حكومة سوريا الانتقالية.. تحديات يتقدمها تقديم الخدمات وضبط الأمن
ما أهم ما ينتظره السوريون من الحكومة؟
أن تكون قادرة على تقديم الخدمات، وتدارك الكارثة الإنسانية المستمرة منذ سنوات
تحديات كثيرة تواجه الحكومة الانتقالية السورية برئاسة محمد البشير، فبعد أيام من سقوط نظام عائلة الأسد الذي حكم بالحديد والنار لأكثر من خمسة عقود، ينتظر السوريون حكماً على النقيض تماماً.
فالسوريون الذين تجرعوا الأمرين، يطمحون في دولة تسودها العدالة والمساواة، والأمن والاستقرار، وأن تُمحى حقبة الظلام السابقة، مع ضمان عدم العودة إلى مربع العنف مجدداً.
ويبدو أن أمام حكومة البشير الكثير من الصعوبات، فحجم الانهيار هائل في كل المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والخدمية، فما الذي ينتظره السوريون من هذه الحكومة، وما الذي يجب عليها فِعله؟
حكومة جديدة
بعد يومين فقط من سقوط نظام الأسد، أُعلن الثلاثاء (10 ديسمبر) عن تشكيل حكومة تصريف الأعمال (حكومة مؤقتة)، برئاسة محمد البشير، على أن تستمر في إدارة شؤون الدولة لمدة ثلاثة أشهر.
وأعلن محمد البشير، في بيان تلفزيوني، أنه تم تكليفه بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى أول مارس 2025، بعد أن كان يتولى رئاسة حكومة الإنقاذ التي شكلتها المعارضة في إدلب سابقاً.
تكليف البشير جاء بعد يوم من لقاء جمع قائد غرفة العمليات العسكرية أحمد الشرع، ومحمد البشير، ورئيس الوزراء السابق محمد الجلالي في العاصمة السورية دمشق.
ونقلت قناة “الجزيرة” عن مصادر بالإدارة السياسية السورية، أنه سيتم خلال الأشهر الثلاثة القادمة، حل الأجهزة الأمنية وإلغاء قوانين الإرهاب، كما سيتم النظر بحالة الجيش الحالي وإعادة ترتيب أوضاعه.
انفراجات
وخلال مدة لم تتجاوز 12 يوماً نجحت فصائل المعارضة المنضوية تحت مضلة “غرفة العمليات العسكرية”، في إسقاط نظام الأسد، وفي كل محافظة نجحت في تحريرها، كانت تعمل الفصائل على ترسيخ الأمن، وتوفير الحد الممكن من الخدمات، كالخبز والكهرباء وغيرها.
كما عملت فصائل المعارضة على تحرير السجناء من سجون النظام السابق، في كل المحافظات، وفي المقدمة دمشق، حيث مثل سجن صيدنايا سيء الصيت المعضلة الأكبر حتى اللحظة، في هذا الملف.
وفرضت الفصائل حضر التجوال في دمشق، خلال ساعات الليلة، في حين صدرت تعليمات صارمة، بمنع التعرض للإعلاميين العاملين بالمؤسسات الحكومية، وكذا منع التعرض للمؤسسات الحكومية، وحضر الاقتراب منها، وجرى منع نهب البنك المركزي.
وأصدرت غرفة العمليات العسكرية، قراراً بتسريح المجندين ضمن الخدمة الإلزامية، في الوقت الذي كان لافتاً التزام مقاتلي المعارضة بالتوجيهات المتعلقة بمنع عمليات الانتقام، وتغليب ثقافة التسامح والصفح، وفتح صفحة جديدة.
كما دعت إدارة العمليات العسكرية جميع موظفي الدولة إلى العودة إلى وظائفهم، بينما بدأت الحياة تدب في مختلف المدن والمحافظات الكبرى، مع عودة الخدمات كالكهرباء، والدفاع المدني وغيرها.
تحديات
وتواجه حكومة البشير الانتقالية في سوريا العديد من التحديات، في مختلف المجالات، ويرى المحلل السياسي السوري وائل علوان، أن “هناك الكثير من العمل لتعويض الشعب السوري عن الكثير من الفقد والحرمان الذي يعيشه، كانت الأوضاع كلها مزرية، والمنتظر اليوم هو تقديم الخدمات بالدرجة الأولى، وبالتوازي معها توفير الأمن والاستقرار”.
وأضاف في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أنه “يجب أن لا توجد مظاهر مسلحة، أو فوضى مسلحة، وغياب الثارات والانتقام، هذا كل ما ينتظره السوريون في دمشق”.
ويعتقد أن “الناس تريد اليوم من أي سلطة تستلم الحكم، بصرف النظر عن أدبياتها، عن مرجعيتها السياسية، أن تكون قادرة على تقديم الخدمات، وتدارك الكارثة الإنسانية المستمرة منذ سنوات”.
وتابع بالقول: “هناك تحديات كثيرة ستكون في طريق الحكومة، سواء حكومة تسيير الأعمال المؤقتة أو الحكومة الانتقالية، فهناك عقوبات على سوريا من قبل الغرب، وبنية تحتية تكاد تكون مدمرة، وهناك عملية انتقال سياسي، إلى جانب كوادر ونخب هاربة من البلاد، من الصعب إقناعها بالعودة، وهناك ملف اللاجئين، وملف الدبلوماسية والتعامل مع سياسيات الدول”.
ويوضح أن “التحدي الأبرز اليوم هو إدارة الانتقال السياسي، وتأمين الخدمات في ظل عدم وجود موارد بيد الدولة؛ لأن الموارد الوطنية معظمها ليست تحت سيطرة الفصائل، في ظل سيطرة (قسد) على مناطق واسعة توجد بها موارد طبيعية”.
ولفت إلى أن الثروة الزراعية والحيوانية والعجلة الاقتصادية ودعم الصناعة، جميعها تحتاج الكثير والكثير من البنى التحتية ومن التطوير وإعادة التأهيل جراء الدمار الذي لحق بها.
وحول طبيعة العلاقة مع “إسرائيل”، قال المحلل السوري لـ”الخليج أونلاين”: إنها “تعقدت بشكل كبير بعد الهجمات الواسعة الإسرائيلية والاجتياح البري، وإن كان لا يزال محدوداً، ولكن الأخطر من ذلك أن إسرائيل صرحت بأنها تعتبر أن اتفاق وقف إطلاق النار قد أنهار، الاتفاق الذي وقع عام 1974 عبر مساعي دولية”.
ويشير إلى أن الحكومة اليوم، “بحاجة إلى مساع دولية لإعادة رسم وقف إطلاق النار، وإعادة رسم الحدود وإبعاد إسرائيل عن الحدود السورية، وأيضاً تحتاج الحكومة إلى إدارة المخاطر بحيث لا يكون هناك تهديد متبادل، أو إشكالات تعوق عملية التنمية والبناء وإعادة ترميم سوريا والنهوض بها من جديد”.
بدوره، يرى الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، لقاء مكي، أن التحدي الأبرز يكمن في كيفية تنظيم الفصائل المسلحة نفسها، ومنع الاقتتال فيما بينها، إضافة إلى التدخلات الخارجية المحتملة.
وأشار إلى أن التحدي الداخلي يتمثل في تأسيس مجلس انتقالي يوضح آلية الحكم المقبلة، وأيضاً تحديد نظام الحكم، سواءً فدرالي او مركزي، والأهم معضلة العدالة الانتقالية، في ظل وجود مظالم كبيرة وقعت على مدى سنوات وقوعد مضت.
وشدد مكي في تصريحات لقناة “الجزيرة” على أنه من الضروري أن تأخذ العدالة مجراها مع وجود تطمينات لأصحاب المظالم بأن القانون والقضاء سيطبق على الجميع بدلاً من الثأر الشخصي، إلى جانب ملاحقة من نهب أموال الشعب وارتكب جرائم بحقه رغم إقراره بأن المسار سيكون طويلاً.
كما يبرز في الواجهة معضلة الفلول، وما تبقى من جيوب النظام السابق في بعض مناطق الساحل، وكذا مواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، واحتلالها على المنطقة العازلة بالجولان، إضافة إلى الاعتراف الدولي، وتنسيق المواقف وفتح قنوات تواصل مع الحكومات العربية وبقية حكوات العالم.