خفايا السياسة الأمريكية.. كيف تُحاك استراتيجيات الرئيس في الظل؟
أهمية الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأمريكية تتمثل في:
- تحديد نقاط القوة والضعف بين المرشحين.
- استغلال الأزمات والأحداث لزيادة التأييد الشعبي.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تتصاعد وتيرة الحملات الانتخابية، وتتكشف جوانب متعددة من الاستراتيجيات التي يعتمدها المرشحون في سباقهم نحو البيت الأبيض، حيث تحتدم المنافسة كل أربع سنوات، لنيل ثقة الشعب الأمريكي.
ومع التقدم التقني، تطورت أساليب الحملات الانتخابية بشكل كبير وأصبحت تلعب دوراً محورياً في مسار الانتخابات، وأصبحت واحدة من أكثر الأنشطة السياسية تعقيداً وتنظيماً، والتي تُحاك استراتيجياتها بدقة خلف الكواليس.
خفايا الحملات الانتخابية
لم تعد الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة مجرد وسيلة لكسب الأصوات، بل اصبحت شبكة متكاملة من الاستراتيجيات، والتكتيكات، والحيل النفسية التي تهدف إلى التأثير في قناعات الناخبين وتوجيه خياراتهم.
وذكر موقع “نولدج وارتون” الأمريكي أن هذه الحملات تُدار على مدار سنوات طويلة من خلال فرق مختصة تعمل على دراسة دقيقة لاحتياجات الناخبين، وتحديد نقاط القوة والضعف في المرشحين، واستغلال الأزمات والأحداث لزيادة التأييد الشعبي.
تخضع الحملات الانتخابية للتنظيم الممنهج، حيث تُقسّم فرق العمل إلى مجموعات متخصصة تُعنى كل منها بمهام محددة، فعلى سبيل المثال، هناك فرق مختصة بتطوير الرسائل الإعلامية التي تستهدف فئات عمرية أو اجتماعية محددة، وفرق مختصة بجمع وتحليل البيانات لضمان دقة الرسائل التي يتم إرسالها.
وتقوم فرق التسويق الإلكتروني بجمع معلومات دقيقة عن عادات الناخبين واهتماماتهم عبر المنصات الرقمية، مثل إنستغرام وفيسبوك وتويتر، لتحديد الاتجاهات وتوجيه الرسائل بناءً على تلك البيانات.
وفي العمق، تُعتبر “غرف الحرب” قلب الحملات الانتخابية، حيث يعمل فريق مكون من خبراء سياسيين ومحللين نفسيين وإعلاميين على رسم استراتيجيات شاملة لاستمالة الجمهور.
وتشمل “غرف الحرب” فرقاً متخصصة تعمل على مدار الساعة لتحليل بيانات الحملات، ودراسة السلوك الانتخابي، وتحديد أولويات الناخبين، ويقوم أعضاء هذه الفرق برصد كل تغيير في آراء الناخبين والرد الفوري على أي دعاية مضادة من المعسكر المنافس.
ويتناول فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة بعنوان “صناعة رئيس” كيفية إعداد وتخطيط الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية، وذلك من خلال استراتيجيات إعلامية ونفسية واجتماعية تهدف إلى التأثير على سلوك الناخبين.
ويكشف الفيلم الوثائقي لأول مرة ما يدور خلف الكواليس فيما يُعرف بـ”غرف الحرب”، حيث تُدير فرق الحملة كل خطوة في محاولة للوصول إلى البيت الأبيض.
ويعرض فيلم الجزيرة صوراً من داخل هذه الغرف، موضحاً كيف يتم اتخاذ قرارات حاسمة تخص رسائل الحملة الإعلانية، والاستراتيجيات المستندة على البيانات لإقناع الناخبين.
ويكشف عن تقنيات متقدمة تُستخدم لفهم سلوك الناخبين من خلال تحليل البيانات الضخمة التي تجمعها الحملات، من خلال هذه المعلومات، يمكنهم صياغة رسائل مخصصة وفقاً لاحتياجات وآراء الناخبين، مما يزيد من فاعلية التأثير، وتستعين الفرق بالعلوم الاجتماعية، حيث يقومون بدراسة الآراء المسبقة والانحيازات النفسية للناخبين لضبط الرسائل بما يتوافق مع القناعات الشخصية لكل ناخب.
وقد لا يرى الناخب الأمريكي تفاصيل العمليات التي تجري وراء كواليس حملات الانتخابات الرئاسية، لكن تأثير هذه الاستراتيجيات والممارسات يمتد إلى تشكيل مسار السياسة الأمريكية والعالمية.
