السودان بين التصعيد وشبح الانقسام.. حكومة موازية تُشعل الأزمة

– أعلنت قوات الدعم السريع ومكونات أخرى تشكيل حكومة موازية في مدينة نيروبي في كينيا
– الحكومة السودانية وصفت خطوة الإعلان عن حكومة موازية بأنها سلوك عدائي غير المسؤول
– قطر والسعودية والكويت أعلنت رفضها تشكيل حكومة موازية في السودان
قبل أيام، احتضنت العاصمة الكينية نيروبي، اجتماعاً ضم ممثلين عن قوات الدعم السريع، وكيانات عسكرية وسياسية أخرى، لتشكيل ما أسموها “حكومة سلام ووحدة”، لإدارة المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة السودانية المعترف بها دولياً.
هذا الإعلان، جاء في اعقاب انتصارات كبيرة حققها الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، خلال الأسابيع والأشهر الماضية، ونجاحه في السيطرة على مواقع خسرها منذ أقل من عامين.
ومن شأن تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان، أن يشكل تحولاً سياسياً مهماً في مسار الأزمة السودانية، وقد يدفع البلاد نحو التقسيم على أساس النفوذ، وهو ما حذرت منه الأمم المتحدة ودول عدة في المنطقة، فهل تقود خطوة الدعم السريع السودان إلى التقسيم؟
حكومة موازية
في 22 فبراير، وقعت قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وقوى سياسية، وحركات مسلحة أخرى، في العاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً لتشكيل حكومة موازية للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
الإعلان عن الميثاق لحكومة “سلام ووحدة” الموازية، جاء بعد أيام من المداولات في نيروبي، في تطور أثار غضباً سودانياً من كينيا، باعتبار هذا الإعلان بمثابة تهديد مباشر لوحدة السودان.
وبحسب البيان المُعلن، فإن الميثاق أشار إلى أن تشكيل “حكومة وحدة وسلام” يهدف إلى إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل، وإيصال المساعدات الانسانية وحماية المدنيين، والحفاظ على وحدة السودان الطواعية، واسترداد مسار الحكم المدني الديمقراطي، واستعادة الحقوق الدستورية لكل المواطنين دون تمييز، وإنهاء تعدد الجيش وتأسيس جيش جديد، واستراد النظام الاقتصادي والمصرفي”.
الميثاق نص على أن يكون الحكم في السودان ديمقراطياً تعددياً، وأن يكون نظام الحكم لامركزي يقوم بالاعتراف بحقوق الأقاليم في إدارة شؤنها السياسية والاقتصادية والثقافية، بحسب وكالة “الاناضول”.
ويهدف الإعلان عن ميثاق الحكومة الموازية، إلى إدارة شؤون المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، وبعض القوى الأخرى المؤيدة له، مثل دارفور وأجزاء من كردفان وغيرها.
مخاطر التقسيم
ورداً على هذه الخطوة، صعّدت الحكومة السودانية المعترف بها، ضد كينيا، مستنكرة تبنيها تشكيل الحكومة الموازية، التي تنوي قوات الدعم السريع تشكيلها.
وقالت الخارجية السودانية في بيان لها، إنها ستمضي في اتخاذ الخطوات الكفيلة بالرد على هذا “السلوك العدائي غير المسؤول”، ووصفته بأنه “سابقة خطيرة، وخروج كامل على ميثاق الأمم المتحدة والأمر التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وتهديد بالغ للأمن والسلم الإقليميين”.
وتثير خطوة تشكيل حكومة موازية في السودان مخاوف من تكرار سيناريو ليبيا أو اليمن في السودان، حيث تتواجد سلطتين متنافستين، ويبقى الأمر مرهون بالموقف الدولي والدعم الشعبي أيضاً، فضلاً عن التطورات العسكرية، حيث يواصل الجيش السوداني تقدمه في عدة جبهات.
موقف خليجي
خطوة قوات الدعم السريع، قوبلت بمواقف صارمة من قبل عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً قطر والسعودية والكويت.
ويوم الجمعة أعربت قطر عن دعمها الكامل لوحدة واستقلال وسيادة وسلامة أراضي السودان ورفض أي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية، داعية جميع الأطراف إلى إعلاء المصلحة الوطنية العليا، وتجنيب البلاد خطر التقسيم.
الخارجية القطرية في بيان لها، دعت جميع الأطراف إلى حوار شامل يقود إلى سلام مستدام، ويحفظ وحدة السودان ويحقق تطلعات شعبه في الأمن والاستقرار والتنمية.
كما أعربت الخارجية السعودية عن رفضها لأي خطوات أو إجراءات غير شرعية، تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية في السودان، قد تمس وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه، بما في ذلك الدعوة إلى تشكيل حكومة موازية.
وأكدت الخارجية السعودية في بيان لها، موقف المملكة الثابت تجاه دعم السودان، وتجاه أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، داعية كل الأطراف إلى تغليب مصلحة السودان، والعمل على تجنيب مخاطر الانقسام والفوضى.
بدورها أعربت الكويت عن رفضها لأية إجراءات غير شرعية تتم خارج إطار مؤسسات الدولة الرسمية في السودان، وتُعتبر تدخلاً في شؤونها الداخلية أو تهديداً لوحدة أراضيها.
وشددت الخارجية الكويتية في بيانها على ضرورة حماية المؤسسات الرسمية في السودان، والتزام جميع الأطراف بمخرجات “إعلان جدة” الموقع في مايو 2023، مؤكدةً موقفها الثابت تجاه سيادة السودان وسلامة شعبه وأراضيه.
تحركات الدعم السريع وحلفائها، لاقت إدانة وتحذيرات من قبل الأمم المتحدة، والخارجية الأمريكية، باعتبارها تهديداً لسيادة السودان، وتعميقاً للأزمة.
مناورة للضغط
ويبدو أن اللجوء لتشكيل حكومة منفى، ما هي إلا محاولة للضغط على الحكومة والجيش السوداني لإجبارهما على الدخول في مفاوضات مع قوات الدعم السريع وحلفائها، وهذا ما ذهب إليه الباحث السياسي السوداني عباس محمد صالح عباس.
وأضاف عباس في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “محاولة تشكيل حكومة منفى من نيروبي هي مناورة لإثارة المخاوف والضغط على الحكومة للجلوس للتفاوض مع الدعم السريع بعد فشل رهاناتهم السابقة على الحرب واختلاق الأزمات الإنسانية والتدخل الدولي”.
وقال إن خطوة إقامة حكومة موازية في الوقت الراهن، وليس في بداية الحرب، جاءت مع هزائم وتراجعات كبيرة مُنيت بها المليشيات (قوات الدعم السريع)، في عدة جبهات، واصفاً الخطوة بأنها “رد فعل على الهزائم وليس مشروعا متماسكا قابلا للتطبيق بسلاسة”.
لا تقسيم في السودان
وحول رد الحكومة والجيش السوداني، رأى الباحث عباس، أن حكومة بورتسودان، ستسعى لإفشال محاولات إقامة سلطة موازية في بعض أجزاء البلاد، لافتاً إلى أن ذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة وسلامة أراضي البلاد.
وأشار إلى أن هناك توجه دولي وإقليمي برفض المحاولات الانفصالية لما سيترتب على هذه الخطوة من تداعيات سلبية وبالتالي ستكون هناك عقبات أمام الاعتراف بأي كيان انفصالي جديد.
ولفت إلى أن ما تسعى إليه مجموعات الدعم السريع هو إقامة كيان عدواني يكون منطلقا لشن هجمات ضد مناطق أخرى في البلاد وزعزعة الأمن والاستقرار ونشر الفوضى والاضطرابات.