توتر طائفي.. أحداث الساحل اختبار جديد لعلاقة بغداد ودمشق

المحلل السياسي إياد الدليمي:
حكومة بغداد ما تزال متوجسة من نجاح التجربة السورية.
استبعد أن تؤثر هذه التوترات على العلاقات بين بغداد ودمشق.
فتحت الاعتداءات الأخيرة التي تعرض لها مواطنون سوريون في العراق، فصلاً جديداً من التوتر الطائفي الذي تجاوز الحدود الجغرافية، ممتداً من مناطق الساحل السوري إلى الأراضي العراقية.
وشهدت اللاذقية وطرطوس خلال الأيام الماضية اشتباكات دامية بين قوات الأمن وفلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد؛ ما أدى إلى سقوط مئات القتلى بينهم عدد كبير من عناصر الأمن، وسط اتهامات بارتكاب قوات رسمية “انتهاكات” لم يتم التأكد منها.
وللوقوف على حقيقة ما جرى أصدر الرئيس أحمد الشرع قراراً رئاسياً بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري، مكونة من 7 أشخاص، للكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث.
وأعلنت اللجنة، بحسب المتحدث باسمها ياسر الفرحان، إنها تسعى لإنهاء التحقيقات خلال 30 يوماً، مؤكدة انفتاحها على التعاون الدولي، مع تفضيل الاستعانة بالإمكانات الوطنية.
توتر في العراق
ما شهدته مناطق الساحل السوري من توترات حادة واشتباكات بين جماعات ذات خلفيات طائفية مختلفة، أثار حملات تحريض واسعة في العراق ضد المقيمين السوريين. وبرز من بين هذا مقطع فيديو لمجموعة من الملثمين المسلحين العراقيين وهم يقتحمون مخبزاً في العراق يعمل فيه شباب سوريون وأخذوا يعتدون عليهم.
ويتضح من خلال التصريح عن اسم الجهة التي ينتمي إليها الملثمون، وهو فصيل يُطلق على نفسه اسم “تشكيلات يا علي الشعبية”، أن الاعتداء بني على أساس طائفي.
في هذا السياق، أدانت وزارة الخارجية السورية في بيان رسمي، “ما يتعرض له السوريون في العراق، معتبرة هذه الأفعال انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي”.
وطالبت الخارجية السورية، الحكومة العراقية بـ”محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان أمن وسلامة السوريين المقيمين”.
من الجانب العراقي، أصدر مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بياناً أكد فيه أن الأخير وجه “بتشكيل فريق أمني مختص لملاحقة من يرتكب هذه الأفعال غير القانونية التي لا تمتّ لأخلاق العراقيين بصلة”.
وشدد على أن هذه الاعتداءات “مدانة بحكم القانون وتخالف جميع القيم الإنسانية والأخلاقية، وتمثل انتهاكاً لكرامة الإنسان وحقوقه”.
لكن يبدو أن منشورات “طائفية” من قبل مقيمين في العراق ظهرت على مواقع التواصل، وهو ما أكدته وزارة الداخلية العراقية في بيان، كشفت من خلاله عن تسجيل حالات “ذات بعد طائفي ومحرضة على العنف من قبل مقيمين أجانب”.
وأكدت أنه “سيتم ترحيل كل مقيم ينشر معلومات مسيئة لقيم المجتمع العراقي”، محذرة من أن هذه التصرفات مرفوضة كلياً وتستوجب المحاسبة القانونية.
أسباب لجوء السوريين إلى العراق:
-
بدأ التوافد إلى العراق بشكل ملحوظ منذ عام 2012، بعد تدهور الوضع الأمني في سوريا.
-
دفعهم القرب الجغرافي والتشابه الثقافي والاجتماعي بين البلدين.
-
وجد أغلب السوريين في العراق فرص عمل واستقرار اقتصادي فضلاً عن الترحيب الشعبي.
-
لا توجد إحصائية رسمية لعدد السوريين بالعراق لكنه يتراوح بين 300 ألف – 400 ألف.
تداعيات التوتر الطائفي
استمرار التوتر والاحتقان الطائفي على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة مع ظهور جماعات مسلحة مثل “تشكيلات يا علي الشعبية” التي تبنت الاعتداءات، يكشف عمق الأزمة وتداخل الملفات الطائفية والسياسية بين البلدين.
وبحسب ما يذكر مراسل “الخليج أونلاين” في بغداد فإن الأحداث الأخيرة قد تترك أثراً سلبياً على العلاقة بين السوريين المقيمين والمواطنين ممن يملكون نزعة طائفية إذا لم يتم احتواؤها سريعاً.
ويؤكد أن المخاوف لدى السوريين الذين يعيشون أو يعملون داخل مناطق تنشط فيها مجاميع مسلحة طائفية بدأت تتصاعد، لافتاً إلى أن معالجة الأزمة تتطلب جهوداً مشتركة عراقية-سورية لوقف خطاب الكراهية والطائفية.
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي إياد الدليمي أن التوترات الطائفية التي برزت في العراق بعد سقوط نظام الأسد ليست عفوية، بل تقف وراءها قوى وأحزاب عراقية تخشى من التغيير الحاصل في سوريا.
وأوضح الدليمي في حديث لـ”الخليج أونلاين” أن “حكومة بغداد ما تزال متوجسة من نجاح التجربة السورية، خاصة أن نظامه السياسي، رغم مرور أكثر من عقدين، لم يتمكن من تأسيس نموذج حكم مستقر بسبب المحاصصة والفساد والنفوذ الإيراني”.
ومع ذلك، استبعد الدليمي أن تؤثر هذه التوترات على العلاقات بين بغداد ودمشق.
وأشار في هذا الشأن إلى تحركات رسمية عراقية، مثل اعتقال المعتدين على العمال السوريين، وتصريحات إيجابية خلال اجتماع دول جوار سوريا في الأردن.
وأعرب عن اعتقاده بأن “فشل التمرد العسكري لفلول نظام الأسد قد يدفع العراق لمزيد من الانفتاح على دمشق، رغم التوجهات الإيرانية المتحكمة في المشهد السياسي العراقي”.
الشيباني في بغداد
أحدث ما طرأ على علاقة البلدين كان زيارة أجراها وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني إلى بغداد ولقائه بنظيره العراقي فؤاد حسين وذلك يوم الجمعة (13 مارس الجاري).
وخلال مؤتمر صحفي، أكد الوزيران أهمية التعاون المشترك في مختلف المجالات والتصدي للتهديدات الخارجية.
وأشار حسين إلى أهمية استقرار سوريا وتأثيره المباشر على العراق، كما أعلن مقترح تأسيس مجلس تعاون بين البلدين، كاشفاً عن قرب إطلاق “غرفة عمليات لمحاربة داعش”.
من جانبه، شدد الشيباني على التزام سوريا بتعزيز العلاقات مع العراق، مؤكداً استعداد بلاده للتعاون في محاربة داعش وتعزيز التبادل التجاري، واعتبر فتح الحدود خطوة أساسية لتنمية العلاقات.