بخطوة جريئة.. عُمان تدشن عصر صناعة أشباه الموصلات المتقدمة

يعد هذا المشروع الأول من نوعه في المنطقة، ويمثل خطوة جريئة نحو دخول السلطنة إلى قطاع تصنيع أشباه الموصلات.
يشهد سوق صناعة أشباه الموصلات نمواً متسارعاً بسبب الطلب المتزايد على هذه التقنيات، لاسيما مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وشبكات الجيل الخامس، والقيادة الذاتية، وهو ما تسعى سلطنة عُمان لتسجيل حضور بارز فيه.
وفي خطوة تعد الأولى من نوعها على مستوى الخليج، أبرمت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات العُمانية مذكرة تفاهم مع شركة “إي أو إن إيتش برايفت هولدينجس” الكورية (AONH) لتطوير رقائق وأشباه موصلات متقدمة.
وستستخدم هذه الرقائق الذكاء الاصطناعي في السيارات ذاتية القيادة وتدريب الخوارزميات والنماذج اللغوية الذكية، وسيقام في المنطقة الحرة بصلالة بمحافظة ظفار.
كما يعد هذا المشروع الأول من نوعه في المنطقة، ويمثل خطوة جريئة نحو دخول السلطنة إلى قطاع تصنيع أشباه الموصلات، الذي يتوقع أن يصل حجمه عالمياً إلى تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقاً لتقارير شركة “ماكينزي” الأمريكية.
تعزيز الصناعة الرقمية
وتمثل هذه الخطوة جزءاً هاماً من برنامج الصناعة الرقمية التابع للبرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، والذي يتماشى مع رؤية عُمان 2040 الهادفة إلى جعل التقنية والابتكار الرقمي ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني.
ووقع المذكرة كلاً من علي بن عامر الشيذاني وكيل الوزارة للاتصالات وتقنية المعلومات العماني، وستيف تشاو، رئيس مجلس إدارة شركة (AONH).
وأشار الشيذاني خلال مؤتمر صحفي للإعلان عن المذكرة إلى أن “المشروع سيساهم في دخول سلطنة عُمان إقليمياً ودولياً في مجال تصميم وتصنيع أشباه الموصلات وتقنيات التغليف المتقدمة”.
كما أوضح أنه “سيضع السلطنة على خارطة الابتكار التكنولوجي المتقدم، مستقطباً استثمارات جديدة إلى هذا القطاع الحيوي، وأنه يحفز الابتكار التقني المحلي وجهود البحث العلمي في مجال الإلكترونيات الدقيقة، ويسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والتقدم التقني والتنمية المستدامة في عُمان”.
من جانبه أوضح ستيف تشاو أن “اختيار سلطنة عُمان كشريك استراتيجي في هذا المشروع لم يكن مصادفة، بل جاء نتيجة لموقعها الاستراتيجي وبيئتها الجاذبة للاستثمارات، إضافةً إلى البنية التحتية القوية التي تشمل الطاقة، والمياه، وشبكات الطرق، والمنافذ البرية والبحرية والجوية”.
وأضاف أن “المشروع سيساهم في تعزيز قدرات التصنيع بدءًا من حلول الذاكرة عالية الأداء وصولًا إلى الجيل الجديد من رقائق الذكاء الاصطناعي، وسيعزز مكانة عُمان على خارطة صناعة أشباه الموصلات من خلال عمليات تصنيع متقدمة تلبي الطلب المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي”.
كما أشار إلى أن الشركة “تسعى لجذب أفضل الكفاءات العالمية؛ ليكون المصنع في محافظة ظفار نواة للباحثين والمهندسين والمطورين العالميين لابتكار حلول تساهم في تصنيع أشباه الموصلات وتطوير صناعة مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي” موضحاً أن “عمليات الإنتاج ستبدأ بعد ثلاث سنوات من التأسيس”.
وأشارت خلود بنت خميس الحضرمية، أخصائية استثمار تقني في وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات العمانية، إلى أن “صناعة أشباه الموصلات تُعد من أكثر الصناعات تطلباً لرأس المال. وأكدت أن هذا المشروع يسعى لتوطين هذه الصناعة المتقدمة في السلطنة، بحيث تصبح عُمان وسيطاً رئيسياً بين المطورين والمصنعين والمستهلكين، مما يعزز شبكات التعاون الدولية وسلاسل التوريد العالمية”.
وأضافت أن “المشروع سيسهم في إيجاد فرص عمل جديدة، وتعزيز ارتباط القطاع البحثي والأكاديمي بسوق العمل، وتهيئة بيئة محفزة للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، كما يفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية في هذا المجال”.
صناعة الحاضر والمستقبل
تواصل سلطنة عُمان جهودها لتعزيز موقعها في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، إذ تعمل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، بالتعاون مع وزارتي العمل والتجارة والصناعة وترويج الاستثمار، على استكشاف فرص استثمارية مع عدد من الشركات العالمية المتخصصة في تصنيع أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية.
كما تستهدف هذه الجهود استقطاب الشركات الكبرى لتأسيس مقار ومراكز تشغيل لها في السلطنة، إلى جانب توفير فرص عمل للكوادر الوطنية التي يجري تدريبها وتأهيلها للمشاركة في فرق الإنتاج.
في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين” وصف المحلل الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي المشروع الجديد بأنه “صناعة الحاضر والمستقبل”، مشيراً إلى أن “هذه الخطوة ستسلط الضوء على عُمان كمركز جديد في سباق صناعة أشباه الموصلات”، وأضاف:
-
الدخول في هذا القطاع يعني وضع السلطنة ضمن قائمة الدول الرائدة في هذه الصناعة المستقبلية، مما يسهم في تعزيز مكانتها الاستثمارية الدولية.
-
أحد أهم فوائد هذا المشروع يتمثل في تأهيل الشباب العماني ليصبحوا خبراء في تصميم وتصنيع أشباه الموصلات، مما يمكنهم من العمل داخل عُمان أو تصدير مهاراتهم إلى الأسواق العالمية.
-
المشروع سيوفر فرص عمل للعُمانيين في الصناعات الأولية والمساندة، بالإضافة إلى دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتكون جزءًا من سلاسل الإمداد العالمية.
-
هذا الاستثمار لا يقتصر على تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية فحسب، بل يهدف أيضاً إلى تعظيم العوائد الاقتصادية عبر تصنيع المنتجات داخل السلطنة بدلاً من استيرادها.
-
توقيع مذكرة التفاهم هذه يمثل مجرد البداية، ومن المتوقع أن تجذب المزيد من المستثمرين الدوليين إلى السلطنة، مما يعزز تنويع مصادر الدخل الوطني ويجعل عُمان مركزاً بحثياً وعلمياً عالمياً في هذا المجال.
وسبق أن استضافت مسقط في فبراير 2023 القمة الدولية للتنفيذيين في أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، بمشاركة واسعة من كبرى الشركات العالمية العاملة في هذا المجال، ما عزز مكانة السلطنة كمركز ناشئ في هذه الصناعة الحيوية.
كما شهد العام نفسه إنجازاً بارزاً، حيث احتفلت سلطنة عُمان بتصميم أول رقائق إلكترونية متقدمة محلياً، حملت اسمَي “عُمان-1” و”عُمان-2″، وذلك بجهود مصممين عُمانيين، في خطوة تعكس طموح السلطنة نحو تحقيق استقلالية تكنولوجية وتعزيز قدراتها في مجال تصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية.