العمالة الإندونيسية في الخليج… قصة نجاح اقتصادية وثقافية متبادلة
– توجد أكبر نسبة من العمالة الإندونيسية في السعودية
– تفضل الأسر الخليجية العمال الإندونيسيين بسبب الانضباط، والخلفية الثقافية والدينية المشتركة
تُعتبر دول الخليج العربي من أبرز المراكز العالمية لاستقطاب العمالة الأجنبية، إذ تلعب دوراً محورياً في دعم اقتصاد المنطقة وتلبية متطلبات أسواق العمل المتنوعة.
ومن بين جنسيات العمالة الوافدة التي تركت بصمة واضحة، تبرز العمالة الإندونيسية التي تحتل مكانة مرموقة بفضل مهاراتها، انضباطها، وتاريخها الطويل في العمل بالمنطقة.
وينعكس ذلك في وجودها الكبير بقطاعات حيوية مثل الضيافة، الصحة، والخدمات المنزلية، ما يجعلها خياراً مفضلاً لدى الأسر والمؤسسات الخليجية.
عمالة مفضلّة
تُعد العمالة الإندونيسية جزءاً مهماً من سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة في قطاعي الضيافة والصحة، وتتميز بالمهارات العالية والتدريب الجيد، مما يجعلها خياراً مفضلاً لأصحاب العمل في المنطقة.
كما تعد العمالة الإندونيسية واحدة من أهم المجموعات الوافدة إلى دول الخليج، إذ تُقدر أعدادها بمئات الآلاف.
ووفقاً لإحصائيات من منظمة العمل الدولية ومصادر رسمية في دول الخليج، يمثل الإندونيسيون نسبة كبيرة من العاملين في قطاعات الخدمات.
وعلى سبيل المثال تستضيف السعودية العدد الأكبر من العمالة الإندونيسية، حيث يُقدر عددهم بأكثر 1.5 مليون عامل وعاملة، غالبيتهم في القطاع المنزلي والخدمات، وفقاً لإحصاءات شركة سام للاستشارات والخدمات العامة الإندونيسية المتخصصة بالعمالة الوافدة.
ويُعتبر العمال الإندونيسيين جزءاً أساسياً من سوق العمل في الإمارات، خاصة في قطاع العمالة المنزلية، حيث تشتهر بمهاراتها في الطهي، التنظيف، ورعاية الأطفال.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة البيان الإماراتية في عام 2019، بلغ عدد أبناء الجالية الإندونيسية في الإمارات نحو 105 ألف شخص، يتوزعون بين دبي وأبوظبي وباقي الإمارات.
وأما في الكويت، فقد بلغ عدد العمالة المنزلية الإندونيسية في الكويت حوالي 2000 عامل، مما يشكل نسبة 0.3% من إجمالي العمالة المنزلية في البلاد، وفقاً لما كشفته السفيرة الاندونيسية لدى البلاد، لينا ماريانا.
ويُقدَّر عدد الجالية الإندونيسية في قطر بحوالي 17 ألف شخص، وفق تقرير نشرته صحيفة الراية في أغسطس 2021، حيث يعملون في قطاعات متنوعة تشمل النفط والغاز، التعليم، الطيران، النقل، الطب، والاقتصاد.
وفي البحرين، أفادت السفارة الإندونيسية لدى المنامة في عام 2021 بوجود 7680 إندونيسياً في المملكة، 93% منهم نساء، ومعظمهن يعملن في القطاع المنزلي، وفقاً لصحيفة “الوطن” البحرينية.
انعكاسات ومنافع
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور، إن إندونيسيا تعتبر من أهم الدول المصدرة للعمالة الماهرة، إذ يتميز شعبها بالود والالتزام.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن زيادة التحويلات المالية أو تحويلات العمالة إلى إندونيسيا تمثل مصدر دخل كبير للأسر الإندونيسية، مما يعزز قدرتهم الشرائية ويحسن مستوى المعيشة ويدعم فرص أكثر للعائلات.
