الكويت والصين.. شراكة استراتيجية تُعزز التنمية المستدامة بمشاريع عملاقة

– الاتفاقيات الجديدة بين الكويت والصين تهدف إلى تعزيز التعاون في الطاقة المتجددة والبنية التحتية، مثل محطات الطاقة والميناء.
– الصين أكبر شريك تجاري للكويت بقيمة بلغت 23 مليار دولار عام 2024.
تشهد العلاقات الكويتية الصينية تطوراً متسارعاً في مختلف المجالات، لا سيما في قطاع الطاقة المتجددة، الذي يعد أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، فضلاً عن العديد من المشاريع الاستراتيجية المهمة.
وتأتي هذه الاتفاقيات في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين، بما يواكب رؤية “كويت جديدة 2035” الساعية إلى تنويع مصادر الطاقة والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
اتفاقيات تنموية طموحة
وفي خطوة هامة نحو تعزيز الاستدامة، وقّعت الكويت والصين في 18 مارس 2025 اتفاقية تعاون لتنفيذ مشاريع كبرى في مجال الطاقة المتجددة، تشمل المرحلتين الثالثة والرابعة من محطة الشقايا، بالإضافة إلى مشروع محطة العبدلية.
وستتولى تنفيذ هذه المشاريع شركات صينية حكومية، ما يعكس عمق التعاون الثنائي بين البلدين.
وتهدف هذه المشاريع إلى إنتاج نحو 3500 ميغاواط من الطاقة النظيفة، مع إمكانية زيادة القدرة الإنتاجية إلى 5000 ميغاواط في المستقبل، ما يجعلها إحدى أكبر المبادرات في المنطقة لتعزيز الطاقة البديلة.
وتأتي هذه الاتفاقية استكمالاً للعقد الأول الذي تم توقيعه في منتصف فبراير 2025، والذي يخص مشروع ميناء مبارك الكبير، ليؤكد على التزام البلدين بالمضي قدماً في تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى.
وبحسب وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، وقع العقد وزيرة الأشغال العامة نورة المشعان، ونائب رئيس مجلس إدارة الشركة الصينية الحكومية للبناء والمواصلات المحدودة التابعة لوزارة النقل الصينية تشين جونغ.
وقالت وزيرة الأشغال العامة، نورة المشعان، إن “المشروع يهدف إلى إنشاء ميناء تجاري ليكون مركزاً إقليمياً للنقل ضمن رؤية التحول الاستراتيجي لكويت جديدة 2035 لتطوير منطقة الشمال كمنظومة اقتصادية وعمرانية متكاملة”.
كما أشارت إلى أن “المشروع سيساهم بشكل كبير في تنويع وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، واستعادة الكويت لدورها التجاري والمالي الإقليمي”.
وشدد السفير الصيني لدى الكويت، تشانغ جيانوي، في 19 مارس الجاري، على أن الاتفاقية الإطارية الجديدة، التي تتضمن الترتيبات الفنية والتعاون التقني في مجال الطاقة المتجددة، تمثل خطوة محورية نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وأوضح السفير أن هذه الاتفاقيات تأتي في سياق تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال زيارة الأمير الشيخ مشعل الأحمد إلى الصين في سبتمبر 2023، وذلك وفق توجيهات القيادة السياسية الكويتية لتسريع تنفيذ المشاريع التنموية بالتعاون مع بكين.
كما أشار السفير الصيني إلى أن هذه الاتفاقيات ليست سوى بداية لمزيد من التعاون في قطاعات أخرى مثل الصرف الصحي والإسكان، حيث من المقرر أن تزور شركة صينية جديدة الكويت قريباً للتشاور بشأن تعزيز التعاون في قطاع الصرف الصحي، إضافة إلى زيارة وفد كويتي إلى الصين لمناقشة فرص التجارة الحرة.
ومع تزايد عدد الشركات الصينية العاملة في الكويت، والذي يتجاوز 60 شركة، بات من الواضح أن الصين تلعب دوراً رئيسياً في دعم الاقتصاد الكويتي، لا سيما في قطاعي البنية التحتية والطاقة.
ووفقاً لتصريحات المسؤولين الصينيين، فإن الصين تُعد ثاني أكبر مستثمر في الكويت، وتسعى إلى تعزيز التعاون في مجالات متعددة، من بينها توفير فرص عمل للكويتيين وتعزيز الاستثمارات المشتركة.
وبذلك، تعكس هذه الاتفاقيات رؤية الكويت الطموحة نحو مستقبل مستدام، مدعومةً بشراكات استراتيجية قوية مع قوى اقتصادية عالمية مثل الصين، مما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة وتعزيز مكانة الكويت كمركز اقتصادي محوري في المنطقة.
فرصة لتنويع الاقتصاد
ويؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور، بأن الصين تعمل بشكل استراتيجي لتفعيل دورها في منطقة الخليج، من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية وإقليمية، موضحاً أن الكويت تحظى بأهمية خاصة في هذا السياق، نظراً لموقعها الاستراتيجي في مجال الطاقة واستقطاب الاستثمارات.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن الاتفاقيات الأخيرة بين الكويت والصين تمثل دفعة قوية للاقتصاد الكويتي، حيث تعزز الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
ويشير الهور إلى أن الصين، بصفتها شريكاً اقتصادياً رئيسياً، تتيح للكويت فرصاً لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، مما يساهم في تحقيق استقرار اقتصادي مستدام ومتعدد المصادر.
ويرى أن الصين يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تحقيق رؤية الكويت 2035، من خلال تقديم الدعم في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية الذكية والاستثمارات في المشاريع الضخمة.
ويبيّن الخبير الاقتصادي إلى أن التعاون في مجالات مثل الموانئ الذكية والاقتصاد الرقمي يمكن أن يساعد الكويت في التحول إلى مركز مالي وتجاري عالمي.
وحول إمكانية جعل الاتفاقيات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة الكويت نموذجاً رائداً في المنطقة، يؤكد الهور أن هذه الاتفاقيات تضع الكويت على مسار التحول إلى نموذج رائد، خاصة إذا تم تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية والرياح بكفاءة.
ويردف الهور أن التعاون مع الصين في هذا المجال يوفر التكنولوجيا والخبرة اللازمة لتطوير قطاع الطاقة المستدامة، مما يقلل من الانبعاثات الكربونية ويعزز الاستدامة البيئية.
ويشدد على أهمية تعزيز التعاون في مجالات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، حيث تعتبر الصين رائدة في هذه المجالات، موضحاً أن هذا التعاون يتطلب تبادل المعرفة والتكنولوجيا بين البلدين، وإطلاق مشاريع مشتركة في مراكز البحث والتطوير.
ويؤكد الهور بأن الكويت يمكنها الاستفادة من الخبرات الصينية في هذه المجالات لتطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز استخدام التكنولوجيا في مختلف القطاعات، مما يسرع عملية التحول الرقمي في البلاد.
علاقات استراتيجية متنامية
وتتجه علاقات الكويت والصين نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بشكل ملحوظ، مع زيادة الاستثمارات الصينية في مجالات التكنولوجيا والطاقة، وتسهم هذه الشراكة الاستراتيجية في تطوير مشاريع البنية التحتية.
وكشف السفير الكويتي لدى بكين جسام الناجم، في 27 فبراير 2025، أن العلاقات الثنائية بين البلدين تعيش أفضل أحوالها حيث استمر التبادل التجاري بينهما إذ بلغ 23 مليار دولار العام الماضي.
ومن جانبه أشاد مبعوث الحكومة الصينية الخاص لقضية الشرق الأوسط تشاي جيون، بالعلاقة الوطيدة التي تربط بين الصين والكويت وشعبيهما، مشيراً إلى وجود إمكانات كبيرة للتعاون بين البلدين في العصر الجديد؛ إذ أن ثمة استثمارات صينية ضخمة في الكويت خاصة في مجالي التكنولوجيا المتقدمة والطاقة الجديدة.
وأكد السفير الصيني تشانغ جيانوي، في 13 فبراير الماضي، بأن “الكويت أصبحت في عام 2014 أول دولة في الشرق الأوسط توقع وثائق تعاون الحزام والطريق مع الصين، ومنذ ذلك الحين، نواصل إحراز تقدم جديد في التعاون بين البلدين في مجالات التمويل وبناء البنية التحتية والاتصالات”.
وكشف جيانوي عن “ارتفاع وتيرَة الرحلات الجوية المباشرة بين مدينة الكويت وقوانغتشو إلى ثلاث رحلات أسبوعياً، يزداد عدد المسافرين الكويتيين إلى الصين، حيث أصدرت السفارة الصينية حوالي 13000 تأشيرة خلال عام 2024”.
بدوره وصف السفير الكويتي لدى بكين جاسم الناجم، في ديسمبر الماضي، علاقات بلاده مع الصين بأنها نموذج فريد للتكامل والتآزر، مشيراً إلى أن الشراكة الاستراتيجية التي أُرسيت عام 2018 عززت التعاون الاقتصادي والتجاري، مما جعل الصين أكبر شريك تجاري للكويت للعام التاسع على التوالي.
وأوضح الناجم خلال تصريحات لوكالة الانباء الكويتية، ان الصين تشارك في مشاريع كبرى ومحورية لرؤية الكويت 2035 ولخطتها الطموحة التي تصبو لتحويلها الى مركز إقليمي للنقل والتجارة مثل ميناء مبارك الكبير ومجمع الشقايا للطاقة المتجددة وجزء من مطار الكويت الدولي الجديد بالإضافة الى الجسور والطرق السريعة ومشاريع الطاقة المتجددة والمناطق السكنية كما انها شاركت في بناء المقر الجديد لبنك الكويت المركزي.
كما أكد على دور الصين في تطوير البنية التحتية للاتصالات الكويتية، حيث كانت الكويت أول دولة في الشرق الأوسط تتمتع بتغطية كاملة لشبكة “جي 5” بفضل الشركات الصينية، مع احتمالية التعاون في شبكات “جي 6” والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.