تخلي طهران عن الأسد.. زلزال يهدد خريطة نفوذ إيران الإقليمي
المحلل السياسي إياد الدليمي:
سقوط النظام السوري شكل أكبر ضربة لمشروع إيران الإقليمي.
سقوط النظام السوري سينعكس على نفوذ إيران في العراق واليمن.
المشروع الإيراني يحتضر وعملية انحسار هذا المشروع في مواطن نفوذه باتت مسألة وقت.
في تطور لافت، وبعد ساعات من إعلان سقوط حليفها نظام بشار الأسد، الأحد (8 ديسمبر 2024)، أبدت إيران استعدادها للتعاون مع المعارضة السورية، لتضع بذلك نقطة تحول كبيرة في سياستها تجاه سوريا.
يأتي هذا التطور بعد سنوات من الدعم العسكري والسياسي للنظام السوري، الذي كان يعتبر حجر الزاوية في مشروع طهران الإقليمي.
تحول سياسي سريع أبدته طهران، التي كانت سباقة في إعلان الترحيب بالوضع السوري الجديد، بعد ساعات من سيطرة المعارضة على دمشق، ذلك ما تكشف عنه في تصريحين لرئيس إيران ووزير خارجيتها.
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قال إن شعب سوريا هو من يقرر مستقبل البلاد ونظامها السياسي، معرباً عن أمله في أن يتمكن الشعب السوري الذي وصفه بـ”العظيم” من تقرير مستقبله، بعيداً عن “العنف والتدخلات الخارجية المدمرة”، وفق وكالة أنباء “إرنا”.
بذات الشأن، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن “الفشل في سوريا كان بسبب الجيش السوري الذي لم يصمد”، مشيراً إلى أن “المقاومة أدت دورها هناك”.
وأضاف عراقجي: “ندعم إرادة الشعب السوري من خلال آليات ديمقراطية وشعبية لكننا نعتقد أن الطريق صعب”.
تصريحات بزشكيان وعراقجي تؤكد أن الموقف الإيراني بعد سقوط الأسد لم يعدّ نفسه قبل السقوط، فقبل أسبوع واحد، وأثناء مواصلة فصائل المعارضة السيطرة على مناطق بالشمال السوري، التقى عراقجي بالأسد في دمشق، وبحث معه التطورات في سوريا.
وقال عراقجي بعد اللقاء إنه بحث مع الأسد تفاصيل الدعم الذي ينبغي تقديمه لسوريا، مؤكداً أنه نقل له رسالة “دعم إيران لشخصه ولسوريا وشعبها”.
وبعيداً عن قادة إيران السياسيين، فإن المرشد الإيراني علي خامنئي، هو بنفسه أكد على أهمية بقاء نظام الأسد والدفاع عنه وحمايته في أكثر من مناسبة، أحدثها في مايو الماضي حين حضر الأسد إلى طهران لتقديم واجب العزاء بمقتل الرئيس إبراهيم رئيسي.
حينها لفت الخامنئي عند استقباله الأسد، الى أهمية تعزيز العلاقات بين إيران وسوريا، مؤكداً أن ذلك أمر بالغ الأهمية من حيث كون البلدين “أحد الركائز الأساسية للمقاومة”، بحسب الإعلام الإيراني.
دعم لامحدود
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، تحولت إيران إلى الحليف الأبرز لنظام الأسد، معززةً دعمها السياسي والعسكري والاقتصادي لضمان بقاء النظام في وجه الانتفاضة الشعبية والتدخلات الإقليمية والدولية.
وسعت إيران إلى كسب الشرعية الدولية للنظام السوري عبر تحركاتها الدبلوماسية، سواء من خلال التحالف مع روسيا أو رعاية محادثات أستانا وسوتشي.
علاقة طهران بنظام الأسد تجاوزت الأبعاد السياسية والعسكرية؛ إذ تنظر طهران إلى سوريا على أنها حلقة حيوية في مشروعها الإقليمي المعروف بـ”الهلال الشيعي”، الذي يربطها بلبنان عبر العراق وسوريا.
من جهته، اعتمد الأسد على الدعم الإيراني للحفاظ على نظامه واستعادة قوته بعد أن أوشك على السقوط مع بداية انطلاق الثورة السورية.
الإعلام الإيراني
ما ظهرت به الصحف الإيرانية في أول يوم من سقوط الأسد، يعكس التغيير الكامل لاتجاه بوصلة العلاقات الإيرانية، لتتجه من الأسد إلى معارضيه الذين أسقطوه.
-
صحيفة “آرمان ملي” قالت قبل ساعات من سقوط الأسد: “تحرير الشام على أبواب دمشق” متجنبة استخدام كلمة “الإرهابيين” في وصف المعارضة السورية.
-
صحيفة “اعتماد”: إيران باتت تملك أوراقاً قليلة جداً لتغيير المعادلات في سوريا.
-
انتقدت صحيفة “جمهوري إسلامي” النظام الإيراني وضعف سياساته في الملف السوري الأمر الذي جعل الأمور تصل إلى هذه النقطة.
-
صحيفة “جمهوري إسلامي”: على حكومة إيران أن تعيد النظر في نهجها؛ لأنها وثقت بأطراف ما كان ينبغي لها أن تثق فيها من أجل الحفاظ على “محور المقاومة”.
انهيار المشروع الإيراني
المحلل السياسي إياد الدليمي الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” يرى أن إيران لم تتخل عن الأسد، وإنما لم تعد بيدها ما يمكن أن تفعله من أجل نصرة هذا النظام والدفاع عنه.
يعود الدليمي إلى عامي 2014 و2015، ويشير إلى زج إيران بميلشيات عراقية وأفغانية من أجل الدفاع عن النظام السوري.
لكن هذه المليشيات بحسب الدليمي “لم تتمكن من تحقيق ما كانت تتمنى من إنقاذ النظام، حتى زار قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني حينذاك) موسكو واستنجد بالرئيس فلاديمير بوتين، وهنا حدث الفارق، يوم أن جاءت روسيا بطائراتها وقواتها، يومها تم فك الخناق عن دمشق التي كانت تحاصرها قوات المعارضة السورية”.
ويواصل: “ما جرى خلال الأيام الماضية، أن روسيا لم تعد هي ذاتها التي كانت قبل أعوام، فلقد انشغلت بأوكرانيا”، لافتاً إلى أن “غياب الدعم الروسي الفاعل والكبير عن معركة إسقاط النظام السوري الأخيرة هو الذي شكل العلامة الفارقة في سقوط النظام”.
حول إيران يقول الدليمي إنها “دولة براغماتية وقادرة على التلون بناء على متطلبات أمنها القومي ومصلحتها”، مضيفاً أنها “أدركت منذ الساعات الأولى لعملية تحرير حلب أن النظام لن يكون بمقدوره الصمود إذا ما تقدم المقاتلون، من هنا بدأت طهران تعيد حساباتها”.
ويؤكد أن سقوط النظام السوري شكل “أكبر ضربة لمشروع إيران الإقليمي”، موضحاً أن سوريا “لم تكن فقط قاعدة لهذا النفوذ بكل كانت حلقة الصول بينها وبين حزب الله في لبنان، وكانت إطلالة إيران على المتوسط”.
وكانت سوريا أيضاً ورقة إيران الأهم التي تلعب بها أمام تركيا في ملفات مختلفة، فضلاً عن حجم الاستثمارات الإيرانية الضخمة في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، سواء كانت استثمارات مالية أو حتى اجتماعية، على حدّ قول المحلل السياسي.
تأثير إقليمي
إقليمياً، يرى الدليمي أن سقوط النظام السوري سينعكس على نفوذ إيران في العراق واليمن، مبيناً أن “المشروع الإيراني يحتضر وأن عملية انحسار هذا المشروع في مواطن نفوذه باتت مسألة وقت”.
العراق مقبل على انتخابات عام 2025، يقول الدليمي، مضيفاً أن “التغيير سيبدأ من هناك وتقليص النفوذ الإيراني سيكون عبر برلمان أقرب للعراق وأبعد عن إيران”.
أما في اليمن، يتوقع الدليمي أن “تتحرك خلال المرحلة المقبلة عمليات تحرير المدن اليمنية من سطوة مليشيا الحوثي خاصة أن هذه المليشيات باتت أضعف بكثير بعد سلسلة الغارات التي نفذتها إسرائيل وأمريكا وبريطانيا”.