الذكاء الاصطناعي بالإمارات.. رهان استراتيجي اقتصادي على ما بعد النفط

– من المتوقع أن يبلغ حجم مساهمة الذكاء الاصطناعي في اقتصاد الإمارات 96 مليار دولار خلال 5 سنوات القادمة
–الإمارات قد تكون ضمن الدول الثلاث الأولى عالمياً بمساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد بحلول 2030
يرتكز التنوع الاقتصادي في دولة الإمارات على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال استراتيجيات مبتكرة تدعم التحول الرقمي، وتضعها في مقدمة الدول العالمية في مجال الاقتصاد المستدام.
وخلال السنوات الماضية، استطاعت الإمارات دمج التكنولوجيا الحديثة ضمن قطاعاتها الاقتصادية المتنوعة، مما عزز مكانتها الدولية، وفتح آفاقاً واسعة للنمو وخلق فرص عمل واستثمارات نوعية.
اقتصاد الذكاء الاصطناعي
وضمن مسارها المتسارع نحو اقتصاد متنوع وأكثر استدامة، تواصل دولة الإمارات تعزيز موقعها كأحد النماذج الإقليمية البارزة في الاستثمار المستقبلي وتوظيف التكنولوجيا.
وفي هذا السياق، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030، الدكتور محمود محيي الدين، أن الإمارات تواصل ترسيخ مكانتها كنموذج رائد في مجالات تنويع الاقتصاد، والاستثمار في القطاعات المستقبلية، وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة لتحقيق التنمية المستدامة.
وقال محيي الدين بتصريحات لوكالة أنباء الإمارات (وام)، في 15 مايو الجاري، إن الدولة حققت “معدلات نمو قوية” مدفوعة بارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية، واستثمارات نوعية في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، رغم التحديات التي تعصف بالاقتصاد العالمي والتقلبات التي تشهدها الأسواق الناشئة.
وأوضح أن السياسات الاقتصادية في الإمارات اتسمت بالمرونة والتخطيط بعيد المدى، مع التركيز على تعزيز دور القطاع الخاص وتوسيع نطاق الاستثمارات في الطاقة النظيفة.
وأشار المبعوث الأممي إلى أن التحول الرقمي والاعتماد المتسارع على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإمارات لم يعد خياراً بل أصبح “ركيزة أساسية لرفع الكفاءة وتعزيز التنافسية وخلق فرص جديدة للنمو”.
كما أثنى على الجهود الحكومية في تطوير البنية التحتية الرقمية، ودعم المشاريع الابتكارية، وريادة الأعمال، ما يعكس رؤية متكاملة نحو اقتصاد مستدام يعتمد على المعرفة والابتكار.
استراتيجية طموحة
ويؤكد المهندس أحمد طه طاهر، الخبير التقني وصانع المحتوى، بأن الإمارات تتجه بقوة نحو التحول الرقمي الشامل، بهدف تنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد التقليدي على النفط.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن هذه الاستراتيجية الطموحة تتركز على دمج الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات الحكومية والحيوية، مما يعزز الكفاءة ويخلق بيئات عمل مبتكرة.
ويلفت إلى أن ريادة الإمارات في استثمار الذكاء الاصطناعي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الرقمي من خلال إطلاق استراتيجية وطنية تسعى لمضاعفة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي ليصل إلى 20% بحلول عام 2030، وذلك في إطار جهودها لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
ويبين طاهر أن الدولة تعمل على تطوير بنية تحتية قوية للذكاء الاصطناعي، تشمل مراكز البيانات والحوسبة السحابية، بهدف دعم الابتكار في هذا المجال.
كما تستثمر الإمارات بقوة في التعليم والبحث العلمي، حيث تم إنشاء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهي الأولى من نوعها المتخصصة في هذا المجال، بهدف تخريج كوادر وطنية مؤهلة تسهم في تطوير التقنيات والأعمال المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
ويشير الخبير التقني إلى أن الإمارات تُواجه تحديات في مسيرتها نحو الريادة الرقمية، أبرزها:
- التشريعات والحوكمة.
- المنافسة الدولية.
- تطوير الكفاءات البشرية.
ويتابع طاهر: لتحقيق التوازن بين التسرع في التحول الرقمي وضمان استدامة الوظائف البشرية، تعمل الإمارات على:
- دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم: استحداث مادة الذكاء الاصطناعي كمقرر دراسي في جميع المراحل التعليمية، لتعزيز جاهزية الأجيال القادمة.
- سياسة الأخلاقيات: وضع أطر تنظيمية وأخلاقية وقوانين لاستخدام الذكاء الاصطناعي، لضمان حماية قيم ومبادئ المجتمع.
- برامج تمكين الشباب: إطلاق مبادرات وبرامج تدريبية لتعزيز المهارات الرقمية للكوادر البشرية الحالية.
ويتوقع طاهر أن يكون للتحول الرقمي أثر كبير على قطاعي التعليم والصناعة، ففي التعليم، سيُسهم تدريس الذكاء الاصطناعي وتطوير المنصات التعليمية الذكية في بناء جيل قوي ومتعلم.
أما في الصناعة، فسيؤدي استخدام الشركات الإماراتية للذكاء الاصطناعي إلى تحسين عمليات الإنتاج، زيادة الكفاءة، وتقليل التكاليف، مما يعزز قدرتها التنافسية عالمياً.
ويلفت طاهر إلى أن الإمارات تستمر في سعيها الحثيث لتشكيل التوجهات التقنية الإقليمية، لتصبح شريكاً دولياً وسوقاً واعداً، ولترسيخ مكانتها كمركز رقمي عالمي.
ريادة التحوّل الرقمي
وتخطو دولة الإمارات بثبات نحو تعزيز مكانتها كمشارك فاعل في صناعة الذكاء الاصطناعي، وليس مجرد مستهلك له، مستندة إلى بنية تحتية رقمية متقدمة، وتشريعات مرنة، واستراتيجيات وطنية طويلة الأمد.
وفي هذا الإطار، كشفت هيئة دبي الرقمية بالتعاون مع مؤسسة دبي للمستقبل، خلال فعاليات “أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي 2025″، في 24 أبريل الماضي، عن أول إصدار من تقرير “حالة الذكاء الاصطناعي في دبي”، والذي يستعرض أكثر من 100 حالة استخدام واقعية لتقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة الحكومة الرقمية.
ورجّح التقرير أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنحو 64 مليار دولار في اقتصاد دبي بحلول عام 2030، بما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي، في وقت تشير فيه تقديرات “بي دبليو سي الشرق الأوسط” إلى أن الإسهام الكلي للذكاء الاصطناعي في اقتصاد دولة الإمارات سيبلغ 96 مليار دولار في العام نفسه.
ويرتبط هذا النمو الوثيق باستراتيجية دبي الاقتصادية “D33″، التي تستهدف تعزيز التنويع الاقتصادي والاعتماد على التقنيات الحديثة لتحقيق تنمية مستدامة.
ومنذ إطلاق “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي” عام 2017، كجزء من “مئوية الإمارات 2071″، وضعت الدولة نفسها على خريطة الريادة في هذا المجال، لتصبح أول دولة في المنطقة تعتمد خطة شاملة للذكاء الاصطناعي، وتُعيّن أول وزير له على مستوى العالم.
وبيّنت الخبيرة المصرفية عواطف الهرمودي بتصريح لصحيفة “لإمارات اليوم”، في 27 ديسمبر 2024، إن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصراً أساسياً في العمل المصرفي، خصوصاً في إدارة المخاطر، وسرعة إنجاز المعاملات، لكن شددت على أهمية الحفاظ على خصوصية البيانات وتأهيل الكوادر البشرية، تجنباً لأي اختلال في التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري.
أما في قطاع الطاقة، فأشار الخبير الاقتصادي الدكتور علي العامري، إلى أن الذكاء الاصطناعي غيّر شكل العمل في القطاع بشكل كبير، سواء من خلال خفض كُلفة التشغيل أو تحسين الكفاءة والسلامة وتطوير أدوات التنبؤ بالإنتاج والاحتياجات، مما يسهم في رفع تنافسية الإمارات على المدى البعيد.
وأوضح استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات، الخبير عاصم جلال، أن الإمارات تمتلك منظومة تقنية متكاملة من تشريعات، وبنية تحتية، وحوسبة سحابية، وطاقة مستدامة، ما يجعلها قادرة على لعب دور رئيسي في تطوير الذكاء الاصطناعي نفسه، لا فقط استخدامه.
وأشار جلال إلى أن الإمارات تستخدم أنواعاً متعددة من الذكاء الاصطناعي، منها ما يُستخدم لتحليل الأنماط وتوقع سلوك المستهلك، وهو ما نراه في قطاعات التجزئة، والطاقة، والمصارف، وغيرها.
وأشارت وزارة الموارد البشرية والتوطين، في أبريل الماضي، إلى أن الإمارات رسخت مكانتها كدولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ صُنّفت بين الدول الخمس الأولى عالمياً في تنافسية الذكاء الاصطناعي حسب تقرير معهد ستانفورد، واحتلت المرتبة الثالثة عالمياً في استقطاب وتطوير المواهب في هذا المجال.
وتظهر تقديرات عالمية أن الإمارات ستصبح ثالث أكبر دولة في العالم من حيث مساهمة الذكاء الاصطناعي في ناتجها المحلي بحلول 2030.