقة، والصناعة، والبنية التحتية، “مما يوفر لها عوائد اقتصادية ويسهم في إعادة إعمار سوريا عبر تقديم التمويل والخبرات اللازمة والاعتراف بشرعية الحكومة الجديدة، بالتالي تؤمن هذه الدول استقرار سوريا والمنطقة بشكل عام وينعكس ذلك إيجاباً عليها وعلى أمنها الإقليمي”.