ويشير الهور إلى أن معظم العمالة الإندونيسية تأتي من المناطق الريفية، لذا تسهم التحويلات في تطوير هذه المناطق من خلال بناء المنازل وتمويل التعليم ورفع المستوى المعيشي في الريف.
ويبيّن الخبير الاقتصادي أن الاعتماد الكبير على التحويلات المالية قد يؤدي إلى تقليل التركيز على تطوير قطاعات الإنتاج المحلية والابتكار، كما أن فقدان العمالة الماهرة يؤثر على سوق العمل المحلي، مما يتطلب إدارة هذا الملف بتوازن واستراتيجية واضحة.
أما بالنسبة للاقتصاد الخليجي، يشير الهور إلى أهمية توفير العمالة منخفضة الأجر نسبياً، حيث أن العمالة الإندونيسية تقدم خدمات بتكاليف منخفضة، مما يدعم الأعمال المنزلية والمشاريع الصغيرة، وهذا ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الخليجي بمستويات عدة.
ويستدرك قائلاً: “لكن زيادة الاعتماد على العمالة المستقدمة من الخارج يعزز الاعتماد على العمالة الأجنبية بدلاً من تطوير القوى العاملة المحلية، ولذلك سلبيات على المدى البعيد، كما يؤدي تزايد العمال الأجانب بالضغط على البنية التحتية والخدمات مثل الصحة والتعليم”.
ويعتقد الهور أن استقدام العمالة الإندونيسية سينعكس على العلاقة بين الخليج وإندونيسيا، إذ أن تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستقدام يعمق الروابط الاقتصادية بين الطرفين، من خلال التحويلات المالية وتبادل الخدمات.
ويتابع: “الاستقدام يعزز التأثير الثقافي والاجتماعي، حيث أن العمالة الإندونيسية غالباً ما تنقل ثقافتها وتساهم في التنوع الثقافي بدول الخليج، وفي المقابل، تؤثر الثقافة الخليجية على العمالة الإندونيسية”.
ويؤكد الهور بأن تجربة الخليج في استقدام العمالة الإندونيسية تحمل منافع متبادلة، لكنها تتطلب تنظيماً أكبر، لافتاً إلى أهمية العمل على سياسات تعزز التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاعتبارات الاجتماعية والثقافية، مع حماية حقوق العمال وتطوير الكفاءات المحلية في الخليج.
أبرز المجالات
تعد الخدمات المنزلية أبرز المجالات التي يعمل بها الإندونيسيون، ويشكلون نسبة تصل إلى 60% من العاملين في هذا القطاع بدول الخليج، وفق ما ذكرته وزارة العمل الإندونيسية عام 2023.
كما تحتل العمالة الإندونيسية موقعاً مميزاً في قطاع الضيافة الخليجي، حيث تعمل في المطاعم والفنادق الكبرى، فيما يعمل العديد من الإندونيسيين كممرضين وممرضات في المستشفيات الخليجية، معتمدين على برامج تدريبية مكثفة من بلادهم. وفق ما أشارت إليه هيئة الصحة بدبي عام 2022.
ويساهم العمال الإندونيسيون في قطاع الإنشاءات والبنية التحتية، خاصة في الإمارات وقطر. بحسب بيانات وزارة الموارد البشرية القطرية لعام 2023.
وحول أسباب تفضيل العمالة الإندونيسية في الخليج، فقد اشتهرت العمالة الإندونيسية بإتقانها للعمل وانضباطها، مما يجعلها خياراً مفضلاً لدى الأسر الخليجية.
كما يتشارك الإندونيسيون والخليجيون خلفية ثقافية ودينية مشتركة، ما يسهل عملية التفاهم والتعاون.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر العمالة الإندونيسية خياراً اقتصادياً مقارنة بجنسيات أخرى تقدم خدمات مشابهة. بحسب ما ذكره تقرير سوق العمل الخليجي الصادر عام 2023.
وتمتلك العمالة الإندونيسية تاريخاً طويلاً من العمل في الخليج، مما يمنحها خبرة في تلبية احتياجات أصحاب العمل.