الاخبار

النزوح في غزة.. معاناة إنسانية جديدة للعائلات بمواجهة المجهول

الاحتلال أنذر آلاف العائلات الغزية بضرورة الخروج من منازلهم مع استئنافه للحرب

مع ساعات الصباح الأولى لليوم الثامن عشر من شهر رمضان المبارك، اضطرت عائلة أبو طعيمة إلى النزوح من بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إلى منطقة المواصي غرباً، بعدما ألقت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منشورات تطالب السكان بمغادرة منازلهم على الفور.

لم تجد العائلة، التي تتألف من سبعة أفراد، خياراً سوى ترك منزلها قسراً بعد أن كانت قد قررت خلال أيام العدوان السابقة التمسك بالبقاء في مسكنها وعدم المغادرة، إلا أن القصف الإسرائيلي العنيف الذي استهدف البلدة أدى إلى استشهاد ثلاثة من أفراد العائلة، وإصابة آخرين بجروح خطيرة، مما أجبر من تبقى منهم على النزوح خوفاً من المصير ذاته.

واستأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة بسلسلة غارات جوية عنيفة استهدفت مناطق متفرقة، مما أسفر عن سقوط قرابة ألف شهيد وجريح، بينهم قيادات في حركة “حماس”، في تصعيد عسكري جديد بعد أكثر من 58 يوماً من وقف إطلاق النار.

تحت صوت القصف، وعلى عجالة، جمعت أم محمد أبو طعيمة بعض الطعام والفرش ووزعتها على أبنائها قبل مغادرتهم المنزل، حيث ساروا جميعاً مشياً على الأقدام لمسافة تقارب 12 كيلومتراً باتجاه الغرب، وسط غياب تام لوسائل النقل، في مشهد يختزل حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها النازحون.

خلال الرحلة الشاقة والطويلة، كابد أفراد العائلة التعب والإنهاك، محاولين جاهدين التغلب على ثقل الأمتعة التي حملوها على أكتافهم، بينما كان الخوف من قصف الطائرات الإسرائيلية المتربصة بالنازحين يزيد من معاناتهم، حيث شهدت الفترات السابقة استهداف عدد من النازحين على الطرق، ما جعلهم يسيرون بحذر شديد، مترقبين كل حركة في السماء.

تقول أم محمد لمراسل “الخليج أونلاين”: “أصعب ما في هذه الحرب هو النزوح وترك المنزل.. في تلك اللحظة، نشعر وكأن أرواحنا تنتزع منا، نختنق بالحزن والألم، لأننا ندرك جيداً أننا مقبلون على معاناة لا تحتمل”.

حال وصول عائلة أبو طعيمة، وجدت نفسها في مواجهة واقع أكثر قسوة، إذ لم تجد مأوى يحميها، ولا حتى خيمة تقيها البرد أو المطر.

وجدت العائلة نفسها وسط آلاف النازحين الذين يفترشون الأرض داخل مخيمات غير مجهزة، حيث الخيام المهترئة، والافتقار إلى المرافق الأساسية من حمامات ومياه نظيفة، فضلاً عن اكتظاظ النازحين في مساحة محدودة؛ ما يجعل انتشار الأمراض أمراً لا مفر منه، كما أن القصف الإسرائيلي لم يستثنِ حتى تلك المناطق، ووضع الجميع تحت تهديد الموت في أي لحظة.

تضيف أم محمد: “أنا أفضل الموت تحت سقف منزلي على أن أعيش هذه المأساة، ولكنني مضطرة للنزوح من أجل أطفالي. فقد تعرضنا سابقاً للقصف، وندرك تماماً المخاطر المحدقة بنا إن بقينا في منازلنا”.

حياة الجحيم

عائلة أبو طعيمة ليست وحدها في هذه المحنة، فقد انضمت إلى قوافل النازحين التي تحركت من شرق خان يونس إلى غربها ووسطها، بعضهم سار على الأقدام، وآخرون استخدموا عربات تجرها الحيوانات، وكلهم يحملون ما استطاعوا حمله من متاعهم القليل.

ومن بين هذه العائلات، كانت عائلة إسحاق التي اضطرت إلى مغادرة بلدة عبسان بعد أن استهدفت القذائف المدفعية الإسرائيلية حيهم، وألقت الطائرات الحربية صواريخها على منازلهم.

يقول رب العائلة، أبو محمد إسحاق: “النزوح من المنزل هو أقسى ما يمكن أن يمر به الإنسان، فهو ليس مجرد مغادرة لمكان الإقامة، بل هو ترك لكل شيء: الأمان، الذكريات، والخصوصية”.

ويضيف إسحاق لـ”الخليج أونلاين” أن النزوح في شهر رمضان “هو كارثة تفوق الوصف”، فقد كانوا قد عادوا إلى منزلهم بعد سريان وقف إطلاق النار يوم 19 يناير، وعاشوا فترة قصيرة من الراحة والشعور بالاستقرار عقب نزوح دام عاماً وثلاثة أشهر في المخيمات والمدارس، لكنهم وجدوا أنفسهم مجبرين مرة أخرى على خوض تجربة النزوح القاسية.

أكثر ما يقلق إسحاق الآن هو إيجاد مساحة في منطقة المواصي لإقامة خيمة لعائلته، ليتمكنوا من الاحتماء بها طوال فترة النزوح غير المعلوم مداها. فمع تزايد أعداد النازحين يوماً بعد يوم، أصبحت فرص إيجاد مأوى مناسب شبه معدومة، مما يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة في ظل التصعيد العسكري المستمر.

ويتابع: “النزوح مع العائلة لا يعني فقط فقدان المسكن، بل هو معاناة تتفاقم كل يوم، فالأطفال يعيشون بلا مدارس، والمرضى بلا علاج، والعائلات بلا طعام أو ماء نظيف، وهي رحلة جحيم ثقيلة ومجهولة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى