عادات تاريخية قد تتلاشى.. كيف أثرت التكنولوجيا على الاحتفال بالعيد؟

ما التأثيرات السلبية للتكنولوجيا على طقوس عيد الفطر؟
– قلة التواصل المباشر بين أفراد العائلة والأصدقاء، مما قد يؤثر على العلاقات الاجتماعية بشكل سلبي.
– الابتعاد عن الروحانيات بسبب التركيز على الأنشطة الترفيهية والتواصل عبر الإنترنت.
– تؤدي مشاركة الصور ومقاطع الفيديو للاحتفالات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى شعور البعض بالغيرة أو عدم الرضا عن حياتهم.
مع زحف التكنولوجيا إلى كل جانب من جوانب حياتنا بدأت تأثيراتها تنتقل تدريجياً إلى طقوس الأعياد المتوارثة منذ آلاف السنين لتمحو بعضها وتعيد صياغة أخرى، بدءاً من طريقة التواصل بين الناس وصولاً إلى مشاركة مظاهر الاحتفال.
ومع حلول عيد الفطر لم تعد تلك الأجواء والطقوس الاجتماعية لهذه المناسبة على ما كانت عليه، فبالأمس القريب كانت فرصة لخلق اجتماعات عائلية واسعة النطاق لا تقتصر على الأسرة الصغيرة وتبادل التهاني والزيارات وتناول الأطعمة المختلفة.
طقوس تتلاشى
أما اليوم فعزز التواصل عن بعد والتكنولوجيا الاجتماعية العزلة ولم تعد لأجواء العيد تلك الفرحة المعتادة التي ينتظرها المسلمون مرة كل عام، كما خلق عالم الرقمنة مقارنات اجتماعية بين الناس عمقت الفجوة بين فئات المجتمع المختلفة.
وفي الأيام القليلة التي تسبق عيد الفطر بات من القليل رؤية اجتماعات نساء العائلة الكبيرة، لصنع الحلويات الشعبية المختلفة ومنها الكعك وأنواع البسكويت.
فمع التطور الحضري لم تعد البيوت تملك تلك المساحات الكبيرة كما كانت سابقاً، كما أن حجم العرض الكبير في الأسواق لهذه الحلويات بات يقنع الناس بشرائها جاهزة بدلاً من قضاء ساعات وبذل جهد في صناعتها داخل المنزل.
كما أثرت التكنولوجيا على الزيارات، وهي العادة الأهم خلال العيد، إذ باتت تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”واتساب” بديلاً عنها، فيهنئ الناس بعضهم بعضاً عن طريقها؛ حتى لا يتكلفوا عناء الزيارة.
ولا تقف التغيرات عند هذا الحد فحتى التسوق لشراء مقتنيات وملابس العيد أصبح يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا عبر الأسواق الإلكترونية المختلفة.
ولا يمنح التسوق الإلكتروني تلك المتعة غير المحدودة التي كان يشعر بها الأطفال عندما يذهبون إلى السوق ويختارون ما تلمسه أيديهم من ملابس وألعاب مختلفة.
وامتداداً لذلك أيضاً غابت فرحة الأطفال بثيابهم الجديدة وركضهم للأقارب والأصدقاء لعرضها أمامهم، فالزيارات باتت محدودة، وتصوير الملابس وإرسالها عبر منصات التواصل الاجتماعي باتا الخيارَ الأسهل والأكثر رواجاً.
حياة اجتماعية غير طبيعية
وتقول أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الإسلامية الفلسطينية، أميرة ياسين: إن “الأعياد في العالم الإسلامي باتت على أرض الواقع تشبه الأيام العادية بخلاف ما كان عليه الحال سابقاً”.
وتضيف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “في العيد كان الأشقاء وأبناء الأعمام يقومون بزيارات للأرحام ربما تشمل البلاد من أقصاها إلى أقصاها، والبهجة كانت تملأ كل البيوت التي يطرق الزوار أبوابها حاملين العيديات والحلويات”.
وتتابع: “هذه الزيارات كانت تنتهي عادة في بيت أكبر أفراد العائلة سواء الأب أو الأخ الأكبر أو حتى الجد، حيث يجتمع الأشقاء وأبناء العم والأحفاد ويقضون وقتاً يظل محفوراً في ذاكرتهم ويعمّق الروابط الأسرية والاجتماعية بينهم”.
وأشارت إلى أنه منذ اتساع نطاق التطور التكنولوجي لم يعد للأعياد أي طعم، وباتت مثل هذه الزيارات نادرة.
وتعتبر أن الناس يعيشون حالياً في حياة اجتماعية غير طبيعية تقوم على التواصل التكنولوجي وتلاشي العادات والتقاليد القديمة، وهو ما يخلق فجوات ويفكك المجتمعات.
وتلفت إلى أن العيد كان يمثل فرصة للصلح ولقاء المتخاصمين، لكن اليوم وسائل التكنولوجيا زادت من التباعد وليس التقارب، مما أثر سلباً على الروابط الاجتماعية.
هناك إيجابيات!
أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة شريف محمد، يرى أن التكنولوجيا لها تأثيرات إيجابية وسلبية على ممارسة طقوس عيد الفطر في المجتمعات الإسلامية.
ويقول محمد في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “ساعدت التكنولوجيا على تسهيل التواصل بين أفراد العائلة والأصدقاء، خاصةً من يعيشون في أماكن بعيدة”.
ويضيف: “ساعدت مكالمات الفيديو والرسائل الفورية على تقريب المسافات ونشر مشاعر الفرح والبهجة بين الجميع”.
ولفت إلى أن التكنولوجيا ساهمت في الحفاظ على بعض التقاليد، مثل تبادل العيدية، من خلال تطبيقات الدفع الإلكتروني، مما سهَّل هذه العملية وجعلها أكثر سهولة وسرعة، خاصة لمن يقيمون في بلاد مختلفة من الأقارب والأصدقاء.
أما عن التأثيرات السلبية للتكنولوجيا على طقوس العيد، فيقول الخبير الاجتماعي إن من أبرزها قلة التواصل المباشر بين أفراد العائلة والأصدقاء بسبب سهولة التواصل عبر التكنولوجيا.
كما أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا قد يؤدي إلى الابتعاد عن الروحانيات والمعنى الحقيقي لعيد الفطر، حيث يصبح التركيز على الأنشطة الترفيهية والتواصل عبر الإنترنت أكثر من التركيز على العبادات والأدعية، حسب أستاذ علم الاجتماع.
ويشير إلى أن مشاركة الصور ومقاطع الفيديو للاحتفالات على مواقع التواصل الاجتماعي قد تؤدي إلى شعور البعض بالغيرة أو عدم الرضى عن حياتهم، ما قد يؤثر في حالتهم النفسية بشكل سلبي.
وإضافة إلى كل ذلك، فإن التكنولوجيا تؤدي إلى إضاعة الوقت في تصفح الإنترنت أو استخدام الألعاب الإلكترونية، مما قد يمنع الاستمتاع بالعيد بشكل كامل والاستفادة من أجوائه الروحانية.
وينصح المختص الاجتماعي بتحديد وقت محدد لاستخدام التكنولوجيا، خاصة خلال الأعياد والمناسبات الاجتماعية المختلفة، وعدم السماح لها بالسيطرة على جميع الأنشطة.
ويرى ضرورة التركيز على التواصل المباشر مع أفراد العائلة والأصدقاء، وعدم الاعتماد على التكنولوجيا في التواصل فقط.
وأكد أنه لا يمكن الاستغناء عن التكنولوجيا، بل يجب تطويعها للاستفادة منها في نشر المعرفة حول العيد وتعاليمه وقيمه.
ويعتقد الخبير في علم الاجتماع أنه يجب الابتعاد عن المقارنة الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتركيز على الاستمتاع بأجواء العيد فقط، خاصة للأطفال.