خبرات قطر في قطاع الطاقة خطوة نحو الاستثمار بسوريا
كم يبلغ إنتاج النفط السوري قبل الحرب؟
نحو 400 ألف برميل يومياً.
ما هدف مشروع خط غاز “قطر-تركيا”؟
ربط الغاز بأوروبا.
تُعدُّ دولة قطر من أبرز اللاعبين العالميين في قطاع الطاقة، حيث تمتلك خبرات واسعة في استخراج وتصدير الغاز الطبيعي المسال، وتسهم بشكل كبير في تأمين إمدادات الطاقة النظيفة على مستوى العالم.
وفي الآونة الأخيرة، أبدت الدوحة اهتماماً بالاستثمار في قطاع الطاقة السوري، بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر الجاري.
تأهيل قطاع الطاقة
وشهد قطاع الطاقة في سوريا تدهوراً كبيراً خلال العقد الماضي نتيجة الحرب، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وانخفاض حاد في إنتاج النفط والغاز.
كما تشير التقارير إلى أن إنتاج النفط انخفض من نحو 400 ألف برميل يومياً في عام 2010 إلى أقل من 25 ألف برميل يومياً في السنوات الأخيرة، كما تراجع إنتاج الغاز الطبيعي بشكل ملحوظ، مما أثر سلباً على توليد الكهرباء وتلبية الاحتياجات الصناعية والمنزلية.
بدوره، قال قائد إدارة العمليات العسكرية بسوريا أحمد الشرع، في 23 ديسمبر الجاري: إن “الدوحة أبدت اهتمامها بالاستثمار في الطاقة بسوريا في المستقبل”.
جاء ذلك بعد لقاء الشرع، مع وزير الدولة القطري بوزارة الخارجية، محمد الخليفي، الذي وصل إلى دمشق على متن أول رحلة للخطوط الجوية القطرية إلى مطار العاصمة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل أسبوعين.
من جانبه، أكد الخليفي أنه ناقش مع الشرع ملامح المرحلة الانتقالية في سوريا، مشدداً على التزام دولة قطر بدعم الشعب السوري واحترام سيادته في اتخاذ قراراته دون أي تدخل خارجي.
وأوضحت وزارة الخارجية القطرية أن الخليفي بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، إضافة إلى تقييم احتياجات مطار دمشق الدولي وآليات تقديم الدعم اللازم لتشغيله بكفاءة، كما جدد تأكيده التزام قطر الثابت بدعم السوريين في بناء دولة تقوم على المؤسسات.
كما ذكرت قناة “الجزيرة” أن الوفد القطري المرافق للخليفي تناول مسألة تأمين مطار دمشق الدولي، إلى جانب تقديم الدعم لتدريب الكوادر الفنية. كما بحث وفد الخطوط الجوية القطرية تحسين أنظمة الملاحة الأرضية وتطوير أبراج المراقبة الجوية لضمان كفاءة عمليات المطار.
وتتطلب إعادة بناء قطاع الطاقة في سوريا استثمارات ضخمة وتقنيات متقدمة لإصلاح وتحديث البنية التحتية، من ضمنها:
- إعادة تأهيل حقول النفط والغاز: تحتاج العديد من الحقول إلى عمليات صيانة وتطوير لإعادتها إلى مستويات الإنتاج السابقة.
- تطوير شبكات النقل والتوزيع: تشمل خطوط الأنابيب ومحطات الضخ والتكرير التي تعرضت لأضرار جسيمة.
- تعزيز قدرات توليد الكهرباء: من خلال بناء محطات جديدة واستخدام تقنيات الطاقة المتجددة لتلبية الطلب المتزايد.
- تدريب الكوادر البشرية: لتشغيل وإدارة المنشآت الحديثة بكفاءة وفعالية.
نهضة سوريا
ويقول الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي، إن قطاع الطاقة في سوريا يحتاج كل أنواع الطاقة، لأن البنية التحتية لم يتم تحديثها، وقد بُنيت أغلب محطات الطاقة في تسعينيات القرن الماضي، وأصبحت اليوم متهالكة وقديمة، إضافة إلى أنها لم تطرأ عليها تغييرات منذ سنوات طويلة.
ويضيف الشرقي لـ”الخليج أونلاين”، أن سوريا تحتاج لكل أنواع الطاقة، سواء طاقة الرياح أو الشمسية، حيث تتمتع بمناخ جيد، وموقع استراتيجي فيه شمس ساطعة ورياح طوال العام، وكل ذلك يتيح لها القدرة على إنتاج الطاقة البديلة.
ويعتقد أنه “في السنوات المقبلة قد تشهد سوريا مثل عديد من دول العالم، التوجه إلى هذه الطاقة البديلة، وسيطرأ عليها تغيير كبير جداً في مجال الطاقة، لا سيما بعد أن أصبحت دولة في طور النهضة بعد نحو ستة عقود من سيطرة نظام البعث، حيث لم يكن لديه برامج لتطوير الاقتصاد أو الطاقة أو النظم”.
كما يشير إلى أن “قطر تمتلك قدرات كبيرة في مجال الغاز والخبرات الفنية والهندسية بمجال الطاقة، كما أنها عضو في كثير من المؤسسات الدولية المهتمة بأمن الطاقة”، لافتاً إلى أن “الخبرات القطرية تضاهي الخبرات الأوروبية، ومن المتوقع أن يكون لها دور كبير في نهضة قطاع الطاقة بسوريا”.
وحول إمكانية تنفيذ خط أنابيب قطر – تركيا بعد سقوط نظام الأسد، يرى الشرقي أن “موقع سوريا الاستراتيجي والحيوي يمكن أن يؤسس إلى أبعد من هذا الخط، لكن يتطلب ذلك استقراراً في المنطقة، وسط تهديدات إيران ومليشياتها”.
ويتابع: “بعد تراجع دور هذه المليشيات في سوريا ولبنان، أصبحت المنطقة الآن تتجه نحو الاستقرار، لكن هذا الاستقرار لا يمكنه أن يتم بدون أن يكون هناك استقرار في جميع الدول، ومن ثم فإن خط قطر – تركيا يمكن أن يكون مشروعاً استراتيجياً في المنطقة”.
كما يلفت إلى أن “هناك دولاً عديدة تسعى إلى فتح طريق دولي؛ من أجل استخدام الأراضي السورية معبراً باتجاه أوروبا، لا سيما بعد أن هُددت الملاحة الدولية في مضيق باب المندب من قبل مليشيا الحوثي”.
ويضيف أن “سوريا اليوم دولة خارجة من حرب، ودولة تعيش في نظام جديد يتقارب مع العرب ويحاول أن ينهض بسوريا بعد 61 عاماً من القمع والفساد والإرهاب والفقر”.
كما يؤكد أن “نهضة سوريا تحتاج للخبرات العربية سواء بمجال الطاقة أو المجالات الأخرى، لا سيما أن عديداً من الدول العربية -وضمنها دولة قطر- متقدمة في البرامج الاقتصادية والبنية التحتية والاتصالات، لذا من الممكن أن يكون لها دور كبير في نهضة سوريا وإعمارها”.
خط “قطر – تركيا”
ومع انهيار نظام الأسد على يد المعارضة السورية، عادت الآمال حول إمكانية تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز “قطر – تركيا”، الذي يهدف إلى ربط قطر بتركيا وأوروبا مروراً بالسعودية والأردن وسوريا.
ويعد هذا المشروع فرصة استثنائية لإعادة تشكيل مشهد الطاقة في الشرق الأوسط وأوروبا، مع تعزيز الروابط الاقتصادية والتعاون الإقليمي، فهو يحمل تأثيرات جيوسياسية كبيرة، إذ يمكن أن يعيد توزيع موازين القوى بين دول المنطقة.
ومع ذلك، فإن المشروع يواجه تحديات عديدة، من ضمنها المنافسة مع المشاريع الأخرى والمصالح الدولية المتضاربة، حيث عرقل النظام السوري السابق المشروع، بسبب تحالفاته مع روسيا، التي رأت في خط الأنابيب تهديداً لنفوذها في سوق الغاز الأوروبي.
وبدلاً من ذلك، دعم نظام الأسد مشروعاً بديلاً يُعرف بـ”خط الأنابيب الإسلامي”، الذي يربط بين إيران، والعراق، وسوريا، ولبنان، ليكون بديلاً مقترحاً لتزويد أوروبا بالغاز.
اليوم، ومع تغير الأوضاع في سوريا، يبدو أن الطريق قد أصبح مهيأً لإعادة إحياء المشروع، الذي من شأنه أن يعزز مكانة سوريا كمركز عبور استراتيجي للطاقة، ويقدم فوائد اقتصادية مثل الإيرادات من رسوم العبور، وفرص العمل، والمساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية.
وتعود فكرة إنشاء هذا الخط الحيوي إلى عام 2009، بهدف نقل الغاز الطبيعي من حقل بارس الجنوبي/القبة الشمالية في قطر إلى محطات التوزيع التركية، وبمسارٍ طوله 1500 كيلومتر، وتكلفة تقدّر بـ10 مليارات دولار، لكن النظام السوري رفض المشروع آنذاك، وفق منصة الطاقة المتخصصة.
ومع التطورات الأخيرة في سوريا، يبقى نجاح المشروع مرهوناً بتجاوز تحديات سياسية وأمنية، مثل تحقيق الاستقرار الداخلي، والوصول إلى توافقات إقليمية بين الدول المعنية، في حين ستكون الأشهر القادمة حاسمة لتحديد ما إذا كان هذا المشروع سينجح في المضي قدماً أم لا.