تعامل “إسرائيل” مع الأسرى الفلسطينيين.. دلالة ضعف وهزيمة

تعرضت سلطات الاحتلال لانتقادات واسعة جراء قيامها بإلباس الأسرى الفلسطينيين ملابس طُبع عليها شعارات وعبارات عنصرية.
إعلام إسرائيلي اعتبر هذا السلوك مؤشر ضعف، بينما يرى باحثون أنه يعكس شعوراً بالهزيمة يعيشه المستوى السياسي والأمني بـ”إسرائيل”.
في مشهد أثار استياءً واستهجاناً داخلياً وخارجياً، أقدمت هيئة السجون الإسرائيلية، على ممارسة نوع من التنكيل والاستهداف النفسي لمئات الأسرى الفلسطينيين الذين تم الإفراج عنهم السبت (15 فبراير)، ضمن الدفعة الـ6 من الصفقة.
ونشرت هيئة البث الإسرائيلية، صوراً للأسرى وقد تم إرغامهم على الجلوس بطريقة مهينة، ورؤوسهم منكسة، وقد ارتدوا قمصان رُسمت عليها شعار مصلحة السجون، ونجمة داوود، وعبارات تتضمن تهديداً بالملاحقة والانتقام.
هذه العبارات وهذا السلوك يناقض كلياً مع تعامل المقاومة مع أسرى الاحتلال، وقد أثار استياءً في الأوساط الإسرائيلية، حيث اعتبره محللون ووسائل إعلام إسرائيلية دليل ضعف، كما أدانته المقاومة، باعتباره جريمة عنصرية، وانتهاكاً للقوانين والأعراف الإنسانية.
فما دلالة هذه الإجراءات العنصرية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم، وهل يعكس شعوراً عميقاً بالهزيمة في المستوى السياسي والأمني داخل دولة الاحتلال؟
شعارات يهودية
الصور المتداولة للأسرى المُفرج عنهم، وحرص الاحتلال على إذلالهم وإظهارهم بحالة من الانكسار، تحمل دلالات عديدة، بالنظر إلى طبيعة ما كُتب على قمصان الأسرى الذين تم الإفراج عنهم واليوم، والبالغ عددهم 36 معتقلاً من أصحاب المؤبدات، و333 ممن اعتقلهم الاحتلال من غزة بعد 7 أكتوبر.
ونشرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، صوراً للأسرى وهم يرتدون قمصان بيضاء، طُبع عليها “نجمة داوود” ذات الرمزية الدينية، وهو شعار اعتمدته الحركة الصهيونية قبل احتلال فلسطين، وهي جزء من علم “إسرائيل”.
كما ظهر على قمصان الأسرى المُفرج عنهم، إلى جانب “نجمة داوود” السداسية، شعار مصلحة السجون، وعبارة “لا ننسى ولا نغفر” من كلا الجانين، وهي تهديد صريح للأسرى بالملاحقة والانتقام.
وتم التقاط الصور للأسرى بطريقة مهينة، حيث أُجبروا على الجثو على ركبهم ورؤوسهم منكسة للأسفل، كما تم التقاط صور أخرى من داخل ساحة أحد السجون، والأسرى يقفون في طوابير، ومحاطون بالأسلاك الشائكة.
“حماس” تستنكر
وتعليقاً على هذا السلوك الإسرائيلي بحق الأسرى المُفرج عنهم، استنكرت حركة “حماس” هذا التعامل، مؤكدةً أنه يمثل انتهاكاً فاضحاً للقوانين والأعراف الإنسانية.
وقالت الحركة في بيان لها: “ندين جريمة الاحتلال بوضع شعارات عنصرية على ظهور أسرانا الأبطال، ومعاملتهم بقسوة وعنف، في انتهاك فاضح للقوانين والأعراف الإنسانية، في مقابل التزام المقاومة الثابت بالقيم الأخلاقية في معاملة أسرى العدو”.
هذا المشهد، كان على النقيض من صور الأسرى الإسرائيليين، الذين عُوملوا من قبل المقاومة، بطريقة تليق بهم إنسانياً، وانعكس هذا على مظهرهم، وحالتهم النفسية، إذ كانت ملابسهم نظيفة، والابتسامة تعلوا محياهم، فضلاً عن منحهم هدايا رمزية، كما حصل على سبيل المثال مع الأسير ساغي ديكل حن، والذي منحته القسام قطعة ذهبية، هدية لابنته التي ولدت بعد 4 أشهر من أسره.
وليست هذه المرة الأولى التي تُعامل “إسرائيل” الأسرى بهذه الطريقة، ووفقاً لهيئة البث الإسرائيلية، فإنه تم كتابة مثل هذه العبارات، خلال الدفعات السابقة، على أساور جرى إجبار الأسرى على ارتدائها في معاصمهم، وهو ما أكده أسرى مفرج عنهم، حيث قالوا إنه كتب عليها “الشعب الأبدي لا ينسى، أطارد أعدائي وأمسك بهم”.
انتقادات داخلية
هذه الصور التي جرى نشرها، أثارت انتقادات واسعة داخل دولة الاحتلال نفسها، فهذا إليؤور ليفي، محرر الشؤون الفلسطينية في هيئة البث، قال إن عملية التنكيل النفسي بالأسرى الإسرائيليين، لا تمثل سلوك دولة، مضيفاً: “أنا لست معجباً بقرار مصلحة السجون الإسرائيلية بإلباس السجناء المفرج عنهم رسائل تهديد”.
من جانبها، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التنكيل النفسي بالأسرى الفلسطينيين، مشيرةً إلى أنه سابقاً عرض عليهم فيلماً عن الدمار الذي أحلقه جيش الاحتلال بغزة.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إن مصلحة السجون تعرضت لانتقادات بسبب الملابس التي ظهر بها الأسرى الفلسطينيين، مشيرةً إلى أن المستوى السياسي لم يكن على علم بقرار إلباس الأسرى هذا الزي.
وأشارت الهيئة إلى أن “إلباس الأسرى الزي، مثلت مشكلة، لأن إسرائيل تحاول الاستفادة من طريقة إفراج حماس عن الأسرى الإسرائيليين”.
وسبق أن انتقدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعامل “إسرائيل” مع الأسرى الفلسطينيين، مشيرةً إلى أن من تم الإفراج عنهم في الدفعة الرابعة، كانوا مكبلين بالأصفاد وفي وضع مؤلم.
وسرعان ما قام الأسرى المفرج عنهم بإحراق الملابس التي أجبرتهم سلطات الاحتلال على ارتدائها قبل الإفراج عنهم، فور وصولهم إلى قطاع غزة، وتحديداً في ساحة مستشفى غزة الأوروبي بخان يونس.
مؤشر هزيمة
وتعليقاً على هذه المشاهد، قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، إن ما قامت به سلطات الاحتلال “سلوك انتقامي”، يعبر عن تفكير مريض يريد الانتقام.
وأضاف منصور في تصريح لـ”الخليج أونلاين”:
- بلا شك هو سلوك انتقامي، يعبر عن تفكير مريض، يريد أن ينتقم، وهذا يعكس أن عمليات الإفراج عن الأسرى تتم رغماً عن الاحتلال، “على عيونهم” كما يقولون بالعامية، الأسرى خارجين من السجون، وهم رافضين التسليم بهذا الأمر الواقع.
- الإسرائيليون غير متقبلين حقيقة أن هؤلاء الأسرى الذي عليهم أحكام بهذا الحجم، يصبحوا أحراراً، رغم محاولات “إسرائيل” بشكل دائم إبقائهم لديها، وقيامها بالتنكيل بهم، وممارسة أقسى أنواع التعذيب بحقهم، هم اليوم مرغمين على إطلاق سراحهم.
- هذا الإجراء يعكس ضعفاً، ويعكس أن الدولة العبرية مهزوزة في داخلها، تخشى من صورة أسير ذاهب إلى منزله، وهو يلوح بإشارة النصر بيديه.
- أعتقد أن هذا السلوك يصغر “إسرائيل” ولا يكبرها، يجلب لها الانتقادات، ويظهر مدى هشاشتها.
تصرف مليشاوي
من جانبه قال الأكاديمي والخبير بالشأن الإسرائيلي مهند مصطفى، إن إجبار الأسرى الفلسطينيين على ارتداء ملابس عليها عبارات وشعارات عنصرية، تعكس رؤية “إسرائيل” للأحداث الأخيرة.
وأضاف في تصريحات نقلتها “الجزيرة نت”، إن وضع شعار مستوى من رمزية الهولوكوست في الذاكرة اليهودية، يشير إلى أن “إسرائيل” تقارب أحداث 7 أكتوبر 2023، باعتبارها امتداداً لتاريخها المأساوي.
ولفت مصطفى إلى أن “هذا السلوك، يعكس حالة ضعف غير مسبوقة في بنية “إسرائيل” السياسية والعسكرية، مؤكداً أن هذا السلوك، “تصرف مليشاوي، يعكس تراجع القوة الإسرائيلية”.