الخلاف الإماراتي السوداني.. تركيا تختبر ثاني وساطة في أفريقيا
– خرجت السودان بتصريحات على لسان وزير خارجيتها علي يوسف رحبت بالمبادرة التركية
– لم يصدر أي بيان من الجانب الإماراتي الذي يرتبط بعلاقات واسعة مع تركيا
في خطوة قد تعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في أفريقيا، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده للوساطة في الأزمة بين السودان والإمارات لحل الخلافات بينهما.
وتتميز العلاقة بين السودان وتركيا من جهة وبين أبوظبي وأنقرة من جهة أخرى، خلال السنوات الأخيرة، بنوع من الاستقرار، وهو ما يشجعها على أن تقدم نفسها كوسيطة موثوقة لدى الطرفين.
وتسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية من خلال استراتيجيات متعددة تشمل التعاون الاقتصادي، والمساعدات الإنسانية، والأدوار الدبلوماسية، التي كان آخرها رعايتها لاتفاق بين إثيوبيا والصومال وإنهاء أزمة كبيرة عاشها البلدين مؤخراً وعجزت كثير من الدول من حلها، فهل ستكون طريقاً لحل أزمة السودان والإمارات؟.
وساطة تركية
يبدو أن الوساطة الناجحة بين بلدين أفريقيين، دفعت الرئاسة التركية للمضي قدماً في محاولة التوسط في ملفات أخرى، حيث أبلغ أردوغان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في مكالمة هاتفية مؤخراً، أن أنقرة مستعدة للتوسط في حل الخلافات بين السودان والإمارات.
وأكدت في بيانٍ لها (منتصف ديسمبر)، العمل على إنهاء الحرب بين القوى السودانية وسط ترحيب من قبل قائد الجيش السوداني.
وذكرت الرئاسة التركية إن أردوغان ناقش مع البرهان في المكالمة الهاتفية العلاقات التركية السودانية بالإضافة إلى القضايا الإقليمية والعالمية.
من جانبه، أشاد البرهان بمواقف تركيا الداعمة للسودان، مثمناً جهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم ومعالجتها للكثير من القضايا على المستويين الإقليمي والدولي، وأشار إلى نجاحها في معالجة الملف السوري.
وجاء العرض المقدم للبرهان، بعد أيام فقط من توسط أردوغان في اتفاق بين إثيوبيا والصومال، حيث بدأت الصفقة بمحادثات فنية هدفت إلى حل نزاع نشأ بعد أن وقعت الأولى اتفاقاً مع “أرض الصومال”، وهي منطقة انفصالية في الصومال.
وتأتي هذه المبادرة في وقت تواجه فيه السودان تحديات كبيرة بسبب التدخلات الخارجية التي يرى مراقبون أنها لعبت دوراً مباشراً في تأجيج الصراع وإطالة أمده.
شرط سوداني وصمت إماراتي
وعلى الفور خرج السودان بتصريحات على لسان وزير خارجيته علي يوسف، مرحباً بالمبادرة التركية، لكنه قال في مقابلة مع موقع “المحقق” المحلي، إن “هناك محددات يجب الاتفاق عليها قبل موافقة القيادة السودانية على الدخول في مفاوضات مع الإمارات”، من بينها “وقف الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع على رأس تلك المحددات”، وهي التهم التي تنفيها أبوظبي قطعياً.
وأضاف: “عقب ذلك يجب التزام الإمارات بالحفاظ على وحدة وسيادة ومؤسسات السودان، ومن ضمن ذلك القوات المسلحة، علاوة على دفع تعويضات مالية للشعب السوداني”.
واعتبر الوزير السوداني مبادرة الرئيس التركي إيجابية “لامتلاكه قدرات وعلاقات كبيرة مع الدول العربية والأفريقية”، مضيفاً أن المبادرة “وجدت ترحيباً من السودان والإمارات قبل أن يعلنها”.
لكنه استدرك بالقول إن الوضع في السودان “معقد جداً”، متابعاً: “الصراع المبني على دعم الإمارات الواضح والمؤكد والمثبت بإمدادها الدعم السريع بالسلاح والعتاد يحتاج إلى أن تكون المعالجة مختلفة عن قضايا أخرى مثل مشكلة إثيوبيا والصومال”.
ولم تعلق أبوظبي على تصريحات الرئيس التركي بشأن الوساطة، فيما تؤكد وقوفها إلى جانب الشعب السوداني وتدعو “لوقف الحرب العبثية بين القوى العسكرية عبر الانخراط في عملية سياسية شاملة وإيصال المساعدات الإنسانية للنازحين والمدنيين الفارين من الحرب”.
تركيا مؤهلة للوساطة
يرى مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات محمد صالح عمر، أن تركيا بإمكانها أن تساهم في وقف الحرب في السودان “بمساعدة عدد من الدول الإقليمية الحريصة على استتباب الأمن والاستقرار السودان والتي تتضرر بشكل مباشر أو غير مباشر”.
ويشير إلى أن أنقرة إذا وجدت تفاعلاً إيجابياً من الأطراف وأيضاً من الشركاء الدوليين الذين ظلوا شركاء طيلة السنوات الماضية في عدد من الملفات السودانية، “فإنها ستكون مؤهلة ولديها القدرة في أن تنهي الخلافات خاصة وأنها تملك علاقات جيدة مع السودان ومع الامارات العربية المتحدة”.
ويجدد تأكيده في حديثه لـ”الخليج أونلاين” بالقول: “أعتقد أن تركيا مؤهلة وتثق فيها الأطراف بجدية وعزيمة، ولديها القدرة على فهم واستيعاب تعقيدات الملفات التي يمكن أن تشكل العقبة في حل المشكلة السودانية وبالتالي تركيا من هذا الجانب مؤهلة في إنهاء الخلافات بين الجانبين”.
ومن العوامل التي قد تساعدها في ذلك، يقول عمر: “أولها أن هناك انتقالاً ننتظره في يناير القادم في السلطة بأمريكا من الديمقراطيين إلى الحزب الجمهوري الذي أصبح لديه القوة بمجلسي النواب والشيوخ، وبالتالي فإن دونالد ترامب قادم بقوة وستحرص إدارته على طي وإنهاء عدد من الملفات الساخنة والتي كانت طرفاً فيها في الفترة الماضية”.
وأضاف عمر: “إضافة إلى أن الأوضاع الميدانية عسكرياً في السودان ليست في صالح الدعم السريع بل في صالح الجيش السوداني الذي يحقق تقدماً مع أجهزته والمستنفرين معه، يحققون تقدماً ومستمراً في عدد من الجبهات وبالتالي هذه العوامل تساعد على تنازل الأطراف المتعنتة خاصة الإمارات التي كانت ترفض أنها طرف في أي مشكلة فيما يجري في السودان”.
ويعتقد أن الوضع في السودان “في اتجاهه للتغيير وقد يدفع الإمارات والدعم السريع للقبول بأن تكون هناك وساطة”.
لكنه في الوقت ذاته يرى أنه قد يكون هناك ما يعقّد هذه الوساطة “وهو أن هناك تيار قوي داخل الأطراف المناصرة للجيش سواء كانت سياسية أو مستنفرين أو بعض القوى في السودان، قد لا توافق على إعطاء فرصة أو ما يمكن أن يطلق عليه نفخ الروح في الدعم السريع الذي تتضاءل قوته ويتراجع في مواقعه الميدانية وتلحق به هزائم متتالية”.
وتابع: “هناك تيار رافض بأن تقدم أوراق، أي كان مستوى قوتها أو ضعفها، للدعم السريع في اليوم التالي للحرب، وبالتالي يرفضون أي تفاهم معه، الاستسلام أو الحسم العسكري”، إلا أنه في الوقت ذاته يشير إلى أنه “بشكل عام فإن أي حل يمكن أن يؤدي إلى إنهاء هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس”.
وأشار إلى أنه “ما دام هناك وسطاء جادين يعملون لمصلحة الأطراف وإنهاء الحرب في السودان فهذه أسباب كافية بأن تساعد في إنهاء هذه الحرب وتساعد تركيا على أداء الدور، إضافة إلى موافقة الشركاء الدوليين”.
علاقات تركيا بالبلدين
ما تزال أنقرة تنتظر رد الجانب السوداني والإماراتي رسمياً حول مناقشة التفاصيل الدقيقة للوساطة المقترحة، وعما إذا كان هناك إمكانية عقد لقاء مباشر على مستوى رؤساء الدولتين، خاصة مع رغبة تركية في إحياء المبادرة التي طرحتها إثيوبيا في يوليو 2024، والتي مضت إلى مرحلة إجراء مكالمة هاتفية بين البرهان ورئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد.
وتطورت العلاقات التركية الإماراتية كثيراً في الآونة الأخيرة، وقد تبادل أردوغان زيارات عديدة للعاصمة الإماراتية والتقى الرئيس بن زايد، الذي زار بدوره أنقره، وتم التوقيع على العديد من الاتفاقيات الاقتصادية وتعزيز الشراكة.
كما يعكس دخول تركيا وسيطاً في هذا السياق طموحها لتعزيز دورها في السودان، خصوصاً مع وجود تاريخ من العلاقات القوية بين البلدين وانحياز أنقرة إلى صف البرهان، وقبله علاقتها مع الرئيس السابق عمر البشير.
ويسود التوتر أجواء العلاقات بين مجلس السيادة السوداني والإمارات؛ على خلفية اتهامات متبادلة بين الجانبين، حيث تتهم الخرطوم أبوظبي بالتدخل في الشأن السوداني ودعم قوات الدعم السريع “المتمردة” عسكرياً.
بالمقابل تنفي الإمارات هذه التهمة مراراً رغم التقارير الدولية، ووجهت اتهاماً للجيش السوداني بقصف مقر بعثتها الدبلوماسية بالخرطوم، في سبتمبر الماضي.
ويشهد السودان حرباً داخلية شرسة، منذ أبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، تسببت في مقتل وإصابة عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 11 مليون مدني، بينهم 3 ملايين إلى خارج البلاد، بحسب بيانات أممية.