الاخبار

توتر متصاعد بين الإمارات والجزائر يعيد الخلافات القديمة إلى الواجهة

– الخطاب الإعلامي في الجزائر حمل اتهامات مباشرة لأبوظبي 

– لم يصدر أي رد من الجانب الإماراتي واكتفى الإعلام الموالي لأبوظبي بالرد

تتفاعل مؤشرات توتر دبلوماسي جديد بين الجزائر والإمارات على خلفية اتهامات متبادلة بالتحريض الإعلامي وتوظيف ما يطلق عليه “الأذرع الإقليمية” لتقويض الاستقرار. 

ورغم غياب إعلان رسمي عن أزمة، إلا أن الخطاب الإعلامي في الجزائر حمل اتهامات مباشرة لأبوظبي، بالتوازي مع نبرة تصعيدية لافتة في عدد من المنصات الرسمية وشبه الرسمية.

والعلاقات بين البلدين، التي كانت قد شهدت توترات متقطعة في الماضي، تتعرض اليوم لاختبار آخر على خلفية قضايا سياسية وثقافية، ما أثار تساؤلات حول إمكانية أن تلعب دول خليجية دوراً في تهدئة الأوضاع. 

خلفيات الأزمة الحالية

الأزمة الأخيرة بين البلدين اندلعت بعد بث قناة إماراتية (سكاي نيوز عربية) مقابلة مع مؤرخ جزائري تناول فيها قضايا تتعلق بالهوية الأمازيغية، وقال فيها إن “الأمازيغية هي مشروع صهيوني فرنسي” وأنه “لا يوجد شيء اسمه ثقافة أمازيغية”.

تصريحات المؤرخ الجزائري أمين بلغيث أثيرت بشكل خاص بسبب تناولها لأبعاد ثقافية وسياسية حساسة في الجزائر، حيث اعتبرت السلطات الجزائرية أن القناة الإماراتية قد تجاوزت حدود التدخل في شؤونها الداخلية. 

واستدعت تصريحات بلغيث تحرك القضاء الجزائري الذي أمر بإيداعه الحبس المؤقت بتهمة “الاعتداء على رموز الأمة” و”ثوابتها”، وذلك بعد أن فتح تحقيق قضائي ضده “بجناية القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية بواسطة عمل غرضه الاعتداء على رموز الأمة والجمهورية، وجنحة المساس بسلامة وحدة الوطن وجنحة نشر خطاب الكراهية والتمييز”.

وهاجم التلفزيون الجزائري الرسمي بشدة الإمارات واتهمها بأنها “تتحول إلى مصانع للفتنة وبث السموم الإيديولوجية”، ووصف ما حصل (مقابلة المؤرخ) بأنه “تصعيد إعلامي خطير” من الدولة الخليجية، وقال إنه “يتجاوز كل الخطوط الحمراء”.

ردود دبلوماسية

ولم يصدر من الإمارات رد رسمي على ذلك، باستثناء تغريدة مبطنة وغير مباشرة كتبها مستشار رئيس الدولة أنور قرقاش، حوت بيت شعر معروف بـ”إذا نطق السفيهُ فلا تجبه فخير من إجابتهِ السُكوتُ”.

أما المستشار السابق لحاكم أبوظبي الأكاديمي عبدالخالق عبدالله، فقد رأى أن هجوم الجزائر على الإمارات “يرتبط بمشروع خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي، أضخم مشاريع الطاقة في أفريقيا لنقل الغاز الطبيعي من نيجيريا عبر المغرب ومنه إلى أوروبا”.

وأرجع ذلك إلى أن الإمارات ستشارك في تمويل المشروع ودعمه تقنياً، مؤكداً أن الجزائر “تخشى هذا المشروع وتحاربه بشدة. هنا بيت القصيد وإذا عرف السبب بطل العجب”.

كما أن الإعلام الإماراتي الرسمي لم يصدر منه أي رد، إلا أنه في المقابل شنت وسائل إعلام موالية للإمارات هجوماً كاسحاً على الجزائر، واتهمتها بـ”افتعال الأزمات ومحاولة الإساءة لبلد عربي”، واعتبرت ما نشرته القناة الرسمية الجزائرية بـ”بيان حرب”.

ورأى الإعلام الموالي للإمارات أن استعداء أبوظبي من قبل الجزائر “ليس سوى استمرار لسياسة جزائرية تقوم على الإمعان في خلق الأعداء بلا سبب”.

علاقات تاريخية معقدة

العلاقات بين الجزائر والإمارات لم تكن دائماً سلسة، فقد شهدت توترات في أكثر من مناسبة، لا سيما في ملفات سياسية حيوية مثل الملف الليبي. 

ففي السنوات الأخيرة، كانت الإمارات قد دعمت اللواء خليفة حفتر في صراعه مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، بينما تبنت الجزائر موقفاً محايداً في هذا النزاع. 

هذا التباين في السياسات الإقليمية كان أحد العوامل التي أدت إلى توتر العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل اختلاف الرؤى حول كيفية معالجة الأزمات في منطقة شمال أفريقيا.

من ناحية أخرى، تواصل الجزائر تعزيز موقفها في القضايا الإقليمية بشكل مستقل، وهو ما دفعها إلى تبني سياسة مرنة تجاه العديد من الأزمات العربية، بما يتناقض مع المواقف التي تتبناها الإمارات. 

وفي يناير 2024، أصدر المجلس الأعلى للأمن في الجزائر بياناً أبدى فيه أسفه لما قال: إنها “تصرفات عدائية مسجلة ضد الجزائر، من طرف بلد عربي شقيق”، وهو ما فُهم مباشرة على أنه تحذير للإمارات.

ووجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مارس 2024، اتهاماً شبه صريح للإمارات بالتدخل في شؤون بلاده وبلدان أخرى، قائلاً: “في كل الأماكن التي فيها تناحر، دائماً مال هذه الدولة موجود في الجوار، مالي وليبيا والسودان. نحن لا نكنّ عداوة لأحد نتمنى أن نعيش سلمياً مع الجميع ومن يتبلّى علينا فللصبر حدود”. 

 

وانطلاقاً من كلام تبون، يتوقع المحلل الجزائري إدريس ربوح أن يكون سبب الأزمة هو “استهداف الإمارات للأمن القومي الجزائري من خلال أنشطة تضرب هذا الأمن سواء بتهريب المخدرات من ليبيا (مهلوسات البريغابالين) أو توتير علاقاتها مع الدول القريبة ومحاولاتها المستمرة لاختراق تونس وموريتانيا عن طريق وكلائها وجرهم لمستنقع التطبيع، فضلاً عن تحالفها مع المغرب”.

كما يرى في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الإمارات “تريد أن يكون لها وجود في عدد من الدول الأفريقية الأخرى لمحاصرة الجزائر في مجالها الطبيعي”.

عُمان.. هل تكون وسيطاً؟ 

وفي ظل تصاعد هذه التوترات، تطرح تساؤلات عن ما إن كان سلطان عُمان سيتدخل في هذه القضية، خصوصاً وأنها أثيرت بالتزامن مع زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر (4 مايو).

وعمان التي تشتهر بسياساتها المحايدة واهتمامها بالحلول الدبلوماسية، قد تكون قادرة على تسهيل الحوار بين البلدين، حيث تعد زيارة السلطان هيثم إلى الجزائر فرصة حقيقية للوساطة في هذه الأزمة.

وتاريخ عمان في مجال الوساطة يعزز من فرص نجاحها في التوصل إلى حلول للأزمات الإقليمية، ففي الماضي، لعبت عمان دوراً بارزاً في الوساطة بين دول الخليج وإيران، وكان لها دور كبير في التهدئة بين الفصائل الفلسطينية، كما نجحت سلطنة عمان في التقريب بين اليمنيين في إطار جهودها لتسوية النزاع اليمني.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود عمان في مركز توازن بين المصالح الخليجية والجزائرية يمكن أن يسهم في إيجاد حل يرضي جميع الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى