سقوط مدوٍ لزيف «جماعة البرهان»

عبدالله أبوضيف (أبوظبي)
جسَّد رفض محكمة العدل الدولية للدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات انتصاراً مبيناً لمصداقية الدولة وجهودها الإنسانية والسياسية، ما يعزز مكانتها الإقليمية والعالمية، بسبب مواقفها المشرفة الداعمة للسلام والاستقرار في مختلف مناطق العالم، وبالأخص المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة ومآسي دامية.
وفي المقابل، أكد قرار المحكمة الدولية زيف الادعاءات الممنهجة التي تروجها القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات، في ضربة قوية وسقوط مدوٍ لجماعة «البرهان»، التي تسببت في أزمات إنسانية، وأوضاع مأساوية، واضعة مستقبل ملايين السودانيين على المحك، حسبما أكد خبراء ومحللون سياسيون لـ«الاتحاد».
وأوضح خبراء ومحللون، تحدثوا لـ«الاتحاد»، أن قرار محكمة العدل الدولية برفض دعوى القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات، يؤكد أن الدعوى باطلة ولا أساس لها من الصحة، وأن هدفها كان تشتيت الانتباه عما يشهده السودان من فظائع إنسانية، وهو ما كان واضحاً منذ البداية، وقد حذرت الدولة، مراراً وتكراراً، من خطورته.
وشدد الخبراء والمحللون على التزام الإمارات الراسخ بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتعزيز العمل الجماعي وبناء مستقبل يسوده السلام والازدهار للشعب السوداني.
رسالة واضحة
واعتبر المحلل السياسي الكويتي، خالد العجمي، أن قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات يمثل انتصاراً جديداً للشرعية الدولية التي ترفض الزج بالقضاء الدولي في خلافات سياسية، عبر اتهامات مرسلة تفتقر إلى الأدلة.
وأوضح العجمي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن القرار يؤكد أن المجتمع الدولي بات أكثر وعياً بمحاولات بعض الأطراف استغلال المؤسسات القانونية لتحقيق أهداف دعائية أو للتهرب من مسؤولياتها الداخلية، مؤكداً أن الإمارات، المعروفة بدورها الإنساني والدبلوماسي في المنطقة، لطالما دعت إلى التهدئة والحوار والحلول السلمية في السودان، ووقفت إلى جانب الشعب السوداني في محنته دون أي تدخل سلبي في شؤونه الداخلية.
وأشار إلى أن المحكمة الدولية عندما تقر بعدم اختصاصها وتنهي الإجراءات بشكل رسمي، فإنها بذلك تُسقط محاولات تسييس العدالة، وتضع حداً لمحاولات التشويه التي لا تستند إلى حقائق، مشيداً بتعامل الإمارات مع القضية بصبر واتزان يعكس التزامها بالقانون الدولي، وفق قواعد العلاقات الدولية.
وأفاد العجمي بأن قرار محكمة العدل الدولية يعزز جهود الإمارات الإقليمية والدولية كدولة راعية للاستقرار وصانعة للسلام، ويرسل رسالة واضحة بأن الاتهامات غير المبنية على أسس قانونية لن تجد صدى في المحافل الدولية، مشدداً على ضرورة أن يركز الفرقاء السودانيون على الحوار الوطني الحقيقي، بدلاً من تصدير الأزمات للخارج، معرباً عن أمله في أن يكون القرار دافعاً لتعزيز الجهود لإنهاء الأزمة السودانية سلمياً.
نزاهة الإمارات
من جهتها، أوضحت ميرة زايد، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، أنه في خطوة تاريخية تؤكد التزام الإمارات الراسخ بالعدالة والشفافية، أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً حاسماً برفض دعوى القوات المسلحة السودانية، مؤكدة أن القرار يعكس نزاهة الدولة وسياستها القانونية المتزنة.
وذكرت زايد لـ «الاتحاد» أن قرار المحكمة الدولية يؤكد مكانة الإمارات كرمز عالمي للسلام والاستقرار، ويعكس أيضاً غياب أدلة موثوقة تدعم الادعاءات التي تروجها القوات المسلحة السودانية، ما يبرز فشل محاولات تسييس المنصات القضائية الدولية.
وأشارت إلى أن القضية بدأت عندما قدمت القوات المسلحة السودانية اتهامات للإمارات، مدعية أن دعمها المزعوم لقوات الدعم السريع يشكل انتهاكاً لالتزاماتها الدولية. لكن المحكمة، بعد فحص الأدلة بعناية، خلصت إلى أن هذه الادعاءات تفتقر إلى الأسس القانونية والإثباتات الملموسة. وقد لعب التحفظ القانوني الذي سجلته الإمارات عند انضمامها إلى الاتفاقية دوراً محورياً، إذ يمنع النظر في النزاعات المتعلقة بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها، ما أكد التزام الدولة بالإطار القانوني الدولي مع حماية سيادتها.
ضربة موجعة
بدوره، قال المحلل الأمني، ياسر أبو عمار، إن قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات، وشطب القضية لعدم الاختصاص، يمثل ضربة موجعة لمحاولات تسييس القضاء الدولي وتوجيهه لخدمة أجندات ضيقة لا تخدم الاستقرار الإقليمي.
وأضاف أبو عمار لـ «الاتحاد» أن الحكم جاء ليؤكد نزاهة المنظومة القضائية الدولية، ورفضها الانجرار خلف اتهامات غير مدعومة بأدلة، مشدداً على أن الإمارات كانت وستظل دولة ملتزمة بالقانون الدولي، وتتمسك بسياسات واضحة تقوم على دعم السلم والأمن في المنطقة.
وأشار إلى أن ما جرى يؤكد فشل محاولات التشويش على الدور الإنساني والدبلوماسي الذي تلعبه الإمارات في عدد من الملفات الإقليمية، وعلى رأسها الملف السوداني، حيث حرصت القيادة الإماراتية منذ بداية الأزمة على دعم جهود التهدئة، وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوداني بعيداً عن أي انحياز أو تدخل في الشؤون الداخلية.
وأوضح أن القضية كانت مجرد محاولة لصرف الأنظار عن أزمات داخلية يُعانيها السودان، ومحاولة لتصدير الفشل السياسي والأمني إلى الخارج، لكن المحكمة تعاملت معها بمهنية تامة، ورفضت الدخول في تفاصيل لا تدخل ضمن نطاق اختصاصها.
وأكد أبو عمار أن مثل هذه المحاولات الفاشلة لا تؤثر على صورة الإمارات الدولية، بل تزيد من مصداقيتها أمام العالم، داعياً الأطراف السودانية كافة إلى تغليب لغة الحوار والمسؤولية الوطنية، والابتعاد عن استخدام مؤسسات العدالة الدولية كأداة للصراع السياسي.
ضرر مباشر
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمنصة برفليكس العربية، الباحث الاستراتيجي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ناصر محمد، إن محكمة العدل الدولية أصدرت حكماً نهائياً برفض طلب القوات المسلحة السودانية إصدار تدابير مؤقتة ضد دولة الإمارات في القضية التي رفعتها بدعوى التواطؤ في النزاع الدائر في السودان.
وأضاف محمد، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن قرار المحكمة الدولية لا يمثل مجرد انتصار قانوني للإمارات بل يؤسس لآثار أعمق على مستوى العلاقات الدولية، ويفتح الباب أمام تحركات قانونية ودبلوماسية جديدة.
وأوضح أن الأحكام المتعلقة بالتدابير المؤقتة أمام محكمة العدل الدولية تُعد نهائية وغير قابلة للاستئناف أو التفنيد، وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الذي يربط اتخاذ القرار بتوافر خطر وشيك على حقوق الطرف المدعي وقبول الدعوى شكلاً، مشدداً على أن رفض المحكمة لإصدار تدابير حماية مؤقتة يعني عملياً أن الطلب لا يستوفي الحد الأدنى من الشروط القانونية، ما يشكل ضربة قاصمة لمحاولات إعادة طرح الادعاءات نفسها لاحقاً بصيغة مختلفة.
ولفت إلى أن قرار المحكمة يقوض بشكل مباشر موقف القوات المسلحة السودانية التي حاولت استغلال القضاء الدولي كأداة للضغط السياسي على الإمارات، موضحاً أن سقوط الطلب بهذه السرعة والوضوح يكشف عن ضعف الأساس القانوني الذي بُنيت عليه الادعاءات، ويهدم أي مصداقية للقوات المسلحة السودانية أمام المجتمع الدولي، ويطرح تساؤلات حول نواياها وخطابها السياسي.
وأكد الباحث الاستراتيجي أن عدم اقتناع المحكمة بزيف ادعاءات القوات المسلحة السودانية يعزز الموقف الإماراتي الذي يقوم على احترام القانون الدولي، ويزيد من عزلة خطاب القوات المسلحة السودانية داخل المحافل الدبلوماسية، موضحاً أن الانتصار القانوني يفتح أمام دولة الإمارات المجال للنظر في خيارات قانونية إضافية، منها إمكانية رفع دعوى مضادة ضد القوات المسلحة السودانية.
حجة قانونية
من جهته، أكد الأستاذ المشارك في الأكاديمية الرئاسية الروسية، مدير مركز خبراء رياليست، الدكتور عمرو الديب، أن رفض محكمة العدل الدولية للقضية المرفوعة ضد الإمارات من قبل القوات المسلحة السودانية يُعد حجة قانونية لعدم جدية الدعوى الباطلة، والتي لا تخرج عن كونها انتهازاً سياسياً من أجل الحصول على مكاسب سياسية.
وأوضح الديب، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن الدعوى الباطلة التي أقامتها القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات مبنية على أساس قانوني باطل، وهي مجرد ادعاء سياسي قائم على الاختلاف في الأهداف التي تسعى القوات المسلحة السودانية إلى تحقيقها.
وأشار إلى أن الإمارات مستمرة في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني الشقيق، رغم الإساءات التي وجهت إليها، ورغم الادعاءات الباطلة التي روجت لها القوات المسلحة السودانية أمام محكمة العدل الدولية، مشدداً على أن القرار يؤكد صحة جميع الحقائق والمستندات والأدلة التي قدمتها الدولة للمحكمة.
عدالة دولية
قالت ميرة زايد الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إنه من الناحية التحليلية، يبرز قرار محكمة العدل الدولية كدليل على استراتيجية الإمارات الدبلوماسية المتقنة التي تمزج بين حماية المصالح الوطنية والالتزام بالمعايير الدولية. وأشارت إلى أن التحفظ القانوني لم يكن مجرد إجراء شكلي، بل يعكس رؤية استباقية تهدف إلى تعزيز السيادة مع الحفاظ على انخراط فعّال في النظام العالمي. كما يؤكد القرار أهمية دعم الاتهامات بأدلة قوية، لتفادي استغلال المنصات القضائية لأغراض سياسية، ما يعزز مصداقية المحكمة كمؤسسة عدالة دولية.
وأضافت زايد أن الإمارات تتجلى في هذا السياق كنموذج يُحتذى به، فهي ليست فقط دولة ملتزمة بالقوانين الدولية، بل رمز للسلام يمد يد العون للجميع.
ومن خلال مساعداتها الإنسانية السخية التي تصل إلى ملايين المحتاجين حول العالم، وجهودها المستمرة في الوساطة لإنهاء النزاعات، تثبت الدولة التزامها ببناء عالم أكثر استقراراً وإنسانية، سواء في إغاثة المتضررين من الكوارث أو في دعم التنمية المستدامة.
وأكدت أن قرار محكمة العدل الدولية يمثل انتصاراً قانونياً وسياسياً للإمارات، وشهادة على رؤيتها الحكيمة في التعامل مع القضايا الدولية، موضحة أن القرار ليس مجرد رفض لادعاءات غير مدعومة، بل تأكيد على مكانة الإمارات كدولة رائدة تجمع بين النزاهة القانونية والالتزام الأخلاقي، وتكرّس جهودها لخدمة البشرية وتعزيز قيم السلام والعدالة في عالم يتطلع إلى الاستقرار والازدهار، مشددة على أن الدولة ستظل قوة إيجابية تسعى لنشر الأمل وتعزيز التعاون العالمي.