الخليج وبريطانيا.. اتفاق مرتقب وسط إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي

الخبير الاقتصادي عبدالله الخاطر: الاتفاقية نقطة تحول في تنويع الاقتصاد وتعزيز الشراكات المستقبلية
الخبير الاقتصادي أنور القاسم: قمة الاستثمار الدولية المرتقبة في لندن ستكون محطة مهمة لعقد صفقات مليارية
المحلل الاقتصادي وليد الفقهاء: الشراكة تمهد الطريق لنمو اقتصادي مستدام وفرص استثمارية واسعة
المحلل السياسي قحطان الشرقي: ما يميز هذه الاتفاقية “هو توقيعها في ظروف دولية معقدة تتسم بالاضطرابات
في وقت يعاد فيه تشكيل المشهد الاقتصادي والتجاري العالمي، تقترب اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي من لحظة التوقيع النهائي، لتعد واحدة من أكبر الاتفاقيات الاقتصادية بين الخليج وأوروبا منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست).
ومع سعي بريطانيا المتواصل لتعويض خسائر “البريكست”، تعمل دول الخليج على تنويع اقتصاداتها وإعادة التموضع كمراكز تجارية عالمية، إلى جانب حماية استثماراتها المتنوعة في بريطانيا من الضغوط الاقتصادية وتقلبات الأسواق الدولية، وفي هذا السياق، تبرز اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين كأداة استراتيجية لتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي للطرفين.
الاتفاقية، التي استغرقت مفاوضاتها نحو عامين، يتوقع أن تحدث نقلة نوعية في العلاقات التجارية بين الجانبين، مع وعود بتوسيع نطاق الأسواق، وزيادة الاستثمارات، وتحفيز النمو في قطاعات استراتيجية مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
وتأتي الاتفاقية وسط حروب تجارية أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد فرضاً رسوماً جمركية طالت دول الخليج والمملكة المتحدة أيضاً.
وكانت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفيز، قد أعلنت الأسبوع الماضي، أن حكومة بلادها تقترب من التوصل إلى اتفاق تجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشارت إلى أن الاتفاق المرتقب سيكون الثاني من نوعه للحكومة الحالية، بعد سلسلة من الاتفاقات التجارية التي أبرمتها المملكة المتحدة في مرحلة ما بعد “بريكست”.
وأكدت أن الاتفاق المرتقب مع الخليج من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي البريطاني، إلى جانب الاتفاقات المبرمة مؤخراً مع الولايات المتحدة وأوروبا والهند، مشددة على أن بلادها لا تخطط حالياً لإطلاق مفاوضات تجارية مع الصين.
التبادل التجاري
ويبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي نحو 59 مليار جنيه إسترليني (74.64 مليار دولار أمريكي)، وفقاً للبيانات الرسمية البريطانية.
ومن المتوقع أن تسهم اتفاقية التجارة الحرة في زيادة هذا الرقم بنسبة 16%، أي ما يعادل نحو 8.6 مليارات جنيه إسترليني (10.8 مليار دولار).
وستعزز الاتفاقية التجارة بنسبة 16%، وتضيف 1.2 مليار جنيه إسترليني (1.5 مليار دولار) للناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج.
الاستثمارات الخليجية في بريطانيا
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله الخاطر أن اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون تمثل “نقطة تحول محورية” في مسار الاقتصاد الخليجي، مشيراً إلى أنها ستسهم بشكل فاعل في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، خصوصاً وأن الاتفاقية تعقد مع واحدة من أقوى الاقتصادات العالمية.
ويضيف الخاطر في حديثه لـ “الخليج أونلاين” أن التقديرات تشير إلى أن إسهام الاتفاقية في رفع حجم التجارة الثنائية بنسبة تصل إلى 16%، سيترجم إلى فرص استثمارية وتجارية واسعة للشركات والمستثمرين في كلا الجانبين.
وفيما يتعلق بأثر الاتفاقية على التبادل التجاري، أوضح أنها تمهد الطريق لزيادة كبيرة في حجمه، مع توقعات بأن تسهم في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للطرفين، مشيراً إلى “دول الخليج تمتلك العديد من الاستثمارات في بريطانيا ما يعني أن أي نمو في الاقتصاد البريطاني يعود بالنفع على دول الخليج”.
وفي سياق حديثه عن القطاعات المستفيدة، يقول الخاطر: “إن التركيز سيكون على قطاعات واعدة مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والخدمات المالية، وهي قطاعات يعول عليها في قيادة النمو الاقتصادي المستدام، وتعزيز الشراكات طويلة الأمد مع بريطانيا”.
وأشار إلى أن أحد أبرز جوانب القوة في هذه الاتفاقية هو دعمها لمشاريع الطاقة النظيفة، خاصة في مجالات الهيدروجين الأخضر وتقنيات احتجاز الكربون، في وقت تتبنى فيه دول الخليج خططاً طموحة لتوسيع قاعدة الطاقة المتجددة، ضمن رؤى مثل “رؤية قطر 2030″ و”رؤية السعودية 2030”.
وختم الخاطر تصريحه بالتأكيد على أن الاتفاقية ستسهم أيضاً في تعزيز الأمن الغذائي من خلال تحسين واردات الأغذية والمشروبات من المملكة المتحدة، وإزالة الحواجز الجمركية، مما يدعم استقرار سلاسل الإمداد، ويعزز من تنوع المنتجات المتاحة في الأسواق الخليجية.
قمة الاستثمار الدولية
الخبير في الاقتصاد الأوروبي الدكتور أنور القاسم، يرى أن الاتفاق الجديد بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي يعد حيوياً ومفصلياً بالنسبة لبريطانيا، مؤكدا أنه سيسهم في خفض الرسوم الجمركية، وتعزيز الاستثمار المتبادل، مما يمنح المستثمرين البريطانيين وصولاً أوسع إلى الأسواق الخليجية.
ويؤكد القاسم المقيم في العاصمة البريطانية لندن، أن الاتفاق يوفر لدول الخليج دفعة قوية في مجالات الابتكار والتجارة الرقمية، من خلال تعزيز فرص إنشاء مشاريع تجارية في التكنولوجيا الناشئة، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، مما يدعم بقوة جهود التحول الرقمي في دول الخليج الست.
كما يضيف في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن المملكة المتحدة تستفيد من استثمارات خليجية ضخمة، حيث تتجاوز الاستثمارات القطرية وحدها 50 مليار جنيه.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن لندن تسعى إلى تنويع برامج الاستثمار مع السعودية والإمارات، في حين تهدف دول الخليج إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتوسيع مصادر الدخل، وتحديث اقتصاداتها عبر خلق بيئة داعمة للأعمال، وإعادة ضبط علاقاتها مع الشركاء التجاريين.
وشدد أيضاً على أن الجانب البريطاني يدرك تماماً أهمية التكنولوجيا الرقمية في تعزيز فرص الاستثمار، مشيراً إلى رغبة بعض دول الخليج في التوجه نحو التصنيع المتقدم، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والتقنيات الرقمية في الصناعة، وهو قطاع واعد للغاية، خصوصًا في السوق البريطانية.
كما يرى القاسم أن الحكومة البريطانية تسعى لجذب استثمارات خليجية في قطاعات استراتيجية، منها التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة، مشيراً إلى أن هناك توافقاً ملحوظاً بين الأهداف الخليجية في خفض الانبعاثات الكربونية، وزيادة قدرة الطاقة، وتطلعات المملكة المتحدة لقيادة هذا التحول.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن قمة الاستثمار الدولية المرتقبة في لندن يوم 14 أكتوبر ستكون محطة مهمة لعقد صفقات بمليارات الجنيهات مع دول الخليج، مما يتطلب من هذه الدول امتلاك رؤية واضحة ودقيقة لأهدافها الاستثمارية في المملكة المتحدة.
الرسوم الجمركية التفضيلية
بدروه، يؤكد المحلل الاقتصادي والمالي وليد الفقهاء، أن الاتفاقية بين دول الخليج والمملكة المتحدة تمثل خطوة استراتيجية مهمة سيكون لها أثر إيجابي على الاقتصاد الخليجي والبريطاني على حد سواء، خصوصاً على المدى القريب، حيث ستسهم في سهولة تنقل رؤوس الأموال، وتوفر معاملة تفضيلية للسلع الخليجية من خلال الاستفادة من الرسوم الجمركية التفضيلية.
ويضيف الفقهاء في حديثه لـ “الخليج أونلاين” أن السوق البريطاني يعتبر قوياً وعميقاً، ومن الممكن الاستفادة منه بشكل كبير في تنويع الاقتصاد الخليجي، لا سيما في ظل التركيز على تعزيز رؤية 2030 لمعظم دول الخليج.
كما يشير إلى أن الاتفاقية، وعلى المدى البعيد، تشكل أساساً حقيقياً لتقليل الاعتماد على النفط، وتفتح آفاقاً للاستفادة من قطاعات مثل الصناعة، الخدمات اللوجستية، وقطاع الرياضة، الذي بدأ يشكل جزءاً مهماً من الناتج المحلي الإجمالي في عدد من دول الخليج.
وفيما يتعلق بالقطاعات المتوقع أن تستفيد بشكل مباشر من الاتفاقية، يوضح الفقهاء أن من أبرزها:
- قطاع البتروكيماويات والمعادن، نتيجة التسهيلات الجمركية وزيادة الطلب البريطاني على المنتجات الخليجية.
- الخدمات المالية، حيث أصبحت مدن مثل الدوحة، دبي، أبوظبي، والرياض مراكز مالية إقليمية وعالمية، وقد بدأت شركات بريطانية فعلا في فتح فروع لها داخل الخليج.
- السياحة والضيافة، من خلال تعزيز حركة السياحة والتبادل الاستثماري.
- التعليم والرعاية الصحية، حيث يوجد اهتمام خليجي متزايد بالاستفادة من جودة التعليم البريطاني، ما ينعكس إيجابيا على الطلاب والباحثين.
ويقول الفقهاء: “هناك توجه قوي لدى دول الخليج نحو الطاقة المتجددة، والاتفاقية ستعزز هذا التوجه من خلال الاستفادة من الخبرات البريطانية في طاقة الرياح، الهيدروجين الأخضر، والطاقة الشمسية، وهي مجالات تتصدر فيها بريطانيا عالمياً”.
وأوضح أن تبادل الخبرات في هذه المجالات، إلى جانب التعاون البحثي والمالي، سيسهم في دعم جهود الاستدامة في المنطقة، ويسهل الحصول على تمويل عالمي لمشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك السندات الخضراء.
تحول حقيقي
أما الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي، فيرى أن اتفاق التجارة المرتقب بين الخليج والمملكة المتحدة يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز العلاقات الثنائية.
ويعتقد في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن الاتفاق “سيحدث تحولاً حقيقياً، فدول الخليج، وخاصة السعودية، باتت تستقطب العديد من الدول وتلعب أدواراً كبيرة في المنطقة وعلى المستوى الدولي، وتجلى هذا الدور في قضايا عدة أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع العقوبات عن سوريا، ووقف التصعيد بين الهند وباكستان، ورعاية إنهاء الحرب في السودان”.
ولفت إلى أن “هذا التوجه الخليجي الجديد يعكس سعياً لتحقيق المصالح المشتركة مع الدول الأخرى على أساس تبادل المنفعة، بعيداً عن الاستقطاب والانحياز لطرف دون آخر”.
ويرى الشرقي أن “هذه السياسة قد أكسبت دول المنطقة، ودول الخليج العربي تحديداً، ميزة فريدة في ظل عالم مضطرب يشهد صراعات عديدة”.
ويبين أن ما يميز هذه الاتفاقية “هو توقيعها في ظروف دولية معقدة تتسم بالاضطرابات، فمثل هذه التفاهمات طويلة الأمد والاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والعلمية تسهم في تعزيز استقرار الدول وتحقيق مكاسب اقتصادية وتقنية كبيرة”.