الاخبار

المتقاعدون في الخليج.. حماية رسمية ومسؤولية مجتمعية

تتفاوت تجارب كبار السن في دول الخليج بعد التقاعد بين المشاركة الفعّالة في المجتمع وبين مواجهة العزلة الاجتماعية. 

حكومات الخليج وضعت برامج ومبادرات متنوعة لضمان حياة كريمة للمتقاعدين، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم.

رغم أن التقاعد يُعدّ محطة طبيعية في مسيرة العطاء المهني، لكن دول الخليج العربي لم تتعامل معه بوصفه نهاية لرحلة العمل، بل باعتباره بداية لمرحلة جديدة تستحق الرعاية والتقدير.

ومن هذا المنطلق، تبنّت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي سياسات ومبادرات متكاملة تهدف إلى تحسين واقع المتقاعدين، وتوفير بيئة معيشية وصحية ونفسية تليق بمن أفنوا أعمارهم في خدمة أوطانهم.

ورغم أن حكومات الخليج وضعت برامج ومبادرات متنوعة لضمان حياة كريمة للمتقاعدين، وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم، لكن ذلك لا يعفيهم من مواجهة بعض التحديات، لا سيما العزلة الاجتماعية والغربة الرقمية التي تلقي بظلالها على حياتهم اليومية.

مبادرات للرعاية والدمج

في المملكة العربية السعودية، حظيت فئة كبار السن والمتقاعدين بعناية خاصة من خلال برامج الرعاية الاجتماعية التي تُشرف عليها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

وتقدم هذه البرامج خدمات متنوعة تشمل الدعم المالي والرعاية الصحية، فضلاً عن الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تهدف إلى دمج المتقاعدين في المجتمع.

وفي هذا الجانب، أُنشئت الجمعية السعودية لمساندة كبار السن “وقار”، التي تعمل على رفع مستوى الوعي بحقوق كبار السن وتوفير مساحات للتواصل الاجتماعي لهم.

في قطر، تحرص الحكومة على توفير بيئة اجتماعية محفزة للمتقاعدين، عبر برامج الحماية الاجتماعية التي تشمل الدعم المالي والرعاية الصحية.

وتشجع الجهات الرسمية كبار السن على المشاركة في العمل التطوعي والمجتمعي، بما يحفظ لهم دوراً فعالاً في الحياة العامة.

متابعة دقيقة

يأتي دعم المتقاعدين في دولة الإمارات ضمن رؤية شاملة للحماية الاجتماعية، حيث تقدم الدولة مخصصات مالية وعلاوات معيشية للمواطنين المتقاعدين وأسرهم.

بالإضافة إلى ذلك، تتيح برامج الرعاية المنزلية خدمات متخصصة لكبار المواطنين، إلى جانب تشجيعهم على المشاركة في الأنشطة المجتمعية التي تُبقيهم فاعلين ومندمجين في نسيج الحياة اليومية.

أما سلطنة عُمان، فقد أطلقت صندوق الحماية الاجتماعية، الذي يوفر معاشات تقاعدية ومزايا إضافية لضمان الاستقرار المعيشي للمتقاعدين.

وتعمل الحكومة العُمانية بشكل مستمر على تطوير هذه المنظومة بما يواكب متغيرات الحياة الاقتصادية، مع التركيز على دعم كبار السن نفسياً واجتماعياً.

وفي الكويت، تلتزم الدولة بتوفير الدعم المتكامل للمتقاعدين من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

وتشمل هذه الخدمات تقديم مساعدات مالية ورعاية صحية ميسّرة، إضافة إلى إنشاء مراكز متخصصة تهدف إلى إبقاء كبار السن قريبين من الحياة المجتمعية، من خلال الأنشطة الثقافية والترفيهية.

أما دولة البحرين فيشكل تحسين واقع المتقاعدين جزءاً من رؤية التنمية الاجتماعية التي تنفذها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

وتقدم الدولة معاشات تقاعدية مستقرة، فضلاً عن باقة من البرامج الصحية والترفيهية التي تسعى إلى تحسين جودة حياتهم وضمان مشاركتهم المجتمعية.

التقاعد بداية جديدة

ورغم الجهود المتواصلة التي تبذلها دول الخليج، لكن التحديات ما تزال قائمة، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة العزلة الاجتماعية والشعور بالفراغ الذي قد يعانيه بعض المتقاعدين.

وفي هذا السياق، برزت مبادرات أهلية ومجتمعية لافتة، منها تجربة متقاعدي محافظة صبيا بالسعودية، الذين أسسوا مجالس ثقافية وترفيهية تجمعهم يومياً، وتوفر لهم بيئة اجتماعية نابضة بالأنشطة والمشاركات الهادفة، بحسب صحيفة “الوطن” المحلية.

وتؤكد التجربة الخليجية أن التقاعد لم يعد نهاية المطاف، بل هو انتقال إلى مرحلة جديدة مليئة بالفرص، تستدعي الرعاية والتقدير.

وتسعى دول الخليج من خلالها إلى ترسيخ مفهوم “التقاعد النشط”، الذي يضمن للمتقاعد حياة كريمة ومكانة مستحقة في مجتمعه.

تتفاوت تجارب كبار السن في دول الخليج بعد التقاعد بين المشاركة الفعّالة في المجتمع من خلال العمل التطوعي والبرامج الداعمة، وبين مواجهة العزلة الاجتماعية.

يُبرز ذلك أهمية تطوير سياسات ومبادرات مستدامة تضمن اندماجهم وتقدير خبراتهم، مما يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي والاستفادة من إمكانياتهم في بناء المجتمع. 

بين المبادرات والتحديات

كثيراً ما يتطرق الإعلام الخليجي إلى فئة المتقاعدين، ويطرحون أفكاراً ومقترحات لدعمهم، على الرغم من الدعم الذي ينالونه من حكوماتهم.

في هذا الشأن يقول الكاتب الكويتي محمد الصقر، في مقال بصحيفة “الأنباء” حمل عنوان “المتقاعدون ومطالبهم العادلة”، إنه على الرغم من الرعاية التي توليها دولة الكويت لمواطنيها في مختلف مراحل حياتهم، لكن المتقاعدين لا يزالون يواجهون تحديات تمس كرامتهم بعد سنوات طويلة من العطاء.

ومن أبرز تلك المشكلات، اشتراط المؤسسات المالية على المتقاعد المُسنّ – حتى من بلغ السبعين من عمره – توفير كفالة من أبنائه أو وديعة مالية ليتمكن من شراء مركبة بالتقسيط، ما يُعدّ انتقاصاً من قيمته ويشعره بعدم التقدير لما قدّمه لوطنه.

ويطالب الصقر بضرورة إيجاد بدائل عملية، تضمن للمتقاعدين التعامل الكريم ورفع معنوياتهم، بما يعكس اعتراف الدولة بجهودهم الطويلة ويمنحهم شعوراً بالثقة والفخر.

 أما عبد اللطيف الضويحي، الكاتب السعودي، يحذر في مقال بصحيفة “عكاظ” من أزمة مركّبة يعيشها كبار السن، تتجلى في عزلتهم الاجتماعية وتفاقم غربتهم الرقمية، نتيجة تطور التقنيات الحديثة التي تضعهم على الهامش.

وبينما ينشغل الشباب بثورة الرقمنة والتقنيات المتسارعة، يعيش كبار السن حالة من الانسحاب والانعزال، رغم امتلاكهم لرصيد ضخم من الحكمة والتجربة والمعرفة التي يمكن أن تسهم في بناء المجتمع وتعزيز هويته الثقافية والوطنية، بحسب الضويحي.

ويؤكد الكاتب أن الخطر لا يكمن في عزلة كبار السن فقط، بل في فقدان المجتمع لأرشيفه الحيّ المتمثل في خبراتهم وتجاربهم التي تُهدر دون استثمار مؤسسي منظّم، مشدداً على ضرورة وضع برامج تُحوّل هذه الخبرات الفردية إلى محتوى معرفي مستدام يُفيد الشباب ويُعيد الاعتبار للمتقاعدين.

ويخلص الضويحي إلى أن الاهتمام بكبار السن لا يجب أن يكون بدافع البر والإحسان فحسب، بل لأنه حاجة مجتمعية ملحة لصون الذاكرة الوطنية وإثراء المحتوى الثقافي والمعرفي، بدلاً من الانزلاق إلى محتوى سطحي أو فاقد للقيمة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى