الرياض ودمشق.. مساعٍ لطي إرث المخدرات والصراعات
الكاتب ياسر عبد العزيز:
سوريا الجديدة بحاجة إلى اقتصاد قوي يدفع نموها.
النظام السوري الجديد يحتاج إلى السعودية بشكل كبير جداً كدولة نفطية كبيرة صاحبة اقتصاد كبير.
أظهرت القيادة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع توجهاً في إدارة علاقاتها الخارجية، ويبدو أنه أخذ يكسب ثقة المحيط الإقليمي، لا سيما السعودية، صاحبة الثقل الكبير بالمنطقة.
التقارب مع الرياض يعدّ مؤشراً على بداية حقبة جديدة من العلاقات العربية-العربية، تقوم على التعاون بدلاً من الصراع، لا سيما أن السعودية عانت كثيراً من سياسة نظام بشار الأسد الذي كانت المخدرات سلاحه المؤثر ضد دول المنطقة وخاصة المملكة.
ويرى مراقبون أنه وبعد سنوات من التوتر والقطيعة بين الرياض ودمشق، يدرك الطرفان اليوم أهمية بناء جسور التعاون لمواجهة التحديات المشتركة، مثل إعادة الإعمار في سوريا ومكافحة الإرهاب، حيث يعدّ حضور السعودية في ذلك شديد الأهمية.
رسائل تطمين
أرسل الشرع، تطمينات لدول المنطقة، خاصة السعودية ودول الخليج، وذلك في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط” (الخميس 19 ديسمبر الجاري)، جاء فيه:
-
سوريا الجديدة لن تكون منصة لإثارة القلق أو مهاجمة أي دولة عربية أو خليجية.
-
نتطلع للتعاون الاقتصادي والتنموي مع السعودية ودول مجلس التعاون.
-
نتطلع لتحقيق الحالة التنموية المتقدمة التي وصلت إليها دول الخليج.
-
السعودية وضعت خططاً جريئة جداً، ولديها رؤية تنموية نتطلع إليها أيضاً.
-
الثورة السورية انتهت بسقوط نظام الأسد، ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر.
-
سوريا اليوم دخلت مرحلة جديد، هي مرحلة بناء الدولة.
-
نسعى لبناء علاقات استراتيجية فاعلة مع دول المنطقة.
-
نحن بحاجة لإعادة بناء بلدنا وبناء الثقة فيه.
-
ما حققته فصائل المعارضة أعاد المشروع الإيراني في المنطقة 40 عاماً إلى الوراء.
-
إيران زعزعت أمن الخليج وأغرقت المنطقة بالمخدرات والكبتاغون.
-
أغلقنا سوريا كلياً كمنصة للأذرع الإيرانية.
-
الأمن الاستراتيجي الخليجي أصبح أكثر أمناً.
دعم تركي
في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها الساحة السورية، برز الدعم التركي للتغيير الجديد كأحد أهم العوامل المؤثرة في مستقبل سوريا وعلاقاتها الإقليمية، وذلك بعد أن عززت أنقرة بشكل كبير في السنوات الأخيرة علاقاتها مع عواصم خليجية كانت على خلاف معها.
وبالوقت الذي تسعى الإدارة السورية لتوطيد علاقاتها مع دول الخليج والسعودية، تكثف تركيا نشاطها لتعزيز هذه الجهود، إيماناً منها بأهمية التعاون الإقليمي في تحقيق الاستقرار والتنمية.
والأحد (15 ديسمبر الجاري)، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تصريح لقناة “العربية/ الحدث” إن هناك تنسيقاً بين تركيا والسعودية على أعلى المستويات بشأن الملف السوري، موضحاً أن أنقرة تسعى إلى سلطة مدنية ديمقراطية في سوريا وستساعد السلطة الجديدة.
وأكد فيدان أن السعودية تعيش تحولاً كبيراً بفعل رؤية 2030 التي صاغها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مشيراً إلى أن دول المنطقة لديها ملفات تنموية، كما أن لا أحد يريد اشتعال الحروب حتى لا تؤثر على مسارات التنمية.
وفد سعودي في دمشق
تطمينات الشرع وتحركات أنقرة، يبدو أنها نجحت في كسب ثقة السعودية، صاحبة الثقل الكبير بالمنطقة لبدء مرحلة جديدة تكون داعمة لدمشق.
فبحسب ما ذكرت قناة “العربية” السعودية، الاثنين (23 ديسمبر الجاري) التقى وفد سعودي برئاسة مستشار في الديوان الملكي، مع أحمد الشرع، في قصر الشعب بالعاصمة دمشق.
بدورها ذكرت قناة “القاهرة الإخبارية” أن وفداً سعودياً التقى الشرع في دمشق لبحث سبل الحفاظ على استقرار سوريا وعودة مؤسساتها إلى العمل، وتطرق إلى الرؤى المستقبلية الخاصة بوضع الجيش السوري.
في هذا الشأن يقول الكاتب السوري د. حمزة رستناوي، إن سلوك الإدارة السورية الجديدة للسياسة المتوازنة ضروري جداً في هذه المرحلة، مؤكداً وجود مصالح كبيرة لأطراف متعددة في سوريا.
ويرى في حديث لقناة “الحدث” أن المتوقع كان أن “تتحول سوريا إلى دولة فاشلة بعد سقوط الأسد؛ فيها سلاح ومليشيات وتصفيات، لكن هذا الخطر باتت نسبته أقل بكثير، وهذا يحمل مصلحة لجميع دول المنطقة”، وفق قوله.
وأكد رستناوي أن من صالح الحكومة السورية القضاء على نشاط المخدرات التي كانت تنتهجها حكومة الأسد، والعمل على إعادة الإعمار “وهذا ممكن أن تساعد فيه دول الخليج”.
حاجة سوريا إلى السعودية
الكاتب والباحث السياسي ياسر عبد العزيز، يقول لـ”الخليج أونلاين” إن السعودية تعاطت من البداية مع الثورة السورية ودعمتها، خاصة مع وجود خلافات لها مع نظام الأسد.
لكنه يلفت إلى أن ظهور الجماعات الإرهابية مثل “داعش” على الساحة السورية، وتمدد نفوذها دفع السعودية إلى التوقف عن دعم الثوار ووجهت الدعم لقتال “داعش”.
ويشير عبد العزيز إلى أنه مع طول أمد الحرب في سوريا حصل تحول جوهري، مع وجود نية دولية بقيادة أمريكا في مجلس الأمن.
وأوضح أن “هذا التحول يتعلق بتبريد الثورة السورية وإعادة هيكلة الدولة السورية من خلال كتابة دستور جديد وخرط الثوار بالدولة الجديدة بشكل أو آخر من خلال إعادة مأسسة الدولة مع خلاف صغير يتعلق بروسيا التي كانت تريد الإبقاء على الأسد والمجتمع الدولي كان على خلاف ذلك”.
ويضيف: “سعت السعودية لرجوع بشار الأسد إلى الجامعة العربية وعاد فعلاً واستلم مقعد سوريا من جديد بعد أن ظل فارغاً لمدة 12 سنة”.
وواصل: “تحول موقف السعودية مرة أخرى بعد سقوط بشار الأسد لعدة أسباب، وكان واضحاً جداً في بيان قمة العقبة أن هناك تحول في الموقف”.
ولخص عبد العزيز مساعي التقارب بين دمشق والرياض بالآتي:
-
أحمد الشرع والنظام السوري الجديد يحتاج إلى السعودية بشكل كبير جداً كدولة نفطية كبيرة صاحبة اقتصاد كبير.
-
سوريا الجديدة بحاجة إلى اقتصاد قوي يدفعها، وأكثر من سيربح من سقوط الأسد وإعادة بناء سوريا هي تركيا وستسعى أمريكا لنيل نصيب من إعادة البناء وأيضاً دول أوروبية.
-
السعودية مهمة جداً في الشأن السوري على المستوى الاقتصادي لدعم بناء الدولة؛ لذلك نجد وزير خارجية تركي يتكلم عن أن دور الرياض جداً كبير في الفترة المقبلة.
-
لا أستبعد أن تكون هناك زيارة تركية إلى الرياض من أجل الدفع في هذا الاتجاه، وسيدفع بهذا الاتجاه أيضاً الولايات المتحدة مقابل ضمانات جادة من قبل النظام الجديد لعدم التعرض لـ”إسرائيل”.