تتصدرها الأمنية.. كيف عززت السعودية والجزائر علاقاتهما الثنائية؟
تربط الجزائر والمملكة بعلاقات تاريخية وطيدة وعميقة، كما تتمتعان بالكثير من القدرات الاقتصادية
تشهد العلاقات السعودية الجزائرية خلال الفترة الأخيرة، حراكاً دبلوماسياً متنامياً، على أعلى المستويات القيادية والوزارية، بهدف توطيد العلاقات بين البلدين العربيين، والدفع بها نحو التعاون الاستراتيجي، تمهيداً للشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وتربط الجزائر والمملكة بعلاقات تاريخية وطيدة وعميقة، كما تتمتعان بالكثير من القدرات الاقتصادية، إلا أن الجانب الذي كان لافتاً هو تحركات الجانبين مؤخراً، والذي دل عليه الزيارتين التي قام بهما وزير الداخلية السعودي إلى الجزائر خلال العام الجاري.
وعمل قادة البلدين على تعزيز العلاقات، والوصول بها إلى أعلى المستويات الممكنة؛ فضلاً عن كثير من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة التي من الممكن استغلالها لزيادة آفاق التنسيق السياسي والأمني والعسكري بين الطرفين.
زيارات أمنية لافتة
ولعل السياق الأمني ضمن توطيد علاقات البلدين كان لافتاً خلال نحو عام، تمثلت بزيارتين قام بها وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود، إلى الجزائر ولقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وكانت الزيارة الأولى في يناير 2024، ويومها ذكرت وكالة الأنباء السعودية إن بن سعود وتبون بحثا خلال لقاء في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائرية “العلاقات الثنائية والتعاون الأمني القائم بين البلدين”.
وأشارت إلى أن وزير الداخلية “نقل تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، للرئيس الجزائري، وتمنياتهما للجزائر حكومة وشعباً بدوام الرقي والازدهار”.
أما الزيارة الثانية فكانت نهاية نوفمبر 2024، حيث قالت وزارة الداخلية السعودية إن الوزير عبدالعزيز بن سعود، التقى الرئيس الجزائري بعاصمة الجزائر، بناءً على توجيه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وجرى في أثناء اللقاء “استعراض العلاقات الثنائية والتعاون الأمني القائم بين البلدين”.
أما الزيارة التي سبقتها فكانت في نهاية عام 2022 وتحديداً في أواخر ديسمبر، وحينها التقى الوزير بالرئيس الجزائري وبحثا العلاقات الثنائية وتحديداً تعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين.
مجلس تنسيق أمني وسياسي
في ديسمبر من العام 2018، وخلال لقاء جمع حينها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، أثناء زيارة قام بها بن سلمان للجزائر اتفقت السعودية والجزائر، على إنشاء مجلس أعلى للتنسيق بين البلدين.
كان الهدف المعلن للمجلس وفق وكالة “واس” حينها، “تعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتطرف”، وتم تكليف وزيري الخارجية في البلدين لوضع الآلية المناسبة لذلك.
وفي مايو 2023 وقع البلدين اتفاقية رسمية لإنشاء مجلس التنسيق الأعلى بين البلدين، بهدف “تكثيف التواصل والتعاون بين البلدين وتعميقه”، والذي جاء بعد أربع دورات من اجتماعات اللجنة المشاورات السياسية الجزائرية السعودية في برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف.
ويتولى المجلس “التكفل بتعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، والطاقة، والتعدين، يرأسه عن الجانب الجزائري رئيس الحكومة، وعن الجانب السعودي ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء”.
وعقب ذلك، دخل مجلس التنسيق الأعلى بين البلدين حيز التنفيذ رسمياً، بعد مصادقة متبادلة بين تبون وبن سلمان.
استحقاقات وتقارب
وينتظر أن يعقد هذا المجلس المشترك أول اجتماعاته في الجزائر خلال زيارة ما زالت مرتقبة لولي العهد محمد بن سلمان للجزائر، كان من المقرر أن تتم العامين الماضيين، لكنها تأجلت إلى أجل غير معلوم.
ويجري التحضير لاستحقاقات سياسية توصف بالهامة بين البلدين، من خلال زيارة رفيعة المستوى، يُوقع خلالها على حزمة اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري بين الجزائر والرياض.
وفي حين تبدو العلاقات بين الجزائر والمملكة العربية السعودية إيجابية حالياً، إلا أنها متجذرة في المصالح الاقتصادية ولا تزال خلافات مهمة تشوب العلاقات بين القوتين العربيتين.
ومع ذلك تعزز هذه التطورات المؤشرات على تجاوز البلدين “سوء تفاهم سياسي” نتيجة استياء جزائري بالغ من تحييد الرياض لها من اجتماعات حول عودة سوريا سبقت القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الرياض، عبرت عنه الجزائر بصيغ مختلفة، حيث استدعت سفيرها محمد بوغازي (من دون إعلان رسمي) واستبقته في الجزائر، إلى حين زيارة وزير الخارجية فيصل بن فرحان للجزائر لـ”توضيح الموقف”.
وسبق أن زار الأمير محمد بن سلمان الجزائر أواخر العام 2018، وكان هدفها حينها دفع العلاقات الاقتصادية وترقيتها إلى مستوى العلاقات السياسية بين البلدين، فيما أبدت الجزائر استعدادها للتعاون مع الرياض في جميع المجالات الاقتصادية لاسيما الصناعية منها.
التعاون الاستراتيجي
يؤكد المحلل السياسي الجزائري أحمد بوزيدي، أن هذه اللقاءات والزيارات هدفها “الدفع بالعلاقات نحو التعاون الاستراتيجي، تمهيداً للشراكة الاستراتيجية الشاملة”.
ويشير إلى أن البلدان عمقا علاقتهما بـ”التعاون المؤسسي سواء عبر اللجنة السعودية الجزائرية المشتركة، أم لجنة المشاورات السياسية السعودية– الجزائرية التي أعلنت في دورتها الرابعة التي عقدت في مايو من العام الماضي عن تأسيس مجلس التنسيق الأعلى السعودي الجزائري”.
كما يشير أيضاً في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى تأسيس البلدين “لجنة الصداقة والأخوة البرلمانية الجزائر- السعودية، التي تم تنصيبها في أكتوبر 2022، واللجنة المختلطة الجزائرية السعودية المكلفة بالتعاون العسكري”.
ويؤكد أن هذه التطورات تعكس “بداية مسار متسارع، لتمتين العلاقات بين البلدين أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وهي الدرجة التي يفترض أن ترتقي إليها، نظراً إلى العديد من الاعتبارات الجغرافية والسياسية والاقتصادية”.
ويلفت إلى أن الاهتمام والتقارب يأتي “خاصة في ظل التحولات التي يمر بها النظام الدولي؛ التي تقتضي تكثيف التعاون بما يعزز من مكانة الدولتين في تراتبية القوى في الميزانين الإقليمي والدولي، وتكثيف الترتيبات الأمنية والعسكرية إلى جانب التوافق السياسي”.