الخطاب الذي فجر سخرية.. نتنياهو يواصل التضليل والتهرب من أزماته

جاء الخطاب في توقيت بالغ الحساسية وسط تزايد الضغوط الداخلية وتصاعد الانتقادات الدولية
في لحظة سياسية حرجة تمر بها “إسرائيل”، أطل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بخطاب متلفز أثار جدلاً واسعاً وفتح الباب أمام موجة جديدة من الانتقادات داخل الأوساط السياسية والعسكرية وحتى الشعبية.
وتعمد نتنياهو خلال خطابه التهرب من أزماته الداخلية، خاصة ضغط أهالي الأسرى الإسرائيليين المتواجدين في القطاع، ومطالبتهم بإبرام صفقة مع المقاومة الفلسطينية وإخراج أبنائهم، والاتهامات الموجهة له أيضاً من قادة سابقين بأنه يرتكب جريمة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وحاول رئيس حكومة الاحتلال من خلال خطابه الذي جرى الأربعاء 21 مايو الجاري، التهرب من اتهامات الفساد التي تلاحقه من خلال انتقاله للهجوم على دولة قطر عبر مزاعم أنها تقدم دعماً لحركة “حماس”.
وجاء الخطاب في توقيت بالغ الحساسية وسط تزايد الضغوط الداخلية وتصاعد الانتقادات الدولية، التي عكست حالة من الارتباك والتخبط في إدارة المشهد الإسرائيلي.
ورغم تكرار نتنياهو لعبارات مألوفة مثل “القضاء على حماس”، و”تحرير الرهائن”، و”معركة وجود”، إلا أن خطابه خلا من أي مضمون جديد أو مقنع، حتى بالنسبة لمؤيديه التقليديين.
ومع مرور سنة ونصف على بدء الحرب، لم ينجح نتنياهو في تحقيق أي من الأهداف المعلنة، سواء على صعيد الأمن أو الردع أو كسب المعركة عسكرياً، بل إن الواقع الميداني والدولي يزداد تعقيداً، مع استمرار سقوط الضحايا المدنيين في غزة، واتساع رقعة التنديد العالمي بالممارسات الإسرائيلية، ما يعمق من عزلة الكيان ويقوّض السردية الرسمية التي يحاول نتنياهو التمسك بها.
رفع سقف المطالب
الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أكد أن نتنياهو يرفع سقف مطالبه لوقف الحرب، محدداً إياها بإجلاء قادة حركة “حماس”، ونزع سلاحها، وجعل غزة منطقة منزوعة السلاح، وضمان عدم عودة القطاع ليمثل تهديداً أمنياً لدولة الاحتلال، وتحقيق سيطرة أمنية كاملة وحرية حركة، بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
وقال منصور في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “نتنياهو يعتبر أن ما دون هذه المطالب لا يستدعي إلا وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، لا أكثر”.
وفيما يتعلق بتوزيع المساعدات الإنسانية، أوضح منصور أن نتنياهو تحدث عن آلية من ثلاث مراحل، تبدأ بتقديم المساعدات الأساسية كما هو حاصل حالياً، ثم إدخالها عبر شركات أمنية إلى مراكز محددة، وأخيراً الوصول إلى مرحلة التوزيع في المناطق التي سيسيطر عليها جيش الاحتلال، “حيث سيتمكن الناس من الحصول على كل شيء”، بحسب زعم نتنياهو.
وكشف منصور أن القناة 12 الإسرائيلية أعلنت عن بدء الجيش العمل على إنشاء لواء إقليمي جديد تحت اسم “لواء رفح”، في إشارة إلى إقامة إدارة مدنية وعسكرية شبيهة بقيادة المنطقة الوسطى الموجودة في الضفة الغربية.
وأكد أن هذه المعطيات تشير إلى أن لا نهاية قريبة للحرب، وأن فكرة فرض السيطرة الإسرائيلية على غزة وإقامة حكم عسكري فيها أصبحت شبه حتمية.
وأشار إلى أن نتنياهو أكمل خطابه بالإعلان عن الخطوة التالية، والتي تتمثل في تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موضحاً أنها تقوم على مبدأ “من يريد الخروج فليخرج”، في إشارة إلى تسهيل تهجير الفلسطينيين من القطاع.
وأوضح أن “خطة كهذه لا تواجه بصفقات ووساطات وتحسين أوضاع أو نقاشات حول من يحكم ومن لا يحكم، بل تحتاج إلى برنامج سياسي ورؤية وطنية تضمن وقف الموت والجوع والتدمير، وإحباط مخططات التهجير، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، التي نُسيت في زحمة الصفقات والخطابات الفارغة”.
غضب إسرائيلي وتهكم
لم تمر تصريحات نتنياهو في خطابه الأخير دون ردود فعل حادة وساخرة من وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي هاجم عدد من صحفييها البارزين مضمون الخطاب، مشيرين إلى ما اعتبروه تضليلاً، تهرباً من المسؤولية، وتكراراً لوعود فارغة.
الصحفي أرون أبراهام، من القناة 12 الإسرائيلية سخر بشدة من محاولة نتنياهو تبرئة نفسه من الإخفاقات الأمنية في السابع من أكتوبر، قائلاً: “قال نتنياهو الليلة إنه لم يتم اختراق أي نفق يوم السابع من أكتوبر، لأنني – كرئيس للوزراء – أصررت على بناء جدار تحت الأرض، وقد دخلوا من فوق الأرض بالشباشب والكلاشنكوف! كم هو محظوظ رئيس الوزراء! كانت هناك حماية تحت الأرض، فاخترقوا من الأعلى… إنها معجزة!”
وأضاف أبراهام بتهكم: “بالمناسبة، يا سيد رئيس الوزراء، آخر مرة تحققت فيها من القانون، كنت مسؤولاً عن إسرائيل تحت الأرض وفوقها. نعم، ما يجري فوق الأرض أيضاً من مسؤولياتك… ويمكنك التحقق من ذلك بنفسك”.
في السياق نفسه، علق الصحفي دفنا ليئال من القناة 12 على رد نتنياهو الطويل بشأن قضية “قطر غيت”، مشيرة إلى أن ما غاب عن رده هو الأهم، إذ قال: “تلقينا رداً مطولاً من رئيس الوزراء حول الأموال القطرية، لكنه لم ينطق بالجملة الوحيدة التي كان يجب أن يقولها: لن أسمح أبداً بأن يتلقى أقرب مستشاري رواتبهم من قطر. من يفعل ذلك لن يعمل معي بعد اليوم”.
أما الصحفي السياسي ميخائيل شيمش من هيئة البث الإسرائيلية (كان 11)، فقد وجه سؤالاً مباشراً لنتنياهو، قائلاً: “في ديسمبر 2023 قلتم إن النصر الكامل قريب، وفي فبراير 2024 أكدتم أن النصر أصبح في متناول اليد، ثم في أبريل أعلنتم أننا على بعد خطوة واحدة من النصر، وفي مارس وعدتم بنصر عظيم. فماذا تقولون اليوم لجنود الاحتياط الذين يسألون: كم بقي على غزة 2023؟”.
هذا السيل من الانتقادات يعكس أزمة ثقة متزايدة بين نتنياهو ووسائل الإعلام الإسرائيلية، ويجسد حالة الشك المتنامية في قدرته على تقديم رواية متماسكة أو تحقيق اختراق فعلي على أرض الواقع، سواء عسكرياً أو سياسياً.