الاخبار

سكان غزة يتذوقون مرارة النزوح تحت قصف بلا رحمة

لم تكن رحلة النزوح لسكان قطاع غزة هروباً إلى الأمان بل انتقالاً من جحيم إلى جحيم أشد قسوة

“كأننا نعيش يوم القيامة”، بهذه الكلمات يختصر أحمد أبو محسن مأساته هو وعائلته، التي أُجبرت على مغادرة منزلها في مدينة النصيرات وسط قطاع غزة، بعد أن وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي إنذاراً عاجلاً لسكان الحي بضرورة الإخلاء الفوري، والتوجه غرباً نحو مناطق يفترض أنها “آمنة”، وتحديداً إلى غرب المنطقة الوسطى المحاذية لساحل البحر الأبيض المتوسط.

لم تكن رحلة النزوح هروباً إلى الأمان، بل انتقالاً من جحيم إلى جحيم أشد قسوة، فالطريق من النصيرات إلى الساحل الغربي كان محفوفاً بالموت، إذ لم يتوقف القصف الإسرائيلي لحظة واحدة، سواء عبر الطائرات الحربية التي لا تغادر سماء غزة، أو عبر المدفعية الثقيلة المتمركزة على تخوم المناطق الشرقية من القطاع.

يروي أبو محسن، وهو أب لخمسة أطفال، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، تفاصيل تلك اللحظات العصيبة: “خرجنا على عجل، لا نعرف إلى أين نذهب، ولم يكن لدينا وقت حتى لجمع أغراضنا الأساسية، كل ما فكرنا فيه هو إنقاذ أطفالنا من القصف، وحملنا ما خف وزنه وتركنا البيت، وكل ما نملكه من ذكريات وأمان خلفنا”.

منذ اللحظة الأولى لرحلتهم القسرية، بدأت فصول المعاناة، فقد قطعت العائلة نحو ثلاثة كيلومترات سيراً على الأقدام، وسط أصوات الانفجارات المتلاحقة، وتحليق الطائرات، وأزيز الرصاص، وكانت الشوارع مكتظة بالأهالي الهاربين، بعضهم أصيب خلال الطريق، وآخرون كانوا في حالة انهيار بعد أن فقدوا أعزاءهم أمام أعينهم.

يقول أبو محسن، عن مشاهد النزوح: “كنا نرى الموت يتربص بنا في كل خطوة، حيث تتساقط القذائف على مقربة، رصاص يمر من فوق رؤوسنا، والسماء مشتعلة بالنيران، والأطفال يصرخون من شدة الخوف والبرد، وأنا عاجز عن طمأنتهم أو حتى تقديم شيء يخفف عنهم”.

بعد ساعات من السير المتواصل، وصلت العائلة إلى منطقة الساحل، حيث البحر الأبيض المتوسط، لكن المفاجأة كانت صادمة ومخيبة للآمال، فلم يجدوا خياماً ولا مراكز إيواء ولا مساعدات إنسانية، فقط رمال باردة وسماء مفتوحة على مصراعيها.

تضيف أم أحمد، زوجة أبو محسن، والدموع تملأ عينيها: “ظننت أننا سنجد مكاناً منظماً، أو حتى خيمة صغيرة نلجأ إليها، لكننا وجدنا أنفسنا ننام على التراب، بلا غطاء أو حماية، ولم يكن معنا سوى بطانية خفيفة، والبرد كان قاسيًا، وقضينا ليلتنا الأولى تحت النجوم، والدموع لا تفارق أعين أطفالنا الذين لا يفهمون لماذا خسروا بيتهم”.

في اليوم التالي، لم يكن أمام العائلة إلا البحث عن مكان بديل؛ لأن المنطقة التي نزحوا إليها في الساعات الأولى تفتقر لأبسط مقومات الحياة، من مياه للشرب، ودورات مياه، ومطابخ خيرية تقدم الطعام أو المساعدات.

وتوضح أم أحمد لـ”الخليج أونلاين”: “لم نعرف من أين نبدأ، كأننا ولدنا من جديد وسط رماد الحرب، لا خريطة تدلنا، ولا صوت يرشدنا، فقط الخوف والبؤس والجوع”.

وتخشى العائلة، كغيرها من مئات آلاف النازحين، من انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة الاكتظاظ وسوء الظروف الصحية، خاصة أنهم عانوا سابقاً من أمراض جلدية والتهابات في الجهاز التنفسي خلال فترات نزوح سابقة.

وتتابع أم أحمد: “نحن بالكاد عدنا لمنزلنا قبل أسابيع، وها نحن نُجبر على تركه من جديد”، ويقول نجلها أحمد بحزن، متسائلاً: “إلى متى سيبقى الإنسان الفلسطيني نازحاً داخل وطنه؟ متى سيتوقف هذا الكابوس؟”.

حياة من جحيم 

على مقربة من نزوح عائلة أبو محسن، كان الحال أسوأ أيضاً لعائلة أبو عطوى، حيث اضطرت للخروج من منزلها في منطقة الزوايدة بعد طلب جيش الاحتلال منهم الخروج من منطقتهم.

يصف أحمد أبو عطوى حياة النزوح بأنها “قطعة من جهنهم”؛ نظراً للمعاناة التي عاشها برفقة عائلته خلال تركه منزله، ومشيه على الأقدام لمسافات طويلة في محاولة البحث عن الأمان.

يقول أبو عطوى لـ”الخليج أونلاين”: “الحياة خارج المنزل وفي الخيم جحيم لا يستطيع أحد تحملها، خاصة في ظل استمرار القصف، وغياب الخصوصية والأمان، وعدم وجود مياه، أو حتى مكان تستطيع تقضي فيه حاجتك”.

ويوضح أن “النزوح هو أسوأ ما واجه الناس في قطاع غزة خلال العدوان، لذلك يتعمد جيش الاحتلال إخراج الناس من منازلهم بين فترة وأخرى”.

أرقام ومعطيات

تؤكد الأمم المتحدة أن نحو 65% من مساحة قطاع غزة باتت مصنفة كمناطق يُمنع دخول المدنيين إليها، بزعم أنها “مناطق عازلة”.

وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن جيش الاحتلال أصدر منذ 18 مارس الماضي ما لا يقل عن 13 أمر تهجير قسري، شملت ما يقرب من 126.6 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل 35% من مساحة قطاع غزة.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 1.9 مليون شخص في غزة نزحوا داخليًا، بعضهم اضطر للنزوح أكثر من ثلاث مرات خلال الأشهر الماضية، حيث يجبر النازحون في كل مرة على إعادة بناء حياتهم من الصفر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى