بزيارة بزشكيان.. إيران ترسخ علاقتها مع عُمان وسط زخم مفاوضات النووي

التوقيت ونوعية الاتفاقيات الموقعة تكشفان عن أهداف تتجاوز الأبعاد الثنائية التقليدية
في ظل تحولات متسارعة تشهدها المنطقة، جاءت زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى سلطنة عُمان في 27 مايو 2025 لتؤكد على الأهمية التي توليها طهران للعلاقات مع مسقط، الحليف التقليدي والوسيط الدائم في ملفاتها الأكثر حساسية، وفي مقدمتها البرنامج النووي.
وعلى الرغم من أن الزيارة بدت بروتوكولية في ظاهرها، إلا أن التوقيت ونوعية الاتفاقيات الموقعة تكشفان عن أهداف تتجاوز الأبعاد الثنائية التقليدية.
استُقبل الرئيس الإيراني في قصر العلم بالعاصمة مسقط من قبل السلطان هيثم بن طارق، في أول زيارة خارجية له إلى دولة خليجية منذ توليه منصبه، وهو ما يعكس بوضوح اختيار طهران لعُمان كبوابة أولى نحو مجلس التعاون في المرحلة الجديدة من رئاسة بزشكيان.
وتكتسب هذه الزيارة رمزية خاصة في وقت تشهد فيه المفاوضات النووية مع القوى الغربية حالة من الحراك برعاية السلطنة، ما يمنح لعُمان فرصة جديدة للعب دور دبلوماسي فاعل في تقريب وجهات النظر وربما التوصل لاتفاق جديد، لاسيما أن مسقط سبق أن استضافت محادثات سرية أدت إلى اتفاق 2015.
زيارة استراتيجية
الزيارة التي وصفتها وسائل إعلام إيرانية بـ”الاستراتيجية” شهدت توقيع 18 وثيقة تعاون في مجالات تشمل الاقتصاد والطاقة والدفاع والصحة والنقل والتقنيات والمعادن، ما يدل على رغبة الطرفين في الانتقال بالعلاقات إلى مرحلة أكثر شمولاً وتكاملاً.
وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية، فإن التفاهمات الجديدة تهدف إلى رفع حجم التبادل التجاري من نحو ملياري دولار في 2024، إلى ما بين 20 و30 مليار دولار في السنوات المقبلة، وفق جمال رازلي جهرمي، رئيس الجانب الإيراني في “مجلس الأعمال العُماني الإيراني”.
وينقل التلفزيون الإيراني عن منظمة الجمارك المحلية، أن الميزان التجاري مع عُمان حقق فائضاً قدره 764 مليون دولار عام 2024، بينما كان هذا الرقم 570 مليون دولار في 2023، مضيفاً أن السلطنة تستقبل نحو 2.68% من إجمالي صادرات إيران، في حين أن الواردات منها تشكل نحو 1.08% من إجمالي واردات طهران.
ويقول وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العماني قيس بن محمد اليوسف، إن التبادل التجاري بين البلدين نما بنسب كبيرة وفي العام الماضي فقط نما بنسبة تفوق 50%.
وشهدت الاستثمارات الإيرانية نمواً كبيراً؛ فقد ارتفع عدد شركاتها في عُمان بنسبة 70% بمختلف القطاعات، ومنها تم افتتاح مصنع شركة صناعة الأدوية الحيوية والبحث والتطوير الإيرانية في السلطنة، وفق الوزير.
وأوضح أنه تم إنشاء مصنع لتصنيع وإنتاج المنتجات البتروكيماوية، بالإضافة إلى مشروعات أخرى لإنتاج الملح الصناعي والأسمدة وصناعة الحافلات، مشيراً إلى أن مجمع “الصاروج” يعد أحد الاستثمارات العُمانية المهمة في إيران.
وبالعودة إلى تصريحات بزشكيان فإنها تشير إلى رؤية اقتصادية جديدة تستند إلى مبدأ “التكامل الإقليمي المحايد”، بحيث يتم تحييد العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج عن التوترات السياسية.
وقد شدد الرئيس الإيراني خلال الزيارة على أهمية الربط بين الموانئ والمطارات العُمانية والإيرانية، لتسهيل الحركة التجارية وتعزيز خطوط الإمداد بعيداً عن ممرات بحرية قد تكون عرضة للتوتر.
ويأتي التركيز على الجانب الاقتصادي في وقت تواجه فيه طهران قيوداً متزايدة على صادراتها النفطية بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، مما يجعل من عُمان شريكاً مثالياً في استراتيجيات الالتفاف على الحصار.
وتشير تقارير إيرانية إلى وجود نية لتأسيس منطقة تجارة حرة مشتركة في المناطق القريبة من بندر عباس وصحار، كخطوة أولى لتوسيع النشاط التجاري والصناعي الإيراني في منطقة الخليج.
رغبة إيرانية لتجديد الثقة
على الصعيد السياسي، تعكس الزيارة رغبة إيرانية واضحة في تجديد الثقة مع محيطها الخليجي، مستفيدة من سياسة الحياد العمانية التي مكنتها تاريخياً من التواصل مع جميع الأطراف.
وقد أعرب بزشكيان عن امتنانه للسلطان هيثم على ما تبذله السلطنة من جهود في دعم الحوار الإقليمي، مبرزاً أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه مسقط في التمهيد لاستئناف المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة.
وتتزامن الزيارة مع تصريحات لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين تتحدث عن “نوافذ صغيرة” ما تزال مفتوحة للحوار مع إيران بشأن الملف النووي، وقد التقطت طهران هذه الإشارات وأدرجتها في جدول أعمال زياراتها الإقليمية الأخيرة، والتي كانت عُمان محطتها الأبرز.
كما تتضمن الزيارة مؤشرات على تحركات إيرانية جديدة في سياق شراكة أوسع في المنطقة، لا سيما في ظل التقارب الإيراني مع روسيا والصين.
ويُنظر إلى علاقات إيران مع عُمان كحلقة وصل بين الشرق الآسيوي والخليج، خصوصاً مع توجه السلطنة نحو التنويع في تحالفاتها الاقتصادية.
توقيت هام
يقول الصحفي والكاتب السياسي العماني عوض بن سعيد باقوير لـ”الخليج أونلاين”، إن زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى السلطنة جاءت في توقيت هام على الصعيد السياسي، في ظل تواصل المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وبعد اختتام جولتها الخامسة في روما بمقر السفارة العمانية.
وأشار باقوير إلى عدة نقاط محورية في هذا السياق:
– الزيارة تمت في ظل علاقات تاريخية بين مسقط وطهران، وفي ظل تنامي التعاون الاقتصادي والاستثماري، حيث تقترب قيمة الشراكات بين البلدين من ملياري دولار.
– العلاقات العمانية الإيرانية ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى قرون من التفاعل، وهناك الجوار البحري بين البلدين، حيث يشرفان على مضيق هرمز، الذي تمر عبره نسبة كبيرة من إمدادات الطاقة العالمية.
– تم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية في مجالات اقتصادية وتجارية، إضافة إلى مجالات الفضاء والإعلام.
– العلاقات العمانية الإيرانية تمثل نموذجاً قائماً على الاحترام المتبادل والتعاون المستمر، من خلال التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي.
– مسقط لعبت دوراً محورياً في تحسين علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأسهمت بشكل كبير في عودة العلاقات الإيرانية السعودية.
– جهود الوساطة العمانية تدعم المفاوضات الأمريكية الإيرانية للتوصل إلى حل منصف ومقبول بشأن الاتفاق النووي، خاصة في ظل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2015.
– توقيت زيارة الرئيس الإيراني يتماشى مع تحركات دبلوماسية مكثفة من سلطنة عمان لدفع مسار التفاوض بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني.
– الكيان الإسرائيلي يسعى إلى عرقلة هذه المفاوضات ويهدد بشن ضربات عسكرية ضد إيران.
– هناك إرادة سياسية لدى القيادة الإيرانية والإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق، مع أجواء من التفاهم المتبادل والتنازلات المتقابلة.
– الجولة الخامسة الأخيرة في روما شهدت تقديم آليات عمانية جديدة لدفع المفاوضات نحو النجاح والتوقيع على إطار اتفاق، من شأنه أن يجنب المنطقة حرباً كارثية قد تهدد الأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة الأوسع.
مفاوضات طهران وواشنطن
وشهدت سلطنة عُمان مؤخراً دوراً محورياً في استضافة 3 جولات من المفاوضات الـ5 التي انعقدت بين واشنطن وطهران، كما أن الجولتين التي انعقدتا في روما كانت برعاية مسقط أيضاً.
وكانت الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة، والتي عُقدت في روما بتاريخ 23 مايو 2025، هي آخر جولة وأقيمت بوساطة مباشرة من وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، فيما جاءت زيارة الرئيس الإيراني إلى مسقط قبيل الجولة السادسة المرتقبة.
ورغم أن الجولة الخامسة لم تُسفر عن اتفاق نهائي، إلا أن الطرفين وصفا المحادثات بأنها “بناءة” و”احترافية”، مع الإشارة إلى إحراز تقدم جزئي في بعض النقاط الخلافية.
وتركزت المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني، حيث تطالب الولايات المتحدة بوقف كامل لعمليات تخصيب اليورانيوم، بينما تصر إيران على حقها السيادي في التخصيب لأغراض سلمية. وقد قدمت عُمان مقترحات تهدف إلى تقريب وجهات النظر، مما أضفى على المحادثات طابعاً إيجابياً رغم التعقيدات القائمة.
وتُعزى الثقة المتبادلة بين الأطراف إلى سياسة الحياد التي تنتهجها سلطنة عُمان، وعلاقاتها الجيدة مع كل من إيران والولايات المتحدة، مما يجعلها وسيطاً موثوقاً في مثل هذه القضايا الحساسة.