تأثيرات مهمة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي، أن الحملات الانتخابية كان لها تأثير كبير في الولايات المتأرجحة والمهمة في صناعة نتائج اختيار الرئيس القادم، حيث يهتم مرشحو الرئاسة خلال جولاتهم بمطالب وآراء الجماهير، لما يدعم طموحاتهم الانتخابية.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن “حسم الانتخابات مرهون بتوافقات وتفاهمات لصانع القرار الأمريكي في ملفات عديدة، ولاسيما ملفات الشرق الأوسط الأكثر تعقيداً، وهي من تحدد النتائج”.
ويلفت الشرقي إلى الدور الكبير لللوبي “الإسرائيلي” في مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والذي يصنع أحداثاً للتأثير في مسار العملية الانتخابية، فضلاً عن دول مختلفة تتلاعب بالانتخابات بشكل أو بآخر، مثل روسيا وغيرها.
ويستدرك قائلاً: القول والفصل للناخب الأمريكي، هو من سيحدد مستقبل الولايات المتحدة والرئيس القادم لها، ويحدد أيضاً شكل المرحلة المقبلة في البلاد.
ورغم الترجيحات والاستطلاعات التي تتوقع بتقدم ترامب، لكن الشرقي يعتقد أنه من الممكن أن تكون “هناك أياد خفية تتلاعب بنتائج الانتخابات، وقد تؤدي إلى توترات كبيرة”، مشيراً إلى ما حدث في الانتخابات السابقة عند طعن ترامب واتهام الديمقراطيين بتلاعبهم بالنتائج، وخلفت اضطرابات كبيرة.
ويؤكد بأن عملية الانتخابات المرتقبة لها دور أساس ومهم في رسم أوضاع العالم للسنوات الأربعة المقبلة، وأيضاً على الملفات الحاسمة، لاسيما ملف الحرب الإسرائيلية والملف الإيراني ومستقبل منطقة الشرق الأوسط.
أبرز وسائل الدعاية
على مرّ تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، استُخدمت مجموعة واسعة من الحيل الإعلامية والتسويقية في الحملات الانتخابية لإيصال صورة المرشحين إلى الجمهور؛ بدايةً من الأغاني والشعارات وصولاً إلى السلع المروّجة بمواضيع المرشحين.
- أغاني الحملات:
بدأ استخدام الأغاني في حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ انتخابات عام 1840، التي اعتُبرت أول انتخابات “حديثة”، وتميزت بالشعارات الجذابة والأغاني الحماسية، بجانب أدوات ترويجية جديدة حملت رموز المرشحين.
- الترويج عبر منتجات التدخين:
في القرن التاسع عشر، كانت علب السيجار منصة رائجة لإعلانات الحملات الانتخابية، فقد كانت طقوس التدخين شائعة بين الناس، ففي عام 1988، انتشرت السجائر بشعارات حملات المرشحين على مستوى البلاد.
- أزرار الحملات:
انتشرت أزرار الحملات كرمز ولاء للمرشحين، وقد بدأ استخدامها منذ عهد جورج واشنطن، الذي كان أنصاره يخيطون أزراراً تذكارية على معاطفهم، حيث ظهرت في عام 1896 أزرار حديثة مصنوعة من السيلولويد، وهي أول مادة بلاستيكية مصنعة كيميائياً.
- المنتجات المرتبطة بالمرشحين:
في عام 1996، أنتجت شركة معكرونة بأشكال مرتبطة برموز الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتوزيعها في المؤتمرات الوطنية، ومن بين أغرب المنتجات صابون الأطفال التذكاري الذي ظهر خلال انتخابات 1896.
- ملصقات مصدات السيارات:
تُعد ملصقات مصدات السيارات من أساسيات الحملات الحديثة، وقد ظهرت في عشرينيات القرن الماضي كوسيلة لإبراز الانتماءات السياسية لأصحاب السيارات، حيث كانت تعلق لافتات معدنية على اللوحات والمصدات.
- الإعلانات التلفزيونية:
لم يكن للمرشحين في بداية عهد التلفزيون تقدير كافٍ لتأثيره، لكن بحلول عام 1952 استُخدمت الإعلانات التلفزيونية بشكل رسمي لأول مرة في الانتخابات بين أيزنهاور وستيفنسون.
يظهر مما سبق أن الاستراتيجيات الانتخابية الأمريكية لا تُبنى فقط على الخطاب المباشر والوعود الانتخابية، بل تعتمد بشكل أساسي على فهم عميق لديناميكيات المجتمع واحتياجات الناخبين، مدعومة بتحليل دقيق للبيانات وتوظيف وسائل الإعلام بمهارة عالية.