“المقاتل غير الشرعي”.. قانون إسرائيلي لشرعنة اعتقال آلاف الفلسطينيين

يتناقض القانون مع معايير حقوق الإنسان التي تنص عليها المواثيق الدولية
في ظل السياسات الإسرائيلية المتشددة تجاه الفلسطينيين، يبرز قانون “المقاتل غير الشرعي” كأحد الأدوات القانونية التي تتيح لسلطات الاحتلال اعتقال الأفراد دون تهمة محددة أو محاكمة عادلة، حيث عملت على استخدامه بعد 7 أكتوبر 2023.
يثير هذا القانون جدلاً واسعاً بسبب مخالفته للقوانين الدولية وانتهاكه لحقوق الإنسان، حيث يستخدم لاحتجاز آلاف الفلسطينيين في ظروف قاسية دون مبررات قانونية واضحة من قبل سلطات الاحتلال.
صدر قانون “المقاتل غير الشرعي” في “إسرائيل” عام 2002، في أعقاب الانتفاضة الثانية، ويهدف إلى منح جيش الاحتلال صلاحيات واسعة لاحتجاز الأفراد الذين يعتبرون تهديداً أمنياً دون الحاجة إلى تقديم أدلة قانونية ضدهم.
وفقاً لهذا القانون، يعرف “المقاتل غير الشرعي” بأنه أي شخص ينتمي إلى مجموعة معادية لـ”إسرائيل” ولكنه لا يعتبر أسير حرب وفقاً لاتفاقيات جنيف، ويستند إلى تبرير احتجاز المعتقلين خارج نطاق النظام القضائي المدني أو العسكري.
ويتناقض القانون مع معايير حقوق الإنسان التي تنص عليها المواثيق الدولية مثل اتفاقيات جنيف، التي تضمن للفلسطينيين حقوقاً أساسية، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة.
يعطي القانون الجهات القضائية في دولة الاحتلال اعتقال الأسرى الفلسطينيين لفترات طويلة دون محاكمة، وحرمانهم من الحقوق القانونية، وعدم منحهم حقوقهم الأساسية مثل الدفاع القانوني أو الاطلاع على الأدلة ضدهم.
القانون سبق وأثار منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل “منظمة العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، والأمم المتحدة والتي اعتبرته انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
بعد السابع من أكتوبر
منذ أكتوبر 2023، قامت “إسرائيل” بعدة تعديلات على قانون احتجاز المقاتلين غير الشرعيين، وذلك لتشريع اعتقال آلاف الفلسطينيين من داخل قطاع غزة، كجزء من أنظمة طوارئ تم تفعيلها مع إعلان حالة الحرب.
أبرز المعتقلين الفلسطينيين الذين اعتقلوا وفق هذا لقانون، كان مدير مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، الدكتور حسام أبو صفية، الذي أمر قائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الإسرائيلي اللواء يارون فينكلمان، بتحويله للاعتقال بموجب “قانون المقاتل غير الشرعي”.
رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، أكد أن قانون المقاتل غير الشرعي، “يسلب المعتقلين أي من النصوص في اتفاقية جنيف الثالثة حول حماية أسرى الحرب، أو اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المعتقلين المدنيين”.
وقال عبد العاطي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “جيش الاحتلال استخدم قانون المقاتل غير الشرعي في إطار واسع، وعبر عمليات سنها ليجيز لنفسه اعتقال أسرى قطاع غزة وتحويلهم إلى مقاتلين غير شرعيين، بمعنى سلبهم حقوقهم في الزيارة، والمثول أمام المحاكم، ومعرفة التهمة”.
ويوضح أن “من يعتمد كمقاتل غير شرعي يتم الاعتداء عليه بالضرب، والاغتصاب، والصعق الكهربائي، وهو ما حدث مع أسرى قطاع غزة، بعد قرار وزير حرب الاحتلال السابق يوآف غالانت الذي أصدر أمراً باعتبار أسرى القطاع مقاتلين غير شرعيين”.
وبين أن الاحتلال يواصل اعتقال أسرى قطاع غزة كمقاتلين غير شرعيين، حيث يتعرض الأسرى للعزل والحرمان من زيارة الأهل والمحامين.
كذلك، يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن هذا القانون ينتهك على نحو خطير الحق في ضمانات المحاكمة العادلة، بالنظر لكونه يحرم المعتقل من حقه في إبلاغه بالتهمة المنسوبة، وحقه في مناقشة أدلة الاتهام وبالتالي يفقد القدرة على الدفاع عن نفسه.
ويضيف المركز في تصرح عبر موقعه الإلكتروني أن المحتجزين بموجب هذا القانون “ينتظرون 45 يوماً لتثبيت المحكمة المركزية في بئر السبع أمر اعتقالهم، مع إمكانية تمديد احتجازهم لفترات إضافية تصل إلى 6 أشهر”.
ويعد تحويل أبوصفية، حسب المركز، هو “إجراء تعسفي وخطير وغير قانوني وانتقامي، وهو في الوقت نفسه يثبت فشل النيابة العامة في إثبات ادعاءاتها وما تنسبه للمعتقل من اتهامات”.
مركز الميزان لحقوق الإنسان، أكد بدوره أن خطورة هذا القانون تكمن في كونه يعطى الصلاحية المطلقة لرئيس هيئة الأركان أو لضابط برتبة نقيب فما فوق بأن يصدر الأمر باعتقال أي شخص ماثل أمامه يشك في كونه “مقاتل غير شرعي”، أو يعتبر أن إطلاق سراحه “يمس بأمن دولة إسرائيل”، حتى لو لم يكن ذلك الشخص ماثلاً أمام رئيس هيئة الأركان أو الضابط الذي أصدر أمر الاعتقال.
يؤكد المركز أن القانون يشكل انتهاكاً جسيماً لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولاسيما اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين في زمن، كما ينتهك على نحو خطير معايير المحاكمة العادلة والحماية الواجب توفرها للمحتجزين والمعتقلين بموجب قواعد القانون الدولي.
ويشكل “قانون المقاتل غير الشرعي” مساساً خطيراً باتفاقية جنيف الرابعة، حيث يعطي رئيس أركان الجيش الحق في اعتقال أي شخص بناءً على وجود شك معقول لديه للاعتقاد بأن الشخص المعني قد يشكل تهديداً أمنياً، وأن إطلاق سراحه قد يمس بأمن الدولة، كما يجيز اعتقاله لفترة غير محددة زمنياً ودون تهمة محددة.
ونص الأمر 3 (أ – ب) على احتجاز المعتقلين من قطاع غزة في “سديت يمان”، وهو معسكر للجيش بالقرب من بئر السبع، ويسري هذا الأمر لمدة 10 أسابيع من تاريخه.
ويأتي هذا الأمر خلافاً للقانون الدولي الإنساني الذي ينص على أن المقاتلين المعتقلين هم أسرى حرب.
ويحرم هذا القانون المعتقل عملياً من حقه في الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، كما لا تُصدر لائحة اتهام بحقه أو تُوجه له تهمة محددة، ويمكن أن يستمر احتجازه دون نهاية محددة. وفي بعض الحالات، يمكن أن يبدأ اعتبار المعتقل “مقاتلاً غير شرعي” بعد انتهاء قضاء مدة حكمه في السجون الإسرائيلية على قضية سبق وأن حوكم عليها.