زخم التوظيف غير النفطي بالسعودية.. مؤشر ثقة بعمق التحول الاقتصادي

– عدد السعوديين الذين تم توظيفهم بالقطاع الخاص خلال الربع الأول من 2025 بلغ 14 ألف مواطن ومواطنة، بنسبة نمو 93% عن العام السابق
– الهدف من دفع التوظيف في القطاعات غير النفطية بالسعودية هو إعادة تشكيل الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط
تواصل المملكة العربية السعودية دفع عجلة التوظيف في القطاعات غير النفطية، في خطوة تُجسّد التقدّم الملموس نحو إعادة تشكيل بنية الاقتصاد الوطني وتقليل اعتماده على العوائد النفطية.
وبينما تُظهر بعض المؤشرات تباطؤاً نسبياً في الطلب الجديد، يبرز قطاع التوظيف بوصفه إحدى الركائز التي تشهد زخماً واضحاً، ما يعزز ثقة الأسواق في استمرارية مسار النمو والتنويع الاقتصادي الذي تتبناه المملكة ضمن رؤيتها الاستراتيجية.
توظيف متصاعد
ويعكس التوسع في التوظيف غير النفطي حركة متنامية في سوق العمل السعودي، مدفوعة بزخم النشاط في القطاعات الإنتاجية والخدمية.
وكشف صندوق تنمية الموارد البشرية في 21 مايو الجاري عن مساهمته في توظيف 143 ألف مواطن ومواطنة عبر برامج الصندوق للعمل في منشآت القطاع الخاص خلال الربع الأول من العام الجاري، بنسبة نمو بلغت 93% مقارنة بالربع الأول من عام 2024.
ونقلت قناة العربية السعودية في 21 مايو، عن مدير عام الصندوق تركي بن عبد الله الجعويني تأكيده أن “الصندوق يعمل وفق شراكة فعالة مع مختلف القطاعات الحكومية والخاصة لدعم وتمكين أبناء وبنات الوطن من الحصول على فرص وظيفية في سوق العمل”.
وأشار الجعويني إلى أن الصندوق شهد العديد من التحولات التي جاءت انطلاقاً من حرص قيادة المملكة على الاستثمار في رأس المال البشري، وتلبية متغيرات ومتطلبات سوق العمل وتحسين كفاءته، ومواكبة التطورات ومراعاة الاحتياجات والقطاعات الاقتصادية ذات الأولوية.
وبحسب تقرير نشره موقع “إيكونوميك ميدل إيست” في 5 مايو 2025، فإنه رغم تراجع مؤشر الطلبات الجديدة من 63.2 نقطة في مارس إلى 58.6 نقطة في أبريل الماضي، لكنّ التوظيف واصل الصعود بوتيرة لافتة، مسجلاً أحد أعلى معدلاته في أكثر من 10 سنوات، بحسب بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الرياض.
وسجّل المؤشر العام للأنشطة غير النفطية 55.6 نقطة في أبريل، وهو أدنى مستوى له منذ أغسطس 2024، لكنه بقي ضمن نطاق النمو.
ويعكس هذا الأداء المتوازن مرونة الاقتصاد غير النفطي، حيث دفعت زيادة المبيعات والأنشطة التجارية بالشركات إلى توسيع طاقتها التشغيلية لمواكبة الطلب، ما أدّى إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد الموظفين.
ويأتي هذا في وقت نمت فيه الاقتصاد السعودي بنسبة 2.7% في الربع الأول من عام 2025، مدفوعاً بشكل رئيسي بالأنشطة غير النفطية، مما يعكس مساهمتها المتزايدة في النمو الإجمالي.
دعم حكومي
وأسهمت السياسات الحكومية في تهيئة بيئة اقتصادية داعمة للنمو المستدام، عبر تطوير آليات جمع البيانات الاقتصادية وتحديثها، ما أتاح رفع وزن القطاع غير النفطي في الإحصاءات الرسمية ليتماشى مع المعايير الدولية.
وبينما أظهرت بعض القطاعات استقراراً ملحوظاً مثل البناء والعقارات، عززت مبادرات الإسكان وتطوير البنية التحتية من أدائها، في حين شهدت قطاعات التكنولوجيا والفنتك نشاطاً متسارعاً نتيجة تزايد الطلب على الحلول الرقمية.
هذه التطورات لم تكن معزولة، بل جاءت نتيجة مباشرة لتحفيز الابتكار، وتحسين بيئة الأعمال، واستقطاب الاستثمارات، بما يسهم في ترسيخ التحوّل نحو اقتصاد متنوّع قادر على توليد الوظائف وتحقيق النمو بعيداً عن تقلبات أسعار النفط.
وتؤشر هذه التحركات الحكومية إلى رؤية واضحة نحو بناء اقتصاد متوازن تتقاسم فيه القطاعات غير النفطية أدواراً متزايدة في تحقيق النمو وتوليد الوظائف.
ومع تواصل الاستثمار في البيئة التنظيمية والتقنية، يبدو أن تعزيز استدامة هذا الزخم يمثل أحد مفاتيح نجاح مسار التنويع الاقتصادي في المملكة.
تنويع اقتصادي
ويؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي، أحمد صدام، بأن أرقام التوظيف في القطاع غير النفطي السعودي تعكس نجاح سياسات التنويع الاقتصادي وتوسع أنشطة القطاع الخاص المحلي والأجنبي، بما ينسجم مع رؤية السعودية 2030.
ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أن عدد العاملين في القطاع الخاص يرتفع من 9.9 مليون عامل في عام 2020 إلى 11.4 مليون عامل في عام 2024، بمعدل نمو يبلغ 15% خلال السنوات المذكورة.
ويرى صدام أن التوظيف خارج القطاع النفطي يحمل دلالات طويلة الأمد تتمثل في تحسن بيئة الاستثمار، وهو ما يعكس توجهاً حقيقياً نحو تحقيق نمو مستدام بعيداً عن تقلبات الإيرادات النفطية.
كما يمثل ذلك، بحسب الخبير، ثقة متزايدة من قبل المستثمرين، لاسيما الأجانب، في واقع السوق والسياسات الحكومية المتبعة.
وفيما يتعلق بتكاليف العمالة، يرى صدام أن ارتفاعها يقلل من ربحية الشركات بشكل عام، لكن تقليل أثر هذه التكاليف يرتبط برفع مستوى إنتاجية العمالة، وهو ما يغطي مستوى الزيادة في التكاليف ويرفع من مستوى تنافسية الشركات، بشرط أن تعمل السياسات المتبعة على رفع مستوى إنتاجية العمالة.
ويؤكد صدام بأن سوق العمل السعودي سيكون واعداً إذا ما استمرت الإصلاحات الجارية، وهذا يعني توسعاً في قطاعات غير نفطية مثل السياحة والخدمات المالية، وسيكون مستوى التوسع مرهوناً بمدى سرعة الإصلاحات والتسهيلات في بيئة الاستثمار السعودية.
توسع دينامي
يرافق التوسع اللافت في التوظيف، الذي يشهده القطاع الخاص غير النفطي في السعودية، تحديات تضخمية ناتجة عن ارتفاع الطلب وزيادة الأنشطة التشغيلية.
وأظهر مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الرياض في 5 مايو الجاري، أن القطاع الخاص غير النفطي في السعودية يشهد ديناميكية واضحة تتجلى في تسارع التوظيف، ويعكس هذا التوسع رغبة الشركات في تعزيز طاقتها التشغيلية استجابة لنمو المبيعات وارتفاع الطلب، ما دفعها إلى تكثيف التوظيف رغم الضغوط المصاحبة.
وقد أدى هذا النمو الحاد في التوظيف إلى ارتفاع ملموس في تضخم تكاليف العمالة، مسجلاً مستوى قياسياً في أبريل، على عكس التراجع الذي سُجّل في مارس.
كما ساهمت التوقعات الإيجابية للطلب المستقبلي في تحفيز الشركات على زيادة مشترياتها وبناء مخزوناتها، ما تسبب بارتفاع إضافي في أسعار المواد.
وعلى الرغم من التباطؤ النسبي في نمو المبيعات، استمر الإنتاج في الارتفاع، مدعوماً بزيادة الطلب والموافقة على مشاريع جديدة، إلى جانب نشاط متنامٍ في قطاع السياحة.
ومع ذلك، فإن معدل نمو الإنتاج سجّل أبطأ وتيرة له في سبعة أشهر، ما يعكس تحدياً مرحلياً في توازن العرض والطلب، دون أن يثني ذلك مسار التوسع في التوظيف الذي حافظ على اتجاهه التصاعدي منذ مايو 2024، ما يؤكد مرونة سوق العمل وثقة القطاع الخاص بآفاق النمو.