الاخبار

خطوات نوعية.. هكذا تحولت السعودية لنموذج عالمي في إدارة المياه

لماذا اختيرت السعودية نموذجاً عالمياً في إدارة موارد المياه؟

لتقدمها الملحوظ ونجاحها في الإدارة المتكاملة للمياه؟

كم يبلغ إنتاج السعودية اليومي من المياه المحلاة؟

5.6 مليون متر مكعب من المياه تغطي 70% من احتياجات البلاد.

تمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق قفزات نوعية في إدارة موارد المياه رغم التحديات البيئية التي تواجهها، مثل المناخ الصحراوي وشُح الأمطار، وذلك بفضل رؤية واضحة واستراتيجيات مبتكرة.

وأثمرت الجهود السعودية في جعل البلاد نموذجاً عالمياً في تبني حلول مستدامة لإدارة المياه، بدءاً من الاستثمار في تقنيات تحلية المياه المتقدمة، وصولاً إلى تعزيز كفاءة استخدام المياه، وتشجيع التعاون الدولي.

أنموذج عالمي

وفي إطار ذلك، اختارت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية (UN-Water)، المملكة كأنموذج عالمي رائد في تحقيق مؤشر الإدارة المتكاملة لموارد المياه 6-5-1 ضمن الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة (SDG 6)، وذلك نظير التقدم الملحوظ الذي أحرزته في هذا المجال.

يأتي هذا الاختيار كتقدير دولي ينسجم مع رؤية المملكة، والاستراتيجية الوطنية للمياه 2030، والتي تركز على تعزيز الإدارة المتكاملة لموارد المياه.

وقد عملت السعودية على تطوير سياسات مبتكرة تعزز من التكامل بين القطاعات المختلفة مثل البيئة، والزراعة، والطاقة، والصحة، مما يدعم الاستخدام المستدام للموارد المائية.

كما تسعى لجنة الأمم المتحدة لتوثيق هذه التجربة السعودية الناجحة ومشاركتها مع الدول الأخرى، بهدف الاستفادة من نهج المملكة في إدارة الموارد المائية، وتشجيع الجهود الدولية لتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، خاصة مع التباطؤ العالمي في تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030.

وأوضحت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية أن هذا التقدير الدولي يعكس الجهود المبذولة في إطار رؤية المملكة 2030 والاستراتيجية الوطنية للمياه 2030، التي تهدف إلى تحقيق إدارة مستدامة وشاملة للموارد المائية.

وجاء هذا الاعتراف الأممي في سياق دراسة حالة نجاح تقوم بها لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية لتوثيق التجربة السعودية ومشاركتها عالمياً، بما يتيح للدول الأخرى الاستفادة من النهج السعودي في إدارة المياه وتعزيز الجهود الدولية لتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.

جهود تطويرية

ويقول خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ رمضان حمزة، إن الاستراتيجية السعودية للمياه ساهمت في تحويل المملكة إلى نموذج عالمي للإدارة المستدامة، من خلال وضع سياسات تشريعية متطورة وإصدار تراخيص لضمان الامتثال للمعايير العالمية، وعبر دراسات دورية لتقييم الموارد الجوفية والسطحية، وترشيد الاستهلاك، إضافة إلى الشفافية والحوكمة.

ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن المملكة عملت أيضاً على تطوير البنية التحتية عبر محطات تحلية متطورة وشبكات نقل حديثة، مع التركيز على الطاقة المتجددة، فضلاً عن تعزيز الابتكار من خلال شراكات مع الجامعات ومراكز البحث لاستخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في إدارة الشبكات.

وأكد حمزة بأن السعودية تعتبر أول دولة في المنطقة قامت بإصدار “الكود السعودي لمصادر المياه”، لافتاً إلى أنه كان مشاركاً في كتابة هذا الكود كخبير في الاستراتيجيات والسياسات المائية.

وحول أهمية التجربة السعودية في استخدام التقنيات المتطورة لتحلية المياه، يوضح أنها تكمن في الإنتاج الضخم، واعتماد الطاقة الشمسية لخفض الانبعاثات الكربونية، مع تطبيق تقنيات حديثة مثل الترشيح العكسي لتقليل استهلاك الطاقة، إضافة إلى استخدام المياه المحلاة في الزراعة والصناعة والري العام لتحقيق كفاءة اقتصادية.

ويلفت حمزة إلى أن هنالك العديد من التجارب الدولية التي تستلهم منها السعودية، أبرزها:

  • الاستثمار في البنية التحتية: تتبنى المملكة نموذجاً مشابهاً لبعض الدول في تحلية المياه، مع تعديلات لتناسب الظروف المحلية.
  • الشراكات الدولية: تعتمد على تعاون مع مؤسسات أكاديمية أوروبية وأمريكية لتبادل التكنولوجيا.
  • الاستفادة الإقليمية والعالمية: تساهم تجربة المملكة في توجيه السياسات الخليجية عبر منصات مثل مجلس التعاون الخليجي، بينما تُقدَّم كنموذج لبلدان تعاني من ندرة المياه عبر المنظمة العالمية.

ويؤكد أنه لا تزال العديد من التحديات تواجه المملكة لضمان استدامة مصادرها المائية تتطلب حلولاً عاجلة، منها الاعتماد المفرط على تحلية المياه، والتكلفة العالية لتوفير مصادر الطاقة، والتأثير البيئي، والاستخدام غير المستدام للمياه بالزراعة في ظل التحديات المناخية.

ويرى حمزة أن من الحلول التي يمكن تطبيقها لمواجهة هذه التحديات الاستثمار في التقنيات النظيفة، وتحسين كفاءة الشبكات، وإعادة استخدام المياه المعالجة، إضافة إلى ضرورة الابتكار في الزراعة (اعتماد تقنيات الري الحديثة والزراعة المائية لتقليل الاستهلاك).

1

ريادة في تحلية المياه

تُعد السعودية اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، بعد مسيرة بدأت قبل أكثر من 100 عام مع آلة “الكنداسة” على شواطئ جدة، التي كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف مياه البحر وتقطيرها لتوفير المياه العذبة.

وقد جاءت نقطة التحول الكبرى في عام 1974، مع إنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة – التي تُعرف اليوم بالهيئة السعودية للمياه – مما أطلق حقبة جديدة في تطوير تقنيات التحلية وتوسيع نطاقها.

وأشارت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية في 11 ديسمبر الماضي إلى أن المملكة تدير حالياً 33 محطة تحلية، منها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر، تنتج مجتمعة 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، وهو ما يغطي نحو 70% من احتياجات المملكة من المياه المحلاة.

وعززت السعودية مكانتها الرائدة عالمياً بتسجيل 9 أرقام قياسية في موسوعة “غينيس” خلال فبراير 2024، بعد أن تجاوز إنتاجها 11.5 مليون متر مكعب يومياً، ولم تقتصر إنجازات المملكة على الإنتاج الضخم، بل امتدت إلى ضخ استثمارات هائلة في هذا القطاع.

وخصصت المملكة أكثر من 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة، بما في ذلك بناء محطات تحلية جديدة وتعزيز البنية التحتية المائية.

وفي خطوة لتعزيز التعاون الدولي، وقّعت السعودية في يوليو 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف إلى تعميم تجربتها الناجحة في تحلية المياه على الدول الأقل نمواً.

وتبنت السعودية تقنيات متطورة في تحلية المياه، حيث انتقلت من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنية التناضح العكسي، التي تعد أكثر كفاءة وتخفض استهلاك الطاقة بنسبة 80%، مع خطط لزيادة الاعتماد على هذه التقنية بحيث تصبح 83% من المياه المحلاة في المملكة معتمدة عليها.

كما نفذت المملكة مشروعات مبتكرة، مثل المحطة الهجينة في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، التي تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية، ما ساهم بخفض استهلاك الطاقة في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60% خلال بعض الفصول.

وعلى صعيد الطاقة، نجحت المملكة في خفض استهلاك الطاقة لإنتاج المتر المكعب من المياه، حيث انخفض من 4 كيلوواط/ساعة سابقاً إلى 2.5 كيلوواط/ساعة حالياً، مع توقعات بانخفاض أكبر مستقبلاً.

وتواصل السعودية جهودها في إعادة استخدام المياه، إذ تُعيد حالياً استخدام المياه مرتين تقريباً، مع خطط لرفع هذه النسبة، مستلهمة تجارب دول أخرى مثل سنغافورة التي تعيد استخدام المياه 2.7 مرة.

بهذه الاستراتيجيات المتقدمة، أصبحت السعودية ليس فقط رائدة في إنتاج المياه المحلاة، بل أيضاً نموذجاً عالمياً في الاستدامة المائية والتعاون الدولي، مما يعزز مكانتها كقوة مؤثرة في إيجاد حلول عملية لتحديات ندرة المياه عالمياً.

منظمة عالمية للمياه

وتعتزم المملكة إنشاء منظمة عالمية للمياه مقرها الرياض، تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي وتنسيق الجهود بين الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه بأسلوب متكامل وشامل، مع التركيز على تبادل الخبرات، ودعم الحلول المستدامة، وتعزيز البحث والابتكار في هذا المجال.

ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية في ديسمبر الماضي، عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تأكيده خلال كلمته في قمة المياه الواحدة على التحديات المتزايدة التي يواجهها العالم في قطاع المياه.

وأشار إلى أن ارتفاع معدلات الجفاف ونقص المياه الصالحة للاستخدام وتفاقم مشاكل التصحر تتطلب تحركاً دولياً مشتركاً لوضع حلول مستدامة تُحافظ على الموارد المائية للأجيال القادمة.

ولعبت السعودية دوراً محورياً في إدراج قضايا المياه ضمن أجندة مجموعة العشرين خلال رئاستها عام 2020، حيث تم اعتماد مبادرات تجاوزت قيمتها 6 مليار دولار لدعم أكثر من 200 مشروع مائي عالمي خلال السنوات الأخيرة.

وكشف ولي العهد عن استضافة المملكة للمنتدى العالمي للمياه في دورته الحادية عشرة عام 2027، بالتعاون مع المجلس العالمي للمياه، وذلك لتعزيز الجهود الدولية في إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة لمشاكل المياه.

ويرى الخبير رمضان حمزة أن المنظمة العالمية للمياه في الرياض، سيكون لها دور مهم وأساسي بتعزيز التعاون الدولي في مجال المياه، وذلك من خلال:

  • تبادل المعرفة: دعم الأبحاث والابتكارات عبر منصات دولية لتبادل الخبرات التقنية.
  • تمويل المشاريع: تيسير التمويل لتحقيق حلول مستدامة لمواجهة الجفاف والتلوث.
  • الشمولية: ضمان مشاركة دول الجنوب العالمي في تشكيل السياسات لضمان استدامة الموارد المائية عالمياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى