تفاهمات السعودية وأمريكا وروسيا.. تأثير منتظر على سوق الطاقة

بوتين: سوق الطاقة العالمية تتطلب مناقشات ثلاثية بين روسيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية
أعادت الحرب الروسية الأوكرانية، هيكلة أسواق الطاقة العالمية، وأجبرت الدول التي تعتمد على مصدر وحيد لتوليد طاقتها، سواء من دولة محددة أو مصدر طاقة محدد، على تنويع مصادرها من دول كانت خارج حساباتها الاقتصادية والسياسية وحتى بعدها الجغرافي.
وفي الوقت الذي وجد فيه العالم نفسه فجأة أمام مسار إجباري، نهايته غير معروفة حتى الآن، برز قطاع الطاقة كمحدد أساسي في العلاقة بين الدول، حتى تولى هذا الملف لدى الدول كافة، الرؤساء أنفسهم، وبدت القِبلة هنا شرقاً.
ومع المفاوضات الأخيرة بين روسيا وأمريكا برعاية سعودية، بدأ الحديث عن تفاهمات أخرى فيما يتعلق بأسواق النفط، فهل تنجح التحركات في كبح أي أزمة دولية قادمة بشأن أسواق النفط؟.
تصريحات جديدة
في تصريحاتٍ حديثة ولافتة، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن سوق الطاقة العالمية تتطلب مناقشات ثلاثية بين بلاده والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وتأتي هذه التصريحات عقب اجتماع مسؤولين بارزين من واشنطن وموسكو، في الرياض، بأول جولة محادثات تهدف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا وتعزيز العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
ووفق “بلومبيرغ”، أضاف الرئيس الروسي (19 فبراير 2025) أن “الجانبين ناقشا أيضاً قضايا اقتصادية، لا سيما في مجال الطاقة”.
وقال بوتين في تعليقات بثتها قناة “روسيا 24” التلفزيونية الرسمية: “ما زلت أتذكر المحادثة الهاتفية التي دارت بيننا نحن الثلاثة: خادمكم المتواضع، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وملك السعودية، وتحدثنا نحن الثلاثة عبر الهاتف، وناقشنا سوق الطاقة العالمية. إن مناقشة هذه القضايا على هذا النحو لا تزال مطلوبة اليوم”.
وكانت آخر مرة تحدث فيها بوتين مع ترامب (خلال ولايته الأولى) وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز قبل نحو خمس سنوات، عندما كانت منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” وحلفاؤها يكافحون للاتفاق على خفض إنتاج النفط وسط انهيار الطلب بسبب جائحة “كوفيد – 19”.
تصريحات ترامب
وكان الرئيس الأمريكي، حث الشهر الماضي، تحالف “أوبك+” على “خفض أسعار النفط”، بحجة أن هبوط الأسعار قد يحرم روسيا من الإيرادات ويوقف عدوان “الكرملين” على أوكرانيا.
وتربك ضغوط ترامب بشأن زيادة إنتاج النفط وخفض الأسعار ميزانيات العديد من دول الخليج العربي، لا سيما المرتبطة بمشروعات تنموية كبيرة، يصل فيها حد التعادل في موازناتها إلى ما بين 80 و90 دولاراً للبرميل.
ويدرس تحالف “أوبك+”، الذي تقوده السعودية وروسيا، تأجيل عودة إمدادات النفط المقررة في أبريل، في ظل استمرار أسعار النفط منخفضة للغاية بالنسبة للعديد من أعضاء التحالف.
وكان بوتين وترامب أجريا مكالمة هاتفية في فبراير الجاري، أسفرت عن إجراء محادثات في الرياض، وقال الرئيس الروسي لاحقاً إنه يعتزم الاتصال بالعاهل السعودي وولي العهد في اليومين المقبلين ليشكرهما شخصياً، لا على توفير استضافة المفاوضات مع الولايات المتحدة فقط، ولكن أيضاً على خلق “أجواء ودية” خلال المحادثات.
تحولات مهمة
تعكس دعوة بوتين “تحولات مهمة في المشهد النفطي العالمي، خصوصاً في ظل الضغوط الأمريكية المستمرة لخفض الأسعار، وبعدما طالب ترامب الرياض وموسكو بالتحرك نحو تقليل الأسعار بشكل مباشر”، وفق ما يراه الباحث الاقتصادي أحمد عيد.
ويضيف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”:
– من المتوقع أن اجتماع الرياض قد يفضي إلى تفاهمات تسهم في استقرار السوق، خاصة أن هذه الدول الثلاث تُعدّ من أكبر اللاعبين في قطاع الطاقة.
– باعتبار السعودية أكبر المنتجين في أوبك، تدرك أهمية التوازن بين العرض والطلب، وتسعى للحفاظ على أسعار تضمن استدامة الإنتاج دون الإضرار بالنمو العالمي.
– روسيا بحاجة إلى سوق مستقر يدعم صادراتها النفطية وإنتاجها من الغاز، بينما تواجه الولايات المتحدة ضغوطاً داخلية بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وتأثيرها على التضخم.
– السوق سوف يشهد خلال الفترة القادمة تذبذبات حادة نتيجة الصراعات الجيوسياسية والسياسات الإنتاجية المتباينة بين هذه القوى، وأي تفاهم مستدام يجب أن يقوم على معادلة تحقق مصالح الجميع دون المساس باستقرار الاقتصاد العالمي.
– إذا نجحت المحادثات في تحقيق توافق مشترك، فقد نشهد فترة من الاستقرار السعري، لكنه سيكون استجابة مؤقتة للضغوط الاقتصادية،؛ لأن أسعار النفط سوف تنخفض لفترة زمنية مؤقتة بعد انتهاء الأزمة الروسية الأوكرانية.
– حركة الأسعار سوف تعتمد على عدة عوامل مرتبطة بالإنتاج، من خلال زيادة المعروض وضغط على الأسعار، وعودة الطلب الأوروبي على النفط الروسي الذي توقف خلال الحرب، بعدما خفضت أوروبا اعتمادها على موسكو واتجهت نحو مصادر أخرى، بما في ذلك النفط الخليجي والأمريكي.
– إذا تم رفع العقوبات تدريجياً، قد تستعيد روسيا بعض حصتها في السوق الأوروبية، مما قد يؤدي إلى إعادة توزيع تدفقات النفط العالمية وتأثير ذلك على الأسعار.
– على المدى المتوسط والطويل، ستعتمد الأسعار على قدرة “أوبك+” على ضبط الإنتاج، ومدى عودة روسيا إلى الأسواق العالمية، ونمو الطلب العالمي بعد انتهاء الصراع.
– أي تسوية للحرب الروسية الأوكرانية ستكون عاملاً حاسماً في إعادة تشكيل أسواق النفط، لكنها لن تكون العامل الوحيد المؤثر في الأسعار، حيث تبقى العوامل الاقتصادية والسياسية العالمية عاملاً رئيسياً في تحديد الاتجاهات المستقبلية.
توقعات مختلفة
وخفض تقرير سعودي توقعات الطلب على النفط في 2025 و2026، مرجحاً وجود فائض من المعروض النفطي خلال العامين، مع الزيادة التدريجية للإنتاج من دول خارج تحالف “أوبك+”.
ويرى التقرير الصادر عن مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية “كابسارك”، أن الأوضاع الجيوسياسية وارتفاع مخزونات النفط العالمية وبدرجة أقل تحول الطاقة، ستؤدي دوراً في تشكيل تقلبات سوق النفط العالمية خلال عامي 2025 و2026.
ومع قرار تحالف “أوبك+” الأخير بتمديد تخفيضات الإنتاج وعكسها بوتيرة أبطأ، توقع “كابسارك” نمو إنتاج أوبك بمقدار 490 ألف برميل يومياً في 2025، ونحو 1.29 مليون برميل خلال 2026.
ومن المرجح حدوث بعض التراجعات في إنتاج دول الأعضاء في “أوبك+” ومن خارج منظمة “أوبك” خلال عام 2025، بمعدل 280 ألف برميل يومياً.
هذا الأمر أرجعه التقرير إلى تعويضات زيادة الإنتاج من روسيا وكازاخستان المتفق عليها، ومن ثم نمو الإنتاج عام 2026 بمقدار 230 ألف برميل يومياً.
لكن ذلك لا يزال محل انتظار ما ستنتجه توجهات ترامب بشأن إعادة ملء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للولايات المتحدة بسرعة، حيث أكد أن بلاد بحاجة إلى تعزيز إنتاجها النفطي وتقليل اعتمادها على المصادر الخارجية، في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية وتتزايد التقلبات في أسواق النفط العالمية.