بعد شهر من العمليات البرية.. إلى أين تسير بوصلة الحرب جنوب لبنان؟

كيف يبدو المشهد العسكري في لبنان بعد شهر من بدء العمليات البرية؟
حققت “إسرائيل” تفوقاً جوياً ملحوظاً خلال الفترة الماضية.
ميدانياً لم يحقق الجيش الإسرائيلي الكثير ولا يزال بعيداً عن الهدف.
هل من الممكن أن يتم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في لبنان؟
يرى مراقبون أن نتنياهو يريد الاستفادة من ورقة الانتخابات الامريكية لتحقيق أهداف “إسرائيل” في لبنان.
بعد الانتخابات قد تستطيع الولايات المتحدة التحرر من قيد ورقة الانتخابات واللوبيهات اليهودية المؤثرة.
في الأول من أكتوبر، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات توغل برية محدودة في محاور عدة على الحدود مع لبنان، في محاولة لاستثمار الضربات التي تلقاها “حزب الله” باغتيال قادته، وأيضاً لإيقاف هجمات الحزب على المستوطنات الحدودية.
وعلى امتداد الشهر، خاض جيش الاحتلال معارك في مناطق عدة على طول الشريط الحدودي بين فلسطين المحتلة، ولبنان، ونجح في تحقيق بعض الاختراقات، لكن بكلفة باهظة، حيث خسر عشرات القتلى والجرحى في صفوفه.
وعلى الصعيد السياسي، تزايدت الضغوطات خلال الشهر المنصرم، في محاولة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، ويتزايد الحديث مؤخراً عن اتفاق وشيك يستند على تطبيق القرار 1701، فما الذي حققته “إسرائيل” خلال شهر من العمليات العسكرية في لبنان؟
مقاومة شرسة
ومنذ بداية المواجهات البرية، اعترف جيش الاحتلال بصعوبة المعارك، وشراسة المقاومة التي يخوضها مقاتلي “حزب الله” اللبناني في أكثر من محور بالرغم من الغطاء الجوي والمدفعي الكثيف.
وبحسب بيانات “حزب الله”، فقد تكبد جيش الاحتلال أكثر من 95 قتيلاً و900 جريحاً من ضباط وجنود، منذ بدء التوغل البري في الجنوب اللبناني، كما أشار الحزب إلى أن جنوده دمّروا أكثر من 50 آلية، منها 42 دبابة من طراز “ميركافا”.
من جانبها نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادرها أن قرابة 37 جندياً إسرائيلياً قتلوا في المعارك على الجبهة الشمالية، خلال أكتوبر، مؤكدة أن الشهر الماضي كان أكثر الأشهر دمويةً منذ الـ7 من أكتوبر.
ويدعي جيش الاحتلال أنه نجح في تدمير قرابة 70% من قدرات “حزب الله” اللبناني، كما يتفاخر بالقضاء على قيادة “قوة الرضوان”، الذراع العسكري للحزب.
جهود التهدئة
وبعد مرور شهر على العمليات البرية في لبنان، تتزايد التكهنات حول اقتراب التوصل لاتفاق وشيك لإنهاء الحرب، بين “إسرائيل” و”حزب الله”.
وتقود الولايات المتحدة الأمريكية جهوداً حثيثة، للتهدئة بين الحزب و”إسرائيل”، ويبدو أن ثمة اختراق في هذا الشأن، خصوصاً بعد زيارة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، آموس هوكستين، إلى المنطقة.
وبحسب مصادر مطلعة، فقد أبلغ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المبعوث الأمريكي هوكستين، أن قدرة “إسرائيل” على مواجهة التهديدات التي تستهدف أمنها من لبنان وإعادة النازحين إلى الشمال، من العناصر الأساسية لأي اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان.
تفوق جوي
وبالرغم من التفوق الجوي لجيش الاحتلال، إلا أنه فشل في تحقيق إي إنجاز عسكري على الأرض، وفقاً للباحث في العلاقات الدولية والخبير الاستراتيجي، رضوان قاسم.
وقال قاسم في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إن جيش الاحتلال “اعتقد أنه يستطيع إنجاز عمل عسكري ما، حتى يقدمه إلى الداخل الإسرائيلي وإلى العالم، وأنه ما يزال يسيطر على المنطقة، وأن لديه القوة التي لا يستطيع أحد أن يقف أمامها، إلا أن التجارب أثبتت غير ذلك”.
وأضاف: “بعد التجارب التي حصلت خلال الفترة الماضية، خصوصاً في لبنان، لم يحقق الاحتلال أي إنجاز عسكري ميداني على الأرض، لكن بالتأكيد حقق الكثير مما يريده من تدمير وضرب بنى تحتية وقتل المدنيين، والضغط على البيئة”.
وأشار إلى أن “جيش الاحتلال يملك قوة جوية كبيرة، لا أحد يستطيع أن يضاهيها في المنطقة، لكن التفوق الجوي لا يحسم المعارك على الأرض، إذ لا بد من الدخول على الأرض حتى يكون هناك حسم ميداني حقيقي”.
واستطرد قائلاً: “هذا لم يستطع الاحتلال تحقيقه، رغم أنه عمل كثيراً على هذا الموضوع، حيث دمر البنى التحتية ودمر السكن، وسقط الكثير من المدنيين في بيئة المقاومة، وصولاً إلى اغتيال القيادات من الصف الأول والثاني والثالث، واستطاع تنفيذ ذلك بسرعة”.
وتابع الخبير العسكري الاستراتيجي: “لا بد علينا أن نعترف بأن لدى الاحتلال قوة جوية خارقة، إضافة إلى الدعم اللوجستي والمعلوماتي وغير ذلك من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية من خلال الأقمار الاصطناعية، والتتبع لكل تفاصيل الحركات لهذه القيادات، استطاع الإسرائيلي أن ينجز هذا العمل، وأن يغتال القيادات وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله، وهذا لا بد أن يقول إنه لصالح الإسرائيلي في هذه الحرب”.
لا حسم على الأرض
ونوّه إلى أن الطيران الإسرائيلي مع ما حققه، “لم يستطع أن يحسم المعركة، فالميدان لم يكن لصالحه، بل كان لصالح المقاومة وحزب الله، حيث أنه لم يستطع أن يسيطر على قرية أو مدينة حدودية مع إسرائيلية، أو يتمركز فيها”.
ولفت قاسم إلى أن “هذا يدل على أن المعارك على الحدود صعبة جداً، وأن المقاومة استعادة زمام الأمور واستعادة قوتها، وإن كانت قوة مدروسة إلى حد ما، ربما لإطالة أمد الحرب قدر المستطاع، وهذا يعد استنزافاً للقوات الإسرائيلية؛ لأننا نعرف أن إسرائيل لا تستطيع حالة استنزاف أو حرب طويلة الأمد، تريد أن تنهي الحرب بقوة”.
وأشار إلى أن الميدان العسكري على الأرض ليس في مصلحة “إسرائيل”، رغم تفوقه في الحرب الجوية، والتي لا يمكن اعتبارها إنجازاً في المعنى العسكري؛ لأن ضرب المدنيين والبنى التحتية لا يعتبر كذلك.
وبيّن إلى أنه “بعد مرور شهر ما تزال الأمور عالقة، ولا تزال الصواريخ تضرب العمق الإسرائيلي، وهذا يخلق أزمة داخل “إسرائيل”، كون المستوطنات أصبحت خالية؛ ما يشكل ضغطاً على نتنياهو وحكومته، بسبب تحويل الجليل الأعلى والمناطق الشمالية بكاملها إلى منطقة عسكرية، بعد إفراغ ساكنيها”.
انتخاب نعيم قاسم
ويرى رضوان قاسم في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الإنجاز الإسرائيلي لم يغير من واقع الأمر شيء، كما أنه لم يضعف المقاومة عسكرياً، ولم يستطع إخراجها من ساحة المعركة.
وقال: “الذي فاجئ الإسرائيلي إعادة زمام الأمور بانتخاب الأمين العام نعيم قاسم بهذه السرعة، مما أربك الوضع في الداخل الإسرائيلي، كونه لم يكن يتوقع رغم كل الاغتيالات، أن يستطيع حزب الله والمقاومة أن تستعيد زمام الأمور بسرعة، وانتخابها الأمين العام لها، سيعطيها دافع وقوة أكثر”.
واستطرد قائلاً: “هذا ما حصل، حيث رأينا أنه بعد الاغتيالات كان هناك تراجع لقوة المقاومة، لكن بعد انتخاب الأمين العام عادت تلك القوة بشكل سريع، وبدأت تقلب الموازين العسكرية لمصلحتها في الميدان”.
لا مفاوضات قبل الانتخابات
يعتقد الخبير الاستراتيجي أن “إسرائيل” ونتنياهو لا يريدون إنجاز أي اتفاق لوقف إطلاق النار في الوقت الحالي، لأنهم حسب قوله، يسابقون الزمن قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقال قاسم لـ”الخليج أونلاين”:
- طالما أن نتنياهو يستطيع اللعب بورقة الانتخابات الأمريكية والضغط بها على الداخل الأمريكي، فسيستفيد منها إلى أقصى أحد، كما أن المقاومة لا تستطيع أن تقبل بوقف إطلاق النار لأنه ليس من مصلحتها الآن، بل لمصلحة “إسرائيل”، رغم أن نتنياهو لا يريد ذلك.
- ما بعد الانتخابات الأمريكية ليس كما قبلها، تستطيع الإدارة الامريكية أن تتخلص من قيد هذه الورقة، التي يضغط بها نتنياهو من خلال كسب الأصوات اليهودية، واللوبيهات الصهيونية في الولايات المتحدة، لكن بعد الانتخابات تحترق هذه الورقة، وتصبح تلك الإدارة قادرة على وقف الحرب إذا أرادت.
- وأتوقع أن ترامب الأوفر حظاً في جولة الانتخابات القادمة، وهو ليس من هواة العسكرة، والذهاب إلى الحروب، لأن توجهه اقتصادي بشكل كامل، عكس بايدن وهاريس.
- أعتقد أن نتنياهو سيضغط بورقة الانتخابات حتى حصولها، ولن يقبل بالوصول إلى اتفاق، كذلك “حزب الله” والمقاومة لا تريد الوصول إلى اتفاق في هذا الوضع بالذات؛ لأنه ليس في مصلحتها، لكن فيما لو حصلت الانتخابات، سيكون وقف إطلاق النار لمصلحة المقاومة وليس لمصلحة “إسرائيل” وهنا تكون المقاومة قد انتصرت المقاومة في صمودها خلال الفترة الماضية.
- لهذا اعتقد أن الأمور ستذهب على التصعيد أكثر فأكثر حتى حصول الانتخابات، أخشى ما أخشاه من تدخل خارجي، يقلب الأمور رأسا على عقب، وعندها ربما ندخل في حرب إقليمية، لن تقف عند الحدود مع إسرائيل مع لبنان، بل تصبح حرباً إقليمية وربما حرب دولية أيضاً؛ لأن أي حرب إقليمية الآن ربما يكون لها تأثير على الخارج.