بعد أول اتصال رسمي.. ما آفاق العلاقة بين الإمارات وسوريا الجديدة؟
مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون”:
يمكن للإمارات أن تستفيد من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، مما يعزز التعاون الاقتصادي ويعود بالنفع على الجانبين
مثّل سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، مرحلة جديدة من السياسة والعلاقات بين سوريا ودول المنطقة التي تلقفت هذا الحدث المفاجئ بشكل متباين، انطلاقاً من مواقفها السابقة.
من تلك الدول الإمارات، التي ظلت حتى اللحظة الأخيرة، على تواصل مع الدولة السورية بقيادة الأسد، وفور سقوطه شرعت أبوظبي في استكشاف معالم المرحلة المقبلة في سوريا، مثلها مثل بقية دول المنطقة.
ويوم الاثنين (23 ديسمبر)، تقدمت الإمارات خطوة تجاه سوريا الجديدة، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، بوزير الخارجية في حكومة سوريا الانتقالية أسعد الشيباني.
وكانت الإمارات أيضاً من أوائل الدول التي استأنفت عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق، بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، فكيف تبدو آفاق العلاقات الثنائية بين أبوظبي وإدارة سوريا الجديدة؟
مباحثات رسمية
في أول تواصل رسمي بين أبوظبي ودمشق ما بعد الأسد، بحث وزيرا خارجية البلدين “سُبل تعزيز العلاقات الأخوية في المجالات ذات الاهتمام المشترك”.
الوزير الإماراتي، أكد على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا، و”دعم بلاده لجميع الجهود والمساعي المبذولة، بهدف الوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري في الأمن والتنمية والحياة الكريمة”، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.
وفور سقوط الأسد، أصدرت الخارجية الإماراتية بياناً أكدت فيه حرصها على وحدة وسلامة سوريا وضمان الأمن والاستقرار للشعب السوري، داعيةً كافة الأطراف السورية إلى “تغليب الحكمة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ سوريا للخروج منها بما يلبي طموحات السوريين”.
وكانت الإدارة السورية الجديدة قد أعربت في 12 ديسمبر الجاري، عن شكرها للإمارات وسبع دول عربية وأجنبية على استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق، بعد 4 أيام فقط من فرار الأسد.
نشاط دبلوماسي
شهدت الدبلوماسية الإماراتية نشاطاً كبيراً قبل وبعد سقوط الأسد، فالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد كان الزعيم العربي الوحيد الذي أجرى اتصالاً هاتفياً بالأسد في آخر أيامه بسوريا، حيث أكد في 30 نوفمبر الماضي، وقوف أبوظبي إلى جانب دمشق “في مواجهة الإرهاب”، لكنه أكد أيضاً دعم الجهود والمساعي المبذولة لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية.
وبعد سقوط الأسد، كثفت الإمارات عبر وزير خارجيتها المباحثات حول سوريا مع عدد من دول المنطقة والعالم، كما شاركت في اجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية الذي عُقد في مدينة العقبة الأردنية يوم 14 ديسمبر لمناقشة الوضع السوري.
المقاربة الإماراتية
الموقف الإماراتي من النظام السوري، تطور طيلة السنوات الـ13 الماضية، إذ أيدت في البداية مطالب الإطاحة ببشار، لكن موقفها تحوّل منذ عامين بعد فشل إسقاط النظام، وساهمت بشكل كبير في إعادة الأسد إلى حضيرة الجامعة العربية، وكانت أبوظبي أولى المحطات العربية للأسد بعد سنوات من القطيعة، فاستقبله رئيس الإمارات مطلع يناير 2023.
وقال مستشار الرئيس الإماراتي أنورق قرقاش، إنه “منذ بدايات الثورة السورية عام 2011، حافظت الإمارات على موقف متزن وواقعي يستند إلى سيادة سوريا ووحدة أراضيها ودعم شعبها واحتضانه، والتصدي للإرهاب، من خلال عضوية التحالف الدولي، والموقف في الجامعة العربية، والدعم الإنساني للأشقاء السوريين”.
وأضاف المسؤول الإماراتي في تدوينة نشرها يوم 23 ديسمبر الجاري على منصة “إكس”، أن هذا “يبقى النهج الذي يوجه الإمارات عربياً ودولياً”.
بدوره قال الأكاديمي الإماراتي المقرب من القيادة الإماراتية عبدالخالق عبدالله، إن بلاده واحدة من 4 دول لديها القدرة والاستعداد لمساعدة الشعب السوري لاستعادة عافيته واستقراره وازدهاره ووحدته.
وأشار عبد الله في تدوينة على منصة “إكس”، إلى أنه يجب أن تتعاون بلاده “وقطر وتركيا والسعودية مع بقية الدول العربية، وبالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي وخاصة أمريكا التي تعود بقوة إلى سوريا ما بعد روسيا وايران”.
وحتى اللحظة لم تُحدد أبوظبي موعد افتتاح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، كما تتجه الأنظار إلى مصير أقارب الأسد والقيادات المقربة منه، المتواجدين حالياً في الإمارات، وما إذا كانت ستتعاون في حال طلبت الإدارة السورية الجديدة تسليمهم لأيدي العدالة في سوريا.
فرصة للتعاون
مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة، الدكتور سمير العبد الله، يرى أن العلاقة بين الإمارات والإدارة الجديدة في سوريا لن تختلف عن العلاقة مع بقية الدول العربية، خصوصاً أن الإدارة في دمشق أعلنت رغبتها في فتح صفحة جديدة مع الجميع، “ومع ذلك، قد يكون الموقف تجاه إيران مختلفاً، نظراً لدورها المباشر في قتل السوريين، مما يجعلها حالة استثنائية”.
وقال العبد الله في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “بالطبع، هناك تخوفات لدى الدول العربية وحتى لدى الكثير من السوريين بشأن المرحلة المقبلة، إلا أن الظروف الراهنة تفرض التعاون مع الجميع لتجاوز هذه المرحلة الصعبة، وهنا تقع مسؤولية كبيرة على حكومة دمشق، التي يجب أن تسعى لإرسال رسائل طمأنة واضحة إلى الداخل والخارج على حد سواء، وهذا ما سيساعد على عودة العلاقات بشكل أسرع”.
أما بالنسبة للإمارات، “فهي من الدول التي دعمت السوريين منذ البداية، ورغم تغيّر موقفها لفترة، فإن ذلك كان جزءاً من تغيّر أوسع شمل معظم الدول، خاصة مع ظهور جماعات راديكالية مثل داعش. حتى تركيا، قبل أشهر قليلة، قدمت دعوات متكررة لعقد لقاء بين الرئيس رجب طيب أردوغان والأسد، ولو أن الأسد استجاب لتلك الدعوات، ربما كان الوضع مختلفاً الآن”.
ويضيف قائلاً: “من المفيد للجانبين، سوريا والإمارات، الإسراع في إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، فهذا سيسهم في تفعيل الدور الإماراتي إلى جانب بقية الدول العربية، ويمكنها من لعب دور إيجابي في دعم عملية الانتقال السياسي في سوريا، وباعتبار الإمارات دولة مهمة وفاعلة في المنطقة، فإن وجودها بشكل مؤثر في دمشق قد يحقق توازناً مع القوى الأخرى التي قد تسعى لفرض أجنداتها الخاصة على السوريين”.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع أقارب الأسد المتواجدين في الإمارات، يرى العبد الله أن “هذه المسألة يمكن حلها عبر الطرق القانونية أو التفاوض المباشر بين البلدين، كما أن تأثيرها على مستقبل العلاقات يبدو محدوداً، خاصة أن الإمارات تحتضن آلاف السوريين الآخرين، وليس فقط بعض أقارب الأسد”.
ويختم حديثه لـ”الخليج أونلاين” بالقول: “إذا سارت الأمور في سوريا بشكل جيد، أعتقد أن هناك فرصة كبيرة لتعزيز العلاقات بين البلدين، كما يمكن للإمارات أن تستفيد من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، مما يعزز التعاون الاقتصادي ويعود بالنفع على الجانبين”.