الاخبار

تسليم سجناء أمريكيين.. خطوة إنسانية كويتية ضمن علاقة استراتيجية

أفرجت الكويت عن ما لا يقل عن 23 مواطناً أمريكياً كانوا محتجزين لديها على خلفية قضايا متنوعة

على مدار شهري مارس وأبريل من العام الجاري 2025، أفرجت الكويت عن ما لا يقل عن 23 مواطناً أمريكياً كانوا محتجزين لديها على خلفية قضايا متنوعة، معظمها يرتبط بمخالفات تتعلق بالقوانين الصارمة بشأن المواد المحظورة كالمخدرات.

وتُعد هذه الخطوة اللافتة، وفق ما تصفه وسائل الإعلام الأمريكية، من بين أسرع حالات الإفراج الجماعي عن محتجزين أمريكيين في الخارج خلال فترة زمنية قصيرة.

تزامنت هذه التطورات مع زيارة المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون الرهائن، آدم بولر، إلى الكويت في أوائل مارس، والتي وُصفت بأنها محطة رئيسية في مسار دبلوماسي نشط أعاد قضايا المحتجزين الأمريكيين إلى طاولة الأولويات. 

إفراج لافت

في الأول من مايو 2025، أعلن المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن آدم بولر، عن إفراج السلطات الكويتية عن 10 سجناء أمريكيين جدد، قائلاً إن عودتهم إلى ديارهم بعد سجنهم في الكويت تم بفضل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

والإفراج حدث نهاية أبريل الماضي، حيث عبر بولر عن شكره لحكومة الكويت على استجابتها وحسن نيتها، مشيراً في تصريحاته لاحقاً إلى أن الجانب الكويتي كان متجاوباً للغاية.

وأكد أن إطلاق سراح السجناء لم يكن ضمن صفقة تبادل أو ترتيبات ثنائية رسمية، بل جاء كجزء من تعاون قائم على إدراك مشترك لأهمية العلاقات الثنائية.

وقد رافق المستشار جوناثان فرانكس ستة من المفرج عنهم خلال رحلتهم من الكويت إلى نيويورك، وهو متخصص يعمل على قضايا المحتجزين الأمريكيين في الخارج، ومثل عدداً من السجناء الذين أفرج عنهم لاحقاً، حيث عبر عن امتنانه لهذه اللفتة، معتبراً أن الإفراج يحمل بعداً إنسانياً يعكس تفهماً عميقاً لأهمية لم شمل العائلات.

وفي ظل استمرار المحادثات الدبلوماسية، أفاد فرانكس بأن مزيداً من الإفراجات قد تكون قيد التحضير؛ ما يعكس ديناميكية مستمرة في ملف العلاقات الثنائية، حيث تندمج القضايا الإنسانية ضمن أطر السياسة الخارجية.

ولم تصدر وزارة الخارجية الأمريكية بياناً رسمياً حول عمليات الإفراج، كما لم تُنشر أسماء المفرج عنهم بشكل علني، وهو ما يعكس طابعاً من الحذر في التعامل الإعلامي مع ملفات ذات طابع شخصي وقانوني معقد.

محاربون ومتعاقدون مدنيون

تنقل وسائل إعلام أمريكية عن مستشارين مقربين من العائلات حديثهم أن من بين المفرج عنهم محاربين قدامى ومتعاقدين مدنيين، وأن بعضهم ظل محتجزاً لسنوات.

وبحسب تصريحات المستشارين، لم يكن جميع المحتجزين مصنفين ضمن قائمة “المحتجزين ظلماً” وفق التوصيف الأمريكي الرسمي، وهو ما يعني أن قضاياهم لم تكن محل متابعة دبلوماسية موسعة في السابق.

وتوضح أن الإدارة الأمريكية، تبنت مؤخراً نهجاً أكثر شمولاً تجاه مثل هذه الملفات، مدفوعاً برغبة في إعادة المواطنين إلى عائلاتهم متى توفرت الفرصة القانونية والدبلوماسية لذلك.

وتحظر الكويت، كغيرها من دول الخليج، تعاطي المواد المخدرة أو حيازتها، وتُطبق قوانين صارمة في هذا الشأن، وهي الاتهامات التي كانت موجهة للمعتقلين الأمريكيين.

وقد حذرت وزارة الخارجية الأمريكية في مناسبات سابقة من مغبة تجاهل القوانين المحلية في البلدان التي تختلف منظومتها القانونية والثقافية عن تلك السائدة في الولايات المتحدة.

ملف ليس ذو أولوية

في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، يقول عبدالعزيز العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات، إن الإفراج عن الأمريكيين السجناء في الكويت جاء نتيجة لتدخل مباشر ونشط من إدارة ترامب، التي جعلت من قضايا المواطنين الأمريكيين المحتجزين في الخارج أولوية دبلوماسية واضحة في سياستها الخارجية.

ويضيف أن الكويت لم تكن استثناء في هذا السياق، بل جاءت ضمن سلسلة من التحركات الدولية التي أسفرت في الفترة نفسها عن إطلاق سراح أمريكيين من دول مثل فنزويلا وبيلاروس والكونغو الديمقراطية.

وأشار إلى أن تلك الإفراجات اتخذت طابعاً سياسياً وإنسانياً في آنٍ واحد، لا سيما وأن إدارة ترامب كانت حريصة على تقديمها كإنجازات للرأي العام الداخلي.

ولفت العنجري إلى أن تصريح مبعوث ترامب الخاص، آدم بولر، بأن الطلب الموجه إلى السلطات الكويتية كان غير مسبوق، يعكس حجم الجهد الذي بذلته واشنطن في هذا الملف.

لكنه يرى أن الاستجابة الكويتية لا يمكن فهمها فقط في إطار الضغوط، بل يُرجح أنها تعكس “رغبة كويتية في كسب ود الإدارة الأمريكية، خصوصاً في ملف لا يُعد ذا أولوية استراتيجية للكويت، بقدر ما يُمثل أهمية داخلية للرئيس ترامب أمام قاعدته الشعبية، باعتباره إنجازاً رمزياً في ملف إعادة الأمريكيين من الخارج”.

وتابع أن امتناع الحكومة الكويتية عن إصدار بيانات رسمية بشأن الإفراج “قد يكون متعمداً لتفادي الانخراط في نقاشات داخلية حول القضية”، مشدداً على أن هذا الصمت يمنح السلطات “هامشاً أوسع في تأطير القرار لاحقاً دون أن يُفهم أنه جاء نتيجة استجابة لضغط خارجي مباشر”.

ويؤكد العنجري على أن هذه التطورات تعكس تداخلاً متزايداً بين ملفات السياسة الخارجية والداخلية في بعض الدول، حيث تصبح بعض التحركات الخارجية وسيلة لتأكيد النفوذ أو تعزيز صورة القيادة أمام الجمهور المحلي.

علاقات كبيرة

والكويت، التي تعتبر من أبرز الحلفاء غير الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تربطها بالولايات المتحدة شراكة عسكرية متجذرة منذ حرب الخليج عام 1991، حيث ما زال نحو 13,500 جندي أمريكي يتمركزون في معسكرات مثل عريفجان وقاعدة علي السالم الجوية. 

هذه العلاقات تمتد أيضاً إلى شراكات أمنية وتجارية، وتعكس اهتماماً مشتركاً باستقرار المنطقة.

وينقل الإعلام الأمريكي عن سياسيين وشخصيات حكومية أن تسارع وتيرة الإفراج يعكس مرونة من الجانب الكويتي واستعداداً لدعم جهود إنسانية في إطار العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، بعيداً عن منطق التبادلات أو الاشتراطات المتبادلة. 

ومع كل إفراج، تبرز بيانات تعكس امتنان العائلات وإشادة بمبادرات الدولة المضيفة في إشارة للكويت، فيما صدرت إشادات متكررة من منظمات غير ربحية ومستشارين خاصين، شددت على أهمية الحوار المباشر وبناء الثقة بين الدولتين، كما اعتبرت هذه الخطوات نموذجاً إيجابياً للتعاون الإنساني، لا سيما في سياقات لا تشهد توترات سياسية أو تعقيدات تفاوضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى