الاخبار

المطاعم والمقاهي بالسعودية.. سوقٌ متصاعد يعزز التحول الاقتصادي

يأتي التصاعد في الاستثمارات مدفوعاً بتغير أنماط الاستهلاك لدى فئة الشباب، وتحسن البيئة الاستثمارية

بات قطاع المطاعم والمقاهي في السعودية أحد أبرز القطاعات غير النفطية التي تشهد نمواً متسارعاً ضمن مستهدفات التحول الاقتصادي في المملكة. 

وفي ظل استراتيجية “رؤية السعودية 2030″، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، برز هذا القطاع كرافعة اقتصادية حيوية تسهم في تحفيز الاستهلاك الداخلي وخلق بيئة أعمال ديناميكية.

ويأتي التصاعد في الاستثمارات مدفوعاً بتغير أنماط الاستهلاك لدى فئة الشباب، وتحسن البيئة الاستثمارية، ودعم قطاع الضيافة والسياحة، ما يعزز مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، كما يشكل القطاع منصة لتعزيز ريادة الأعمال، عبر صعود العلامات التجارية الناشئة ونماذج الأعمال المبتكرة، من المطابخ السحابية إلى حلول التوصيل الذاتي.

أرقام كبيرة

وفقاً لصحيفة “الاقتصادية” السعودية، واستناداً إلى تقرير شركة “جاهز” لاتجاهات قطاع المطاعم والمقاهي، بلغت القيمة السوقية للقطاع 88 مليار ريال سعودي (23.46 مليار دولار) خلال عام 2024، مع توقعات بارتفاعها إلى 108 مليارات ريال (28.8 مليار دولار) بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 3.3%.

وتعد السعودية السوق الأكبر خليجياً في هذا المجال، تليها الكويت بقيمة 20 مليار ريال (5.33 مليارات دولار)، ثم البحرين بـ 15 مليار ريال (4 مليارات دولار).

وتحولت الرياض إلى مركز رئيسي للتوسع الاستراتيجي للعلامات التجارية، حيث أظهرت بيانات التقرير أن المطاعم التي بدأت من منطقة القصيم حققت زيادات بنسبة 137% في قاعدة العملاء و130% في الطلبات بعد دخولها إلى العاصمة، فيما شهدت العلامات القادمة من جدة والشرقية نمواً مماثلاً، ما يعكس دور الرياض كبوابة لتوسيع الانتشار الوطني.

ومن بين أبرز الاتجاهات الداعمة للنمو، يبرز قطاع “المطابخ السحابية” (التي تعتمد على خدمة التوصيل)، والذي سجل عالمياً قيمة سوقية تقارب 240 مليار ريال (64 مليار دولار) في عام 2023، مع توقعات بتجاوز 544 مليار ريال (145 مليار دولار) بحلول 2032، وبمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10%.

على المستوى المحلي، بلغ حجم سوق “المطابخ السحابية” في السعودية 649 مليون ريال (173 مليون دولار)، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.2 مليار ريال (320 مليون دولار) بحلول عام 2030.

ويُعد هذا النموذج أكثر مرونة وكفاءة مقارنة بالفروع التقليدية، حيث يتوسع بمعدل أسرع بثلاث مرات.

إلى جانب ذلك، يشهد قطاع التوصيل الذاتي نمواً لافتاً، حيث بلغ حجمه 4.5 مليار ريال (1.2 مليار دولار) في عام 2023، مع توقعات بارتفاعه إلى 33.3 مليار ريال (8.88 مليار دولار) بحلول 2032، مدعوماً بالاعتماد المتزايد على تقنيات متقدمة مثل الروبوتات. 

ويعكس هذا التوجه تطور البنية التحتية الرقمية في القطاع، وتزايد الطلب على الخدمات الذكية، بما يتماشى مع أهداف الرقمنة الوطنية.

خدمات بارزة

في موازاة ذلك، تسهم حلول التمويل المرن، مثل خدمة “اشترِ الآن وادفع لاحقاً”، في توسيع قاعدة المستهلكين، فيما تشير البيانات إلى أن 80% من استخدامات هذه الخدمة تتركز في المطاعم الفاخرة والمتوسطة، مما ساعد على رفع متوسط قيمة الطلب بنسبة 77% في المتاجر التموينية.

ويُلاحظ أن الأحياء الشابة في الرياض، مثل طويق وظهرة لبن والرمال، تقود هذا التوجه، في ظل هيمنة الفئة العمرية دون 30 عاماً.

ورغم التحول الرقمي، لا تزال المدفوعات النقدية حاضرة، إذ شكلت 14% من إجمالي المدفوعات، مع تسجيل أعلى نسب استخدام في مناطق مثل جازان ونجران (28%)، ثم المدينة المنورة والحدود الشمالية (27%)، والباحة (24%)، ويوفر هذا التباين فرصاً إضافية لتطوير حلول الدفع الإلكتروني وتعزيز الشمول المالي.

التأثير الكلي

على مستوى التأثير الاقتصادي الكلي، فإن توسع هذا القطاع يسهم في خلق آلاف الوظائف الجديدة، سواء في التشغيل المباشر أو عبر القطاعات المساندة، مثل الخدمات اللوجستية، والتقنية، والتوريد. 

ويدعم القطاع الابتكار في المحتوى الثقافي، كما يظهر في حالات مثل زيادة المبيعات بنسبة 17% في أحد المطاعم بعد طرح وجبة مستوحاة من ثقافة الأنمي، مع زيادات أكبر في جدة (22%) ومكة (5%)، مما يعكس تكامل القطاع مع التوجهات الثقافية الحديثة.

ويمثل قطاع المطاعم والمقاهي اليوم إحدى واجهات التحول الاقتصادي في السعودية، ليس فقط كرافد للنمو غير النفطي، بل أيضاً كمنصة لتطوير بيئة الأعمال واحتضان الابتكار، بما ينسجم مع أهداف “رؤية 2030” الرامية إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام.

وأجرت شركة “يورومونيتور إنترناشونال” البريطانية المتخصصة في أبحاث الأسواق دراسة أوضحت فيها أن عدد المطاعم بالمملكة يشهد نمواً متسارعاً، فقد تجاوز 70 ألف مطعم في مختلف أنحاء البلاد.

وكان للعاصمة الرياض النصيب الأكبر بعد وصول عدد المطاعم بها إلى 18 ألفاً، وجاءت في المركز الثاني مدينة جدة بـ 12 ألف مطعم، تليها الدمام التي تضم 6 آلاف مطعم.

عوامل التطور

هناك العديد من العوامل التي جعلت قطاع المطاعم من أكثر القطاعات نمواً بالمملكة العربية السعودية، بحسب ما تشير وسائل إعلام محلية، من بينها: 

– التحول المجتمعي وتغير نمط الحياة، بعدما شهد المجتمع السعودي العديد من التغيرات التي تجلى تأثيرها في نمو قطاع المطاعم، أبرزها اهتمام العديد من الفئات بالتجارب الاجتماعية مثل تناول الطعام خارج المنزل، وزيارة المقاهي الحديثة، وبالتالي أصبحت العديد من العائلات والشباب يفضلون زيارة المطاعم والمقاهي كنشاط يومي شائع في الكثير من الأحيان.

– وفي إطار العمل على تحقيق رؤية المملكة 2030، قدمت الحكومة السعودية دعماً كبيراً لقطاع المطاعم والمقاهي، كواحد من القطاعات المساهمة في زيادة الدخل القومي، وقد تجلى هذا الدعم من خلال التسهيلات التمويلية والتراخيص من أجل إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة في مجال الأغذية والمشروبات.

المطاعم

– ومن أبرز العوامل التي ساهمت في تحقيق طفرة هائلة بقطاع المطاعم والمقاهي، التطور الرقمي والتقني الذي شهدته المملكة، الذي أدى إلى انتشار العديد من تطبيقات التوصيل التي سهلت الوصول إلى الطعام، مما رفع من مبيعات المطاعم وزاد من انتشارها، فضلاً عن دور هذا التطور في تحسين تجربة العميل من خلال إتاحة القوائم الإلكترونية والدفع الإلكتروني والتسويق الرقمي، وهو ما زاد من الإقبال على خدمات المطاعم والمقاهي.

– على الرغم من تقدير المجتمع السعودي الأكلات السعودية التقليدية؛ إلا أن هناك شريحة كبيرة سعت لتجربة أطعمة جديدة، بفضل الانفتاح الواسع على المطابخ الأجنبية المختلفة التي تقدم المأكولات الإيطالية، واليابانية، والأمريكية، والكورية، وقد نتج عن ذلك زيادة عدد المطاعم التي تقدم أطباق جديدة وطرق طهي مبتكرة.

– عملت الحكومة السعودية على توفير بيئة جاذبة للاستثمارات، وهو ما شجع الكثير من العلامات التجارية العالمية على الاستثمار في السوق السعودي، وقد أدى ذلك إلى تحفيز نمو السوق المحلي عبر المنافسة والابتكار.

– ويعود سبب نمو قطاع المطاعم في السعودية إلى حرص المطاعم الحديثة على تقديم تجربة متكاملة للعميل، لا تقتصر على الطعام فحسب؛ بل تشمل خدمات مميزة وديكورات فاخرة، وبالتالي باتت أماكن مناسبة للتجمعات العائلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى