ضم رفح.. نوايا إسرائيلية قد تقلب موازين الحرب في غزة والمنطقة

مدينة رفح لا تعتبر مجرد بقعة جغرافية على الخريطة بل تشكل رئة غزة الجنوبية وشريانها الوحيد للانفتاح على العالم الخارجي
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أشهر، برزت تصريحات جديدة تفيد بوجود نية لدى الجيش الإسرائيلي لاحتلال مدينة رفح بالكامل وضمها إلى ما يُعرف بـ”المنطقة العازلة” على الحدود مع مصر.
هذا التطور الخطير ينذر بتغير جذري في ملامح الحرب، وتوسيع لنطاقها الجغرافي والسياسي، ما يضع المنطقة، وتحديداً مصر، أمام تحديات أمنية واستراتيجية غير مسبوقة.
الحديث عن هذه الخطوة جاء عبر وسائل إعلام إسرائيلية، بعضها مقرب من دوائر صنع القرار في تل أبيب، ما يعزز الاعتقاد بأن الأمر لم يعد مجرد احتمال عسكري، بل أصبح جزءاً من مخطط مدروس يتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية لتغيير الوقائع الجغرافية والديموغرافية في قطاع غزة.
مدينة رفح لا تعتبر مجرد بقعة جغرافية على الخريطة، بل تشكل رئة غزة الجنوبية، وشريانها الوحيد للانفتاح على العالم الخارجي عبر معبر رفح البري، كما أنها تمثل في المقابل جداراً أمنياً أمامياً للأمن القومي المصري، نظراً لموقعها المتاخم لشبه جزيرة سيناء.
وينظر إلى أي تحرك إسرائيلي بري نحو رفح على أنه تجاوز صارخ للخطوط الحمراء المصرية، خاصة إذا ما رافقه أي تغيير ديموغرافي أو محاولات لتهجير السكان قسراً باتجاه الحدود المصرية، الأمر الذي ترفضه القاهرة بشكل قاطع وتعتبره مساساً مباشراً بسيادتها الوطنية.
بالتوازي مع التصريحات الإسرائيلية، كثفت مصر من وجودها الأمني والعسكري والاستخباراتي على طول الحدود مع القطاع، في إشارة إلى أن أي محاولة إسرائيلية لفرض وقائع جديدة في مدينة رفح ستواجه بجدية على المستويين السياسي والميداني.
يعكس التحرك المصري استشعاراً حقيقياً لخطر وشيك قد يهدد الاستقرار الحدودي ويفتح الباب لأزمة دبلوماسية حادة بين القاهرة وتل أبيب.
تفاصيل الخطة الإسرائيلية
بحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإن جيش الاحتلال يدرس بالفعل خطة لضم مدينة رفح بالكامل إلى المنطقة العازلة، في خطوة تهدف إلى خلق حاجز أمني يمتد من الحدود المصرية جنوباً إلى أطراف خان يونس شمالاً.
وتشير التقديرات إلى أن هذا الحزام الأمني المزمع قد يمتد على مساحة تقارب 75 كيلومتراً مربعاً، وهو ما يعني فعلياً اقتطاع المدينة بالكامل من الخريطة السكانية للقطاع.
ووفق ما نقلته الصحيفة يوم الأربعاء 9 أبريل، فإن رفح باتت فعلياً مدينة أشباح، بعدما تعرضت لتدمير واسع النطاق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي دمر أحياء كاملة وهجّر سكانها قسراً.
وأفادت مصادر بأن هذا التحرك يأتي استجابة لتوجيهات من المستوى السياسي في تل أبيب، على خلفية قرار تجديد العمليات العسكرية الشهر الماضي.
ترى مصادر سياسية إسرائيلية، وفقاً لـ”هآرتس”، أن الهدف من احتلال رفح وضمها للمنطقة العازلة هو ممارسة ضغط إضافي على حركة “حماس”، في محاولة لانتزاع تنازلات منها في ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
ويبدو أن حكومة الاحتلال تسعى إلى استخدام السيطرة على المدينة كورقة تفاوضية قبيل جولة إقليمية مرتقبة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
انفجار إقليمي
الكاتب والمحلل السياسي محمود حلمي يؤكد أن الحديث عن نية ضم رفح بشكل كامل لا يُمكن فصله عن سياق الضغط الإسرائيلي المستمر على غزة وسعيه إلى تغيير قواعد الاشتباك وخلق واقع جديد بالقوة.
وقال حلمي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “تنفيذ هذه الخطوة يعني أن قطاع غزة سيفقد أهم مدينة استراتيجية لديه، فرفح ليست فقط نافذته على مصر، بل تحتضن أيضاً معبر كرم أبو سالم التجاري، الذي يشكل شريان الحياة الاقتصادي لسكان القطاع”.
وأضاف: “الرهان الإسرائيلي على ضم رفح قد يحقق بعض المكاسب العسكرية المحدودة، لكنه في الوقت ذاته سيفتح أبواب الصراع الإقليمي على مصراعيها، فرفح تمثل نقطة تماس حساسة مع السيادة المصرية، وأي تهديد لها سيكون شرارة محتملة لانفجار إقليمي يصعب احتواؤه”.
في حال أقدمت “إسرائيل” على تنفيذ خطة ضم رفح، فإن التداعيات لن تقتصر على غزة فقط، بل ستمتد إلى مصر والمنطقة بأسرها، مع احتمالية إفشال المساعي الأمريكية والأوروبية لفرض هدنة إنسانية، وتراجع فرص التوصل إلى اتفاق سياسي في المدى القريب، حسب حلمي.
ويقول: “عدم تراجع إسرائيل عن هذه الخطوة قد يدخل المنطقة في موجة تصعيد جديدة، ستكون مصر في قلبها، ليس كوسيط دبلوماسي فقط، بل كطرف معني مباشرة بأمنه القومي وحدوده واستقراره الداخلي والإقليمي”.
وأصبحت رفح، حسب حلمي، “نقطة ارتكاز في صراع أكبر على شكل المنطقة ومصيرها، والتهديد بتحويلها إلى منطقة عازلة يمثل تحولاً استراتيجياً خطيراً في السياسات الإسرائيلية”.