بوساطة عُمان وجهود أمير قطر.. هل اقترب الاتفاق بين أمريكا وإيران؟

تُظهر المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني مؤشرات على تقارب محتمل
في خضم تحركات دبلوماسية متسارعة تهدف إلى تخفيف التوتر في الشرق الأوسط، تتجه الأضواء إلى التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من العاصمة القطرية الدوحة، حول بدا أنه اقتراب من اتفاق مرتقب مع إيران.
يأتي ذلك فيما تُظهر المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني التي تستضيفها مسقط مؤشرات على تقارب محتمل، وسط إشارات من الجانب الأمريكي إلى استعداد للتوصل إلى اتفاق يحد من قدرات طهران النووية، حيث برز الدور العُماني والقطري في دفع الجانبين إلى السير نحو التوصل لاتفاق مرتقب.
هذا التطور جاء في وقت تتسم فيه العلاقات بين واشنطن وطهران بالتعقيد، خصوصاً وأن حديث ترامب تبعه تصريحات تصعيدية من قبل إيران، حيث تتداخل قضايا النووي مع الصراعات الإقليمية والنفوذ العسكري، في ظل خلافات عميقة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وامتداده في المنطقة.
إعلان أمريكي
يشير الجانب الأمريكي في تصريح لترامب خلال تواجده منتصف مايو في قطر، إلى أن طهران أبدت مرونة نسبية بشأن شروط الاتفاق، مع استمرار المباحثات التي تسعى إلى تجنيب المنطقة مواجهة عسكرية مباشرة، بقوله: “أعتقد أننا نقترب ربما من إبرام اتفاق (مع إيران)”.
وتابع أن على إيران أن “تشكر جزيل الشكر” أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي ضغط ضد أي عمل عسكري ضد جارته، مشيراً إلى أن “إيران محظوظة جداً بوجود الأمير (تميم)، فهو يقاتل من أجلها. لا يريدنا أن نوجه ضربة موجعة لإيران”.
وشدد الرئيس الأمريكي على أن واشنطن “تؤمن بالسلام عبر القوة”، مضيفاً: “نريد لإيران أن تكون دولة كبيرة، لكن لا يمكنها امتلاك سلاح نووي”، وأكد أن بلاده ملتزمة بحماية منطقة الشرق الأوسط.
فيما رد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي (15 مايو)، قائلاً: “لن نتنازل عن حق شعبنا بتخصيب اليورانيوم”، مشيراً إلى أنه “لو كانت الولايات المتحدة قادرة على تدمير منشآتنا النووية، لما دخلت في مفاوضات”، مؤكداً ان “إيران واعتماداً على قدراتها العسكرية هي التي أجبرت العدو على الجلوس إلى طاولة التفاوض”.
مفاوضات مستمرة
وتشهد المفاوضات الأخيرة بين الجانبين والتي عقدت معظمها في العاصمة العُمانية مسقط، تناقضات في ملفات رئيسية، من بينها كمية تخصيب اليورانيوم والقدرات التقنية المتصلة به، حيث سجلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ارتفاعاً في مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة تجاوزت 60%، مع تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة، ما يثير قلق المجتمع الدولي.
إلى جانب ذلك، تستمر النقاشات بشأن آليات التفتيش على المواقع النووية، إذ تشدد الولايات المتحدة والدول الغربية على ضرورة وصول مفتشي الوكالة إلى جميع المواقع، بينما تصر إيران على قيود أكبر لضمان سيادتها.
وعلى الصعيد العسكري، تتفاقم الخلافات بسبب دعم طهران لفصائل مسلحة في دول عدة، منها لبنان واليمن وسوريا والعراق، الأمر الذي تؤكده تقارير أمريكية وأوروبية، وترد إيران بالتأكيد على أن برامجها الصاروخية والدفاعية حق سيادي، وترى أن العقوبات الأمريكية تهدف إلى الضغط على الاقتصاد الوطني.
وتعد هذه التحركات استكمالاً لسلسلة لقاءات جرت في فيينا وبمبادرة أوروبية ودولية لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي انسحبت منه واشنطن عام 2018، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران.
يقول الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي إن الاتفاق المرتقب لن يخرج عن الأطر الاستراتيجية المعنية بمسألة الرؤية الأمريكية في إدارتها للأزمة، مشيراً إلى أن هذه الرؤية ترتكز على سياسة واضحة تستند إلى عامل الزمن والضغوط القصوى.
وأوضح النعيمي في تصريحه لـ”الخليج اونلاين” أن:
– هذه الاستراتيجية الأمريكية واضحة المعالم، وإن كان هنالك تلويحاً في بعض الأحيان بالجزرة، إلا أن العصا حاضرة في الخليج العربي.
– الحشود البحرية الأمريكية ما زالت على أهبة الاستعداد وعلى مستويات عليا، وصولاً إلى الدوريات الجوية التي تنفذها القاذفات الاستراتيجية الأمريكية بالتعاون مع أسلحة الجو العربي، في دلالة واضحة على أن سياسة الضغوط القصوى ما زالت هي المسيطرة على الموقف.
– استمرار الضربات السيبرانية التي تتعرض لها المنشآت الحيوية الإيرانية، من الموانئ والشواطئ إلى إدارة النقل والاتصالات، مروراً بالمفاعلات النووية.
– الرؤية الأمريكية لا تزال ضمن نطاق الاحتواء كمرحلة أولى، لكن ذلك لا يعني الاستسلام.
– سياسة الاسترضاء التي انتهجتها إدارتا باراك أوباما وجو بايدن قد انتهت، والولايات المتحدة باتت أمام استحقاقات من نوع جديد تتبنى نهجاً أكثر حزماً.
– صورة الولايات المتحدة لم تعد تحتمل الهشاشة أمام خصوم لا يرتقون إلى مستوى الصراع الحقيقي، وهو ما دفع واشنطن إلى فتح المسار الدبلوماسي.
– هذا المسار لن يؤدي إلى نتائج إيجابية، خصوصاً أن إيران تتعامل معه كوسيلة لإضاعة الوقت واستكمال برنامجها النووي، وهي ما زالت تؤمن باستخدام أدواتها في اليمن والعراق ولبنان لمشاغلة واشنطن وحلفائها، ضمن استراتيجية واضحة المعالم، لكنها تتعرض حالياً لمحاولات تفكيك على المستويات العربية والإقليمية والدولية.
– إيران تعود إلى جغرافيتها كمرحلة أولى، تمهيداً لتحركات جديدة على مستوى الملفات التفاوضية الثلاثة: النووي، الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة.
– تواجه إيران ضغوطاً إضافية من خلال ملف حقوق الإنسان، نتيجة لحالة القمع الواسعة التي يتعرض لها الشعب الإيراني، والتي “لن تمر مرور الكرام بل ستُواجَه بغطاء دولي بهدف إضعاف نظام الملالي”.
– مسار التفاهمات السياسية عبر جولات التفاوض، سواء كانت عبر وسطاء أو مباشرة، لم يحقق أي مكتسبات حقيقية، والجولة الرابعة الأخيرة فشلت أيضاً، وكانت مجرد إضاعة للوقت.
– قد تظهر محددات جديدة لآلية التفاوض، تتضمن نتائج مجدولة زمنياً لإجبار إيران على الالتزام بها كمرحلة أولى.
– إيران تدعي أنها امتلكت قدرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 60%، وبحسب هذه الادعاءات، فإنها أنتجت أكثر من 265 كلغ من اليورانيوم المخصب، ما يتيح لها نظرياً إنتاج ست قنابل نووية.
– كل ما يجري في مسار التفاوض حالياً هو محاولة للسيطرة على أكبر عدد من خيوط اللعبة، وبناء استراتيجيات المواجهة المقبلة، التي لن تقتصر على الأطر السياسية، بل ستنتقل إلى المستوى العسكري أيضاً.
تحركات قطر
ويبدو أن اللقاءات الأخيرة شهدت تحركات قطرية حثيثة لتعزيز قنوات الحوار بين طهران وواشنطن، مستفيدة من العلاقات الجيدة مع الطرفين، وشددت الدبلوماسية القطرية على أهمية التهدئة والحوار لضمان الاستقرار الإقليمي، وهو ما تجسد في مبادرات الشيخ تميم الذي التقى مسؤولين من البلدين على حد سواء.
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار العقوبات الأمريكية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني، خصوصاً في قطاع النفط الذي تقلصت صادراته بنسبة تزيد على 80% مقارنة بعام 2017، بحسب بيانات وزارة الطاقة الأمريكية.
وعلى الصعيد السياسي، تحاول إيران استغلال الانفتاح النسبي على المفاوضات لتخفيف هذه الضغوط الاقتصادية، مع الحفاظ على مكاسبها الإقليمية.
وسبق أن رعت قطر مفاوضات بين الجانبين في أغسطس الماضي، حيث أعلن حينها عن الخطوط العريضة للاتفاق الأمريكي الإيراني الذي بموجبه تم السماح لخمسة مواطنين أمريكيين تحتجزهم إيران بالمغادرة، مقابل تحويل 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة من كوريا الجنوبية، والإفراج عن خمسة إيرانيين محتجزين في الولايات المتحدة.
وفي 19 فبراير 2025، قام أمير قطر بزيارة رسمية إلى إيران رافقه فيها رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، حيث قالت البيانات الرسمية إنه جرى نقاش العلاقات الثنائية، فيما نقلت وسائل إعلام غربية أن الزيارة كان من ضمنها ملفات مرتبطة بجدل التفاوض بين طهران وواشنطن.