“المخلفات الحربية” كارثة تهدد الملايين في سوريا الجديدة
ما أبرز التحديات التي تواجه إزالة الألغام في سوريا؟
ضعف التمويل وغياب خرائط دقيقة لمواقع الألغام ومخلفات الحرب
كيف تؤثر المخلفات الحربية على حياة المدنيين؟
فاقمت الخسائر البشرية والاقتصادية وعرقلت عودة النازحين.
تعد مخلفات الحرب في سوريا من أبرز القضايا الإنسانية التي تهدد حياة الملايين من السوريين، وتشكل خطراً حقيقياً على المدنيين في العديد من المناطق، وسط غياب خرائط دقيقة لمواقع الألغام والذخائر غير المنفلقة.
يعكس هذا الوضع حجم التحديات التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد الحرب، ويستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لضمان سلامة السكان وتسريع حالة التعافي في البلاد.
ولا تقتصر مخاطر المخلفات الحربية، على تهديد الأرواح فقط، بل تعرقل أيضاً عملية إعادة الإعمار والعودة الآمنة للنازحين، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في البلاد.
تداعيات وضحايا
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان (6 يناير الجاري) عن توثيق مقتل 105 مدنياً منذ سقوط النظام، بينهم 79 رجلاً و9 نساء و17 طفلاً، وإصابة 136 بينهم نساء وأطفال، جراء انفجار مخلفات الحرب من قنابل وأجسام مجهولة.
وأشار المرصد إلى أنه مع سقوط نظام بشار الأسد واستئناف عودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم، تبرز الحاجة الملحّة إلى إزالة هذه المخلفات لضمان أمن وسلامة العائدين واستعادة الحياة الطبيعية في تلك المناطق.
وكانت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان قد أصدرت في 31 ديسمبر 2024 بياناً حذرت فيه من التهديد المتزايد للألغام الأرضية ومخلفات الذخائر العنقودية في سوريا، مشيرة إلى أنها تشكل خطراً كبيراً على حياة المدنيين، خصوصاً النازحين العائدين إلى مناطقهم.
وأحصت مقتل 3521 مدنياً بسبب انفجار الألغام، منذ عام 2011، بينهم 931 طفلاً و362 سيدة، كما أصيب أكثر من 10400 شخص بجروح متفاوتة.
وأكدت الشبكة بأن هذه الألغام تعيق العودة الآمنة للنازحين وتعرقل جهود الإغاثة وإعادة الإعمار، مما يزيد من الأعباء الإنسانية والاقتصادية في سوريا.
وبيّنت أن خارطة انتشار الألغام الأرضية ومخلفات الذخائر العنقودية في سوريا، تتركز بشكل كبير في العديد من المناطق التي شهدت معارك عنيفة، مثل إدلب، حلب، دير الزور، وحماة، إضافة إلى المناطق الحدودية مع لبنان وتركيا، وسط غياب الإشارات التحذيرية، ما يزيد من خطورة الوضع ويهدد حياة المدنيين.
كما وثّق مرصد الألغام الأرضية مقتل أكثر من 900 شخص خلال عام 2023 فقط، لتحتل سوريا بذلك المرتبة الثانية عالمياً بعد بورما في عدد ضحايا الألغام.
وإلى جانب الخسائر الجسدية المباشرة، تشير منظمة “الخوذ البيضاء” السورية، إلى أن الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة أسهمت في حرمان مجموعات سكانية بأكملها من المياه والأراضي الزراعية والرعاية الصحية والتعليم.
كما تعيق أعمال الإغاثة وقد تحرم السكان من المساعدات الإنسانية بسبب المخاطر ومن أبرز التداعيات:
- منع عودة النازحين: مخلفات الحرب تعيق عودة النازحين إلى منازلهم، خصوصاً في المناطق التي كانت نقاط تماس أو تعرضت للقصف.
- عواقب على المزارعين: تعيق مخلفات الحرب الوصول إلى الأراضي الزراعية والموارد الأساسية مثل المياه والغذاء.
- الأثر الاقتصادي: تقيد مخلفات الحرب الأنشطة الصناعية والإنتاجية، ما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والتنمية في المجتمعات الهشة، ويزيد من معدلات الفقر والبطالة.
- الصدمات النفسية: تثير مخلفات الحرب إلى مشاعر الخوف، مما يسبب صدمات نفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ويؤثر بشكل خاص على المصابين والإعاقات الدائمة.
- الضرر البيئي: تلوث المتفجرات التربة ومصادر المياه، وتهدد الحياة البرية، مما يتسبب في أضرار بيئية طويلة الأمد.
معاناة مضاعفة
يقول المحلل السياسي السوري هشام إسكيف، إن الشعب السوري عانى من حكم نظام الأسد لأكثر من خمسة عقود، وحوالي 14 عاماً من حرب وحشية ضده من قبل هذا النظام.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن “معاناة السوريين لازالت مستمرة بعد سقوط نظام الأسد، بعد أن ترك مخلفات قتله وقصفه من قنابل وصواريخ غير متفجرة وألغام زرعها في مستقبلهم”.
كما يبين إسكيف أن “الشعب السوري يبذل كل ما يملك من طاقات، لكي ينزع ما خلفه الأسد، ولكن هناك تحديات عديدة تواجه هذا الملف”.
ويشير المحلل السياسي إلى أنه رغم قلة التجهيزات، الدفاع المدني السوري “القبعات البيضاء” يقدم جهوداً وعملاً جباراً لإزالة المخلفات الحربية، لكن التركة ثقيلة في البلاد.
كما يؤكد إسكيف بأن “الألغام والمقذوفات الحربية غير المنفجرة تسببت بمقتل 25 شخصاً خلال شهر، ومنعت الوصول للأراضي الزراعية، مما سوف يتسبب بخسارة اقتصادية علاوة على خسارة الأرواح”.
جهود تطهير الألغام
ويواصل الدفاع المدني السوري جهوده رغم التحديات الكبيرة التي تواجه عمليات إزالة الألغام، أبرزها غياب خرائط دقيقة توضح أماكن انتشار تلك الألغام.
وأكّد منسق إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، محمد سامي المحمد في تصريحات صحفية، على أهمية إدراج قضية إزالة الألغام ضمن أولويات الحكومة السورية الجديدة موضحاً أن جرى التعامل مع 900 نوع مختلف من الألغام والذخائر غير المنفجرة.
كما تمكن الدفاع المدني أيضاً من إزالة أكثر من 24 ألف ذخيرة غير منفجرة منذ بداية عملها عام 2016، ويوجد حالياً 6 مراكز لإدارة الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب تضم 12 فريقاً من المتطوعين والمتطوعات، تقوم بمهام المسح والغزالة والتوعية.
من جانبها أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء مخاطر الذخائر المتفجرة مع استمرار تنقل الأشخاص بشكل كبير في سوريا.
ونوّه المتحدث باسم المنظمة، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي عقده بنيويورك، في 11 ديسمبر الماضي، عن “أكثر من 50 حقل ألغام خلال الأيام العشرة الماضية، مما يحد من حركة المدنيين ويعيق توصيل السلع والخدمات”.
وأشارت الأمم المتحدة في 7 يناير 2025 إلى أن حوادث انفجار الألغام في سوريا زادت بنسبة تفوق 300% في ديسمبر الماضي مقارنة عن شهر نوفمبر السابق له.