الاخبار

عُمان تُنهي الفجوة الصامتة.. تعمين شامل يعيد ضبط سوق العمل

– ما أبرز مشكلة كشف عنها توزيع نسب التعمين بالقطاع الخاص؟

وجود تفاوت حاد، 245 ألف منشأة لا توظف أي عُماني.

– ما أبرز ملامح آلية التعمين الجديدة التي اعتمدتها وزارة العمل؟

إلزام المنشآت بتشغيل المواطنين وفق مُهَل زمنية مرنة بحسب حجم المنشأة.

تسعى سلطنة عُمان إلى إعادة تشكيل سوق العمل من خلال حزمة قرارات تنظيمية تستهدف معالجة الفجوة في التعمين وضمان توزيع أكثر عدالة للفرص الوظيفية بين المواطنين والوافدين، بما يعزز التنافسية والاستقرار الاجتماعي في آنٍ واحد.

إجراءات جديدة

وتشير المستجدات في سياسات تنظيم سوق العمل إلى اعتماد حزمة من الإجراءات التي تستهدف الحد من التفاوت الكبير في نسب التعمين بين منشآت القطاع الخاص في سلطنة عُمان.

وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء العُمانية، في 5 مايو الجاري، فإن الإجراءات الجديدة وُضعت لضمان توظيف مواطن عُماني واحد على الأقل في كل منشأة تجاوزت عاماً من التأسيس، مع مراعاة استدامة الأعمال وتنوع الأنشطة الاقتصادية.

وتعكس البيانات الرسمية فجوة كبيرة في التعمين؛ حيث تُشغّل نحو 1000 منشأة كبيرة حوالي 200 ألف مواطن مقابل 245 ألف وافد بنسبة تعمين تقارب 44%، وفي المقابل، لا تتجاوز نسبة التعمين 17% في 19 ألف منشأة يعمل بها نحو 60 ألف مواطن و300 ألف وافد.

كما أن أكثر من 245 ألف منشأة لا توظف أي مواطن عُماني، رغم تشغيلها لأكثر من مليون و100 ألف وافد.

ويُظهر هذا التفاوت خللاً هيكلياً يتطلب تدخلاً منظماً لتصحيح المسار، بما يعزز عدالة توزيع فرص العمل، ويحد من الظواهر السلبية مثل التجارة المستترة، ويهيّئ بيئة عمل قائمة على التنافسية العادلة.

وتشمل الإجراءات المعتمدة حزمة تشغيلية تتضمن التدريب المقرون بالتشغيل، التدريب على رأس العمل، ودعم الأجور، وتوسيع مفهوم التعمين ليشمل العاملين في الأنشطة الحرة والعمل الجزئي.

وتم تصميم آلية تنفيذ تراعي اختلاف أحجام المؤسسات، حيث تُمنح المنشآت مهلة زمنية محددة وفق عدد العاملين لديها، بينما يُمهل المتفرغ لمشروعه الخاص مدة عام قبل الالتزام بالتوظيف.

وتُطبّق الآلية التنفيذية وفق جدول زمني يُراعي حجم المنشأة؛ حيث تُمنح مهلة 3 أشهر للمؤسسات التي تضم 10 عمال فأكثر، و6 أشهر لتلك الأصغر حجماً، بينما يُعطى المتفرغ لإدارة مشروعه التجاري فترة سنة واحدة.

ولتفادي الإضرار بالأنشطة ذات الخصوصية، شُكّلت لجنة متخصصة لدراسة التظلمات والحالات الاستثنائية، ومتابعة آثار القرار ميدانياً، ورفع التوصيات التطويرية لضمان التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.

خطة تشغيل 2025

وتستهدف وزارة العمل العمانية توفير 45 ألف فرصة عمل خلال عام 2025، موزعة بين 11 ألف فرصة تدريب وتأهيل للباحثين عن عمل، ونحو 10 آلاف وظيفة في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى 24 ألف فرصة وظيفية في القطاع الخاص.

ووفقاً لما أُعلن في المؤتمر السنوي للوزارة بمسقط، في 18 مارس الماضي، تواصل الوزارة التركيز على برامج التدريب المقرون بالتشغيل، والتدريب على رأس العمل، ودعم الأجور.

وبلغ إجمالي التوظيف في عام 2024 نحو 36,615 شخصاً، متجاوزاً الهدف المحدد والبالغ 35 ألف فرصة، كما بلغ عدد المستفيدين النشطين من منفعة الأمان الوظيفي حتى نهاية العام ذاته حوالي 17,215 شخصاً، منهم 11,758 من الذكور.

ويركز البرنامج الوطني للتشغيل على سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، ونجح في توطين 2800 وظيفة قيادية ومتوسطة في المدن الصناعية بالتعاون مع المؤسسة العامة للمناطق الصناعية “مدائن”.

كما أطلق البرنامج عدداً من الأدوات الرقمية لدعم سوق العمل، من بينها منصة “توطين” لربط الباحثين عن عمل بالفرص المتاحة، ومنصة “مرصد” لتحليل بيانات السوق، ومنصة “خطى” للإرشاد المهني.

وتعمل لجان حوكمة التشغيل في 17 قطاعاً اقتصادياً على دعم التوطين النوعي، ويجري العمل على تأسيس شركات متخصصة لدمج الباحثين عن عمل في مجالات جديدة، مثل تقنية المعلومات وخدمات الصيانة في المناطق الصناعية.

وتركّز الوزارة في مجمل هذه الجهود على تعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص، وتحسين الكفاءة الحكومية، ورفع جودة الخدمات التشغيلية من خلال التحول الرقمي.

1

أسباب وتحديات

ويرى إسحاق الشرياني، الرئيس التنفيذي لأكاديمية إغناء للاستشارات الاقتصادية، أن التفاوت الكبير في نسب التعمين بين منشآت القطاع الخاص في السلطنة يعود إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها طبيعة التشريعات والقوانين المنظمة للسوق وقدرة الشركات على الالتزام بها وتحمل التكاليف التشغيلية المترتبة على توظيف المواطنين.

يوضح الشرياني لـ”الخليج أونلاين” أن تكلفة توظيف المواطنين عادة ما تكون أعلى من الوافدين لاعتبارات اجتماعية ومعيشية، مما يؤثر على قدرة بعض المنشآت على تحقيق نسب تعمين مرتفعة.

ويشير إلى أن نوع القطاع يلعب دوراً هاماً في هذا التفاوت، حيث تحقق قطاعات مثل البنوك والنفط والغاز والاتصالات نسب توطين أعلى نظراً لطبيعة خدماتها وإيراداتها المرتفعة والمضمونة، على عكس قطاعات أخرى مثل المقاولات التي تعتمد على العمالة غير الماهرة ذات الأجور المتدنية.

ويضيف الشرياني أن حجم المنافسة في السوق يؤثر أيضاً على قدرة المنشآت على تحمل تكاليف التوطين، حيث تواجه القطاعات الصغيرة منافسة أكبر مقارنة بالقطاعات الرئيسية.

وحول فعالية التدابير الجديدة لتحقيق التوازن في سوق العمل العماني، وخاصة قرار إلزام المؤسسات الصغيرة بالتعمين، يبدي الشرياني شكوكاً في قدرتها على تحقيق ذلك، مشيراً إلى ردود الفعل المجتمعية التي يصفها بالرافضة.

كما يلفت إلى أن القرار قد لا يكون أخذ في الحسبان القدرات المالية لبعض المؤسسات الصغيرة جداً التي قد لا تغطي حتى تكاليفها التشغيلية، فضلاً عن توظيف مواطن بالحد الأدنى للأجور.

ويتوقع الشرياني أن تواجه هذه التدابير تحديات تتعلق بإمكانية التحايل عليها من قبل البعض وتسجيل أسماء مواطنين بشكل صوري.

ويؤكد على أهمية وجود إرادة جادة من الطرفين (المشرع وأصحاب الأعمال) لجعل التدريب والتأهيل هو الأساس في تحقيق هذه الموائمة، بحيث يساهم العامل العماني في زيادة ربحية المؤسسة وتحقيق الجدارة المطلوبة.

أما عن الدور المطلوب من أصحاب العمل لضمان نجاح سياسات التعمين بشكل فعال، يشدد الشرياني على ضرورة تبني خطط عمل جدية وسريعة تقوم على الشراكة الكاملة مع الموظفين، والعمل على رفع العائد لزيادة الإيرادات وتحقيق الاستدامة المالية التي تمكنها من الوفاء بالتزامات توظيف المواطنين.

رؤية تكاملية

وتؤكد خبيرة التوطين وتطوير المواهب، فاطمة اللوغاني، أن توطين الكفاءات يجب أن يُدمج ضمن سياسات التنوع والمساواة والشمول، مشيرة إلى أن “التعامل مع التوطين كملف منعزل عن السياسات المؤسسية يُضعف أثره ويقلل من فرص نجاحه المستدام”.

ونقلت صحيفة أثير العمانية، عن اللوغاني تأكيدها خلال مشاركتها في مؤتمر “أوشرم” الذي نظمته الجمعية العمانية للموارد البشرية بمسقط، في 16 أبريل الماضي، بأن التوطين الفعّال يتطلب رؤية إستراتيجية طويلة الأمد وتمكيناً حقيقياً في المناصب القيادية، لا الاكتفاء بالوظائف الدنيا.

واعتبرت أن “التوطين أو التعمين يمثل ميزة تنافسية لأي شركة إذا تم توظيفه كعنصر مدمج ضمن إستراتيجية الموارد البشرية، وليس كاستجابة إلزامية لمتطلبات تنظيمية”.

وأشادت بتجربة سلطنة عمان، ووصفتها بـ”الرائدة”، مستندة إلى تجربتها الشخصية ضمن أول خطة وطنية للتعمين، مؤكدة أن “الأثر الاجتماعي لتوظيف مواطن واحد كان يظهر بوضوح في استجابة العائلات والمجتمع المحلي”.

وتحذّر اللوغاني من التوظيف الشكلي دون متابعة أو تطوير، مؤكدة أن “التوطين ليس مجرد استجابة مؤسسية، بل مسؤولية مشتركة ضمن نظام بيئي متكامل… ويجب أن يُدمج ضمن رؤية واضحة للتنوع والشمول”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى