رمضان في عُمان.. كيف تغيرت العادات مع مرور الزمن؟

كيف أثّرت التكنولوجيا على العادات الرمضانية في عُمان؟
ساهمت في تغيير طرق الإعلان عن رمضان، واستبدلت بعض العادات التقليدية مثل المسحّر بالإشعارات الرقمية.
ما الذي ظل ثابتاً في رمضان رغم التغيرات؟
- روح التكافل الاجتماعي.
- تبادل وجبات الإفطار بين الجيران.
- استمرار التجمعات العائلية ولو بوتيرة أقل.
تزخر سلطنة عُمان بالعديد من العادات الأصيلة المرتبطة بشهر رمضان المبارك باعتباره مناسبة تجمع بين الأجواء الروحانية والعادات الاجتماعية التي تعكس هوية المجتمع.
ومع مرور الزمن، تأثرت هذه العادات بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، فبينما اختفت بعض التقاليد القديمة، ظهرت أساليب جديدة للاحتفال بالشهر الكريم، مما يعكس قدرة المجتمع على التكيف مع متطلبات العصر من دون التخلي عن قيم التكافل والتواصل.
العادات بين الأمس واليوم
وعلى مرّ العقود، شهدت العادات الرمضانية تحولات ملحوظة بفعل التغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع، مما أدى إلى تكيّف بعض الممارسات الرمضانية واختفاء أخرى، وفق تقرير جريدة عُمان.
ففي الماضي، كانت الموائد الرمضانية تتميز بالبساطة وتعتمد على الأطعمة المحلية مثل التمور واللبن والخبز والسمن المصنوع منزلياً، بينما أصبحت اليوم أكثر تنوعاً، مع انتشار الأطعمة الجاهزة والمأكولات المستوردة، وهو ما زاد من مستوى الاستهلاك.
كما تغيرت بعض العادات الرمضانية الخاصة بالأجواء الاجتماعية، فقد كان الأطفال في الماضي يجوبون الأحياء عند أذان المغرب وهم يرددون العبارات التي تبشّر بالإفطار، لكن هذه العادة اختفت وحلّت محلها مكبرات الصوت والإشعارات الرقمية.
وأما تقليد “المسحّر” الذي كان يجوب الشوارع لنداء الناس للسحور، فقد أصبح من ذكريات الماضي حيث استبدل بمنبهات الهواتف والتطبيقات الذكية.
لكن لا تزال بعض العادات مستمرة، مثل تبادل وجبات الإفطار بين الجيران التي تعكس روح التكافل الاجتماعي، وكذلك التجمعات العائلية بعد الإفطار، وإن كانت بوتيرة أقل من السابق، كما أن الألعاب الرمضانية القديمة التي كانت تُمارس في الأحياء، مثل “التيلة” و”الغميضة”، استبدلت بأنشطة حديثة مثل كرة القدم والفعاليات الترفيهية في المتنزهات.
ورغم دور وسائل التواصل الاجتماعي في تقريب المسافات افتراضياً، إلا أنها قللت من اللقاءات المباشرة، مما جعل بعض التقاليد الاجتماعية مهددة بالاندثار.
كما يعدّ الإفطار الجماعي في المساجد والسبل من أهم ملامح رمضان المستمرة، حيث يجتمع أهالي القرى على مائدة واحدة، يتشاركون الطعام ويعززون أواصر الأخوة.
رمضان: روحانية متغيرة
يقول الباحث حارث سيف الخروصي، إن “رمضان في العالم الإسلامي، بشكل عام، له أجواء خاصة ومميزة، حيث تتقوى أواصر الإنسان بخالقه، وكذلك تتقوى صلة الإنسان بأخيه الإنسان من خلال التواصل والتراحم”.
ويضيف الخروصي لـ”الخليج أونلاين” أن “سلطنة عُمان ليست استثناءً من هذه الأجواء الروحانية، ولكن التغير في الأنماط هو سُنّة الزمان، فالتغير هو الثابت الوحيد في هذا العالم”.
كما يبين أنه “قبل بضعة عقود، كان رمضان في عُمان يعتبر شهر التلاقي بين أفراد المجتمع، فتكثر اللقاءات، خاصة على مائدة الإفطار الرمضانية وصلاة التراويح وحلقات الذكر، إلا أن التغير في الأنماط الاجتماعية ألقى بظلاله على المجتمع”.
ويشير الخروصي إلى أن “الإنسان بات اليوم أكثر عزلة في ظل ثورة التواصل الاجتماعي التي تجتاح العالم، فأصبح اليوم يدور في وتيرة متسارعة لا يجد الوقت الكافي لنفسه ومعاني الوجود المرتبطة بها”.
بدورها تقول الباحثة في التاريخ الدكتورة بدرية النبهاني، إن “العادات الرمضانية في عُمان تأثرت بشكل كبير بالتغيرات الاجتماعية نتيجة لعوامل مثل التطور التكنولوجي، وخروج المرأة للعمل، والنمو الاقتصادي الذي ارتبط بهجرات داخلية أثرت على الارتباط بين الأسر الممتدة”.
وتوضح لـ”الخليج أونلاين” أن “التجمعات الأسرية أصبحت أقل تواتراً بسبب انشغال الأفراد في العمل أو التعليم، كما أدى الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي إلى تغييرات في كيفية التواصل والاحتفال بالشهر الفضيل، مما أضعف بعض العلاقات التقليدية التي كانت تُبنى على اللقاءات المباشرة”.
كما تلفت النبهاني إلى أن “العُمانيين لا يزالون يحافظون على العديد من العادات الرمضانية ويمارسونها في الإجازات متى ما تسنى لهم الوقت لذلك، حيث لا تزال ليلة النصف من رمضان حية في العادات الرمضانية وتمارس بصورها المختلفة في أغلب محافظات السلطنة”.
وترى أن “الكثير يفتقد اليوم التجمعات العائلية الكبيرة في رمضان، حيث كانت الأسر تجتمع في المنازل لتناول الإفطار والسحور معاً، وكانت هذه اللحظات تعزز الروابط الأسرية والصداقات، وتخلق ذكريات لا تُنسى”.
وتضيف النبهاني أن “الأجيال الجديدة تحاول الحفاظ على روح رمضان، لكن بطرق قد تختلف عن السابق، بينما يظهر العديد من الشباب اهتمامهم بالعادات الرمضانية، قد تكون رغبتهم في الاحتفال محط اهتمامهم في وسائل الترفيه الحديثة والمزايا الاجتماعية”.
كما تؤكد أن “تحقيق التوازن بين التطور والحفاظ على العادات الأصيلة، يتطلب تعزيز العادات التقليدية من خلال إدراجها في المناهج الدراسية، وتنظيم الفعاليات المجتمعية التي تركز على العادات الرمضانية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المحتوى الثقافي، بالإضافة إلى تشجيع الشباب على المشاركة في الفعاليات التي تعكس تقاليدهم وموروثاتهم، مع القبول بتغييرات تطورية تتماشى مع العصر”.
فعاليات اجتماعية مميزة
وخلال الشهر الفضيل في عُمان، يجتمع الأهل والأحباب في لمّةٍ عائلية مميزة، لتشكيل شبكة من المحبة والتلاحم، حيث يتميز هذا التجمع بصُنع وتقديم الأطباق التقليدية، مع تبادل الفرح والسرور في أجواء ساحرة تعكس روح التسامح والتفاؤل في استقبال شهر الصوم المبارك.
وتتردد كلمات “قرنقشوه يا ناس أعطونا شوية حلواه” على لسان الأطفال في منتصف الشهر الفضيل، وهم يجوبون القرى العُمانية بين أزقتها بعد صلاة المغرب، حاملين أكياسهم الكبيرة ومتوجهين من منزل لآخر.
وتعد العاصمة مسقط من أكثر المناطق احتفالاً بهذه العادة، حيث يخرج الأطفال في مجموعات بعد الإفطار، يهتفون للحصول على “القرنقشوه” التي تتنوع بين الحلويات والنقود.
وتشكل هذه العادة بمثابة عيد للأطفال، حيث يتوجهون إلى المنازل لجمع الهدايا التي تختلف من منزل إلى آخر، مواكبة لتطورات العصر واهتمامات الأطفال، وفي نهاية اليوم يعود الأطفال إلى منازلهم بضحكاتهم وأكياسهم الممتلئة بكل ما هو جميل في نظرهم.