سوريا في العهد الجديد.. بوابة استثمار وتجارة واعدة لدول الخليج

– فرص استثمار ضخمة لدول الخليج في إعادة إعمار سوريا بقطاعات البنية التحتية والطاقة
– تعاون اقتصادي مرتقب يعزز العلاقات التجارية والتبادل بين سوريا ودول الخليج
– تحديات استثمارية تحتاج إلى استقرار سياسي وتشريعات محدثة لتحفيز الاستثمارات الأجنبية
مع دخول سوريا مرحلة جديدة من التعافي بعد سنوات طويلة من الحرب والدمار، تبرز فرص كبيرة للاستثمار والتجارة، خاصة مع دول الخليج العربي التي أبدت اهتماماً متزايداً بالمشاركة في إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد السوري.
وتاريخياً، تربط سوريا ودول الخليج علاقات اقتصادية وتجارية قوية، إلا أن هذه العلاقات شهدت تقلبات خلال سنوات الحرب.
ومع استعادة الاستقرار النسبي، عادت دول الخليج إلى الاهتمام بالسوق السوري، حيث تسعى للمساهمة في مشروعات إعادة الإعمار والبناء إضافة لسوق الاستثمارات.
فرصة قوية للخليج
ويرى خبراء في الاقتصاد أن التواجد في المشهد الاقتصادي السوري يمثل فرصة قوية لدول الخليج، نظراً للقرب الجغرافي والعلاقات التاريخية وتشابك المصالح.
وخلال الأسابيع الأولى لسقوط نظام بشار الأسد بعد الثامن من ديسمبر الماضي، توافدت العديد من وفود دول الخليج إلى العاصمة السورية دمشق لإجراء مباحثات حول المرحلة المقبلة.
كما أجرى وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني، أول زيارة خارجية له إلى الرياض وتبعها بجولة شملت قطر والإمارات، وبحث خلالها العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية.
هذه الزيارات المتبادلة تعكس رغبة مشتركة لتعزيز التعاون في كافة المجالات في العهد الجديد لسوريا وعلى رأسها القطاعات الاقتصادية سواء الاستثمارية أو التجارية.
وأعلن قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، عقب اجتماع بين وزير الخارجية الشيباني ووزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي، الشهر الماضي، أن الدوحة أبدت اهتمامها بالاستثمار في قطاعات من بينها الطاقة في سوريا مستقبلاً.
وتعيش قطاعات الدولة في سوريا عجزاً وتأخراً في جميع مجالات الطاقة والنفط والطيران وإعادة الإعمار وحتى التجارة وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن من ماء وغذاء وإنترنت وكهرباء، نتيجة الترهل وضعف المؤسسات الاقتصادية والخدمية.
أهم القطاعات
ويقول الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، إن “الفرص الاستثمارية كبيرة في سوريا والباب مفتوح للاستثمار في جميع المرافق الحيوية من مطارات وموانئ وسكك حديدية لأن جميعها إما متوقفة أو مترهلة أو قديمة وتحتاج إلى عمل استثماري ضخم وسريع لإنعاش هذه المرافق وانطلاقها بالعمل من جديد للنهوض بالواقع الاقتصادي والخدمي الذي سيعود على الشعب”.
ويضيف سيف الدين في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “تُقدّر تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بنحو 300 مليار دولار، مما يفتح الباب أمام فرص استثمارية ضخمة في مختلف القطاعات”.
ويتابع: “هذه المشروعات تشمل إعادة بناء البنية التحتية من طرق وجسور وموانئ ومطارات، بالإضافة إلى إعادة تأهيل الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والصحة والتعليم”.
ويرى أن دول الخليج، وخاصة قطر والإمارات والسعودية، أبدت اهتماماً كبيراً بالمشاركة في هذه المشروعات.
ويشير إلى أن قطر، على سبيل المثال، أعلنت عن اهتمامها بالاستثمار في قطاعات الطاقة والنفط والطيران والبنية التحتية.
وأوضح أن من أهم القطاعات التي تمثل فرصة مثالية للاستثمار قطاع النقل حيث تعاني البنية التحتية في سوريا من تدهور كبير.
ويبين أن المطارات السورية بحاجة إلى تحديث وتطوير، مع وجود عروض من دول مثل قطر وتركيا للمساعدة في هذا المجال.
وفي تصريحات سابقة له، قال مدير مطار دمشق الدولي أنيس فلوح، إن المطارات السورية تحتاج إلى تطوير في أنظمة الملاحة الجوية والبنية التحتية والطائرات.
ويشير الخبير الاقتصادي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن سوريا تحتاج إلى استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة، حيث تعاني من نقص حاد في الكهرباء والوقود.
ويؤكد أن الاستثمار في هذا القطاع يمكن أن يشمل تطوير محطات توليد الكهرباء، واستغلال مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، لافتاً إلى أن دول الخليج، بما لديها من خبرة في قطاع الطاقة، يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال.
كما أن القطاع الصناعي في سوريا يمتلك إمكانيات كبيرة للنمو رغم أنه تضرر بشدة خلال سنوات الحرب، وفق سيف الدين.
وتملك سوريا قائمة من الصناعات التي كانت قبل الأزمة الحالية مصدراً أساسياً لإيراداتها العامة مثل الأثاث والحديد والسيراميك والمنتجات الغذائية وإعادة تشغيلها وتطويرها سيمثل فرصة مهمة لدعم اقتصاد الدولة.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإنه يمكن لدول الخليج أن تسهم في إعادة تأهيل المصانع وتوفير الدعم اللازم لتطوير القطاع الصناعي، بما في ذلك توفير التمويل والتكنولوجيا الحديثة.
ويعتبر أن التكنولوجيا تمثل أيضاً أحد أهم القطاعات الواعدة في سوريا، موضحاً أنه مع التحول الرقمي المتزايد، هناك فرص كبيرة للاستثمار في تطوير البرمجيات، والحلول الرقمية، والتجارة الإلكترونية وهو ما كان غائباً عن الدولة العربية خلال السنوات الطويلة الماضية بفعل ترهل الدولة.
ولفت أيضاً إلى أن الشركات الخليجية المتخصصة في التكنولوجيا يمكن أن تجد سوقاً ناشئاً مليئاً بالإمكانيات في سوريا.
التجارة الثنائية
وعلى الصعيد التجاري، يوصي المحلل الاقتصادي حسام عايش، بتفعيل المنطقة الحرة المشتركة بين سوريا ودول الخليج والتي بإمكانها تعزيز التبادل التجاري بين الجانبين.
كما يؤكد عايش في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، على ضرورة التشبيك بين القطاع الخاص في الجانبين وتفعيل مجالس الأعمال بين المؤسسات الاقتصادية في سوريا ودول الخليج.
ويلفت إلى أن السوق السوري كان يعاني من نقص كبير في غالبية المنتجات حتى الأساسية منها وهذا ما يمثل فرصة مثالية لدول الخليج لتضخ بضائعها إليه.
ويعتبر أن “سوريا اليوم تمثل سوقاً واعدة للاستثمارات الخارجية، خاصة من دول الخليج العربي التي تسعى للمساهمة في إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد السوري”.
ويقول إنه “بفضل العلاقات التاريخية والقرب الجغرافي، يمكن أن تلعب دول الخليج دوراً محورياً في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع سوريا”.
فرصة استثنائية
وفي السياق نفسه، يعتقد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن “سوريا تمر بمرحلة تحول اقتصادي كبيرة، وخاصة بعد سنوات طويلة من الحرب والتحديات الاقتصادية، ودول الخليج لديها فرصة استثنائية للدخول في هذا السوق الناشئ”.
ويرى أبو قمر في حديث لـ”الخليج أونلاين” أن هناك حاجة ملحة لإعادة الإعمار في قطاعات متعددة مثل البنية التحتية، الطاقة، الزراعة، والصناعات التحويلية، “وهذا يفتح الباب لاستثمارات ضخمة يمكن أن تعود بفوائد كبيرة على دول الخليج”.
ويضيف أن “هناك عدة تحديات قد تواجه تطوير العلاقات الاقتصادية من أبرزها الوضع الأمني والسياسي الذي يحتاج إلى استقرار أكبر لضمان حماية الاستثمارات”.
وذكر أن هناك أيضاً تحديات مرتبطة بالبنية التشريعية واللوائح التنظيمية التي تحتاج إلى تحديث لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على تحسين الخدمات اللوجستية وتسهيل عمليات النقل والتجارة بين سوريا ودول الخليج.
كما أكد أنه يمكن تجاوز هذه التحديات من خلال التعاون الوثيق بين الحكومات والقطاع الخاص، وخلق شراكات استراتيجية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
ويعتقد أبو قمر أن العلاقات الاقتصادية بين سوريا ودول الخليج لديها فرص كبيرة للتطور، إذا تم العمل على تذليل العقبات وتعزيز التعاون، “ويمكن أن تصبح سوريا شريكاً استراتيجياً لدول الخليج في العديد من المجالات